أخنوش "ينقل" تدبير 125 مليارا لبرنامج "فرصة" لشركة يتهمها المجلس الأعلى للحسابات بـ"الريع" وترأسها وزيرة من حزبه
لا تزال حكومة عزيز أخنوش تتجاهل سيل الانتقادات والملاحظات الموجهة لها بخصوص اختيارها للشركة المغربية للهندسة السياحية المعروفة اختصارا بـSMIT من أجل قيادة برنامج "فرصة" الذي أُطلق رسميا منتصف شهر مارس الجاري، والذي يستهدف حاملي الأفكار والمشاريع المقاولاتية، وهو ما يعني أن هذه الشركة التي كانت محط انتقادات حادة من لدن المجلس الأعلى للحسابات في تقريره الخاص بسنة 2015، ستنال ميزانية بقيمة مليار و250 مليون درهم.
والمثير في الأمر هو أن هذا البرنامج الذي يهدف إلى مواكبة 10 آلاف حامل مشروع في جميع القطاعات الاقتصادية، عبر آليات تتعلق بالتكوين والاحتضان والتمويل، أُبعد من يد يونس السكوري، وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولات الصغرى والشغل والكفاءات، المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة والوصي المباشر على القطاع، وأُنيط بشركة ترأس مجلسها الإداري فاطمة الزهراء عمور، وزيرة السياحة والصناعة التقليدية والاقتصاد الاجتماعي والتضامني، والمنتمية لحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يقوده رئيس الحكومة.
ويبدو أن التمهيد لهذه "النقلة" غير المفهومة لمشروع يُعول عليه المغرب من أجل إحداث طفرة في مجال الشغل بدأ مبكرا من خلال تلميع صورة الشركة التي لا زالت انتقادات المجلس الأعلى للحسابات تطاردها في مجال توظيف وتدبير الموارد البشرية تحديدا، ففي يناير الماضي ترأست الوزيرة عمور مجلسها الإداري مشيدة بـ"النتائج التي حققتها على مستوى إنعاش الاستثمار السياحي"، في فترة كان فيها الفاعلون في قطاع السياحة يشتكون من أزمة غير مسبوقة بسبب قرار الإغلاق الجوي والبحري.
وكان هذا القرار موضوع سؤال برلماني كتابي من فريق الحركة الشعبية، باسم النائب محمد أوزين، موجه لرئيس الحكومة، والذي أشار فيه إلى "تسييس" برنامج "فرصة"، وإلى "تهريب" برنامج ملكي إلى الشركة المغربية للهندسة السياحية عوض تسليمه إلى القطاع الحكومي الوصي، منبها أيضا إلى افتقار الشركة للكفاءة والقدرات المطلوبة لقيادة هذا البرنامج، غير أن أخنوش لا زال إلى الآن يتجاهل كل هذه الملاحظات.
لكن سؤال أوزين ليس الوحيد الذي يسكت عنه رئيس الحكومة، بل أيضا تقرير المجلس الأعلى للحسابات الخاص بسنة 2015 والصادر سنة 2017، وبالرجوع إلى مضامينه، والذي وضع الأصبع على نقائص واختلالات تهم تدبيرها للقطاع السياحي الذي أسست من أجله، على غرار تسجيل خصاص على مستوى الدراسات ذات البعد الاستراتيجي أو تلك المتعلقة بالمنتوج السياحي، إلى جانب مساهمتها المحدودة في تنفيذ عقود البرامج الجهوية أو عدم تفعيلها بالمطلق.
وأفرد التقرير جزءا مهما للوضعية المالية للشركة، حيث أوضح أنها تكبدت نتائج استغلال سلبية خلال الفترة الممتدة ما بين 2010 و2014، مع الإشارة إلى أن العائدات المتحصلة من النشاط الرئيسي للشركة وهو الهندسة السياحية "تظل ضعيفة"، وتعول أساسا على الدعم المالي للدولة سواء التمويل المباشر أو رفع رأس المال وتمويل مساهماتها المالية في رأسمال شركات أخرى.
لكن أخطر ما حمله التقرير، والمرتبط بمجال التشغيل الذي سلمه أخنوش للشركة، فهو سوء تدبيرها للموارد البشرية، وتحديدا ما يتعلق بالتوظيفات، حيث أورد أنها لم تبدأ في اللجوء إلى مسطرة طلب ترشيحات لملء المناصب الشاغرة إلا ابتداء من عام 2012، وذلك بعد تعميم منشور لرئيس الحكومة مُتعلق بآليات تدبير التوظيفات في المؤسسات والمقاولات العمومية.
ويتبين من فحص ملفات التوظيف بالشركة، حسب قضاة مجلس الحسابات، أنها لا تقوم دائما بالإعلان عن الوظائف المزمع شغلها، حيث تبين أنه من بين 80 توظيفا قامت بها الشركة في الفترة موضوع المراقبة، فإن 30 حالة فقط هي التي كانت موضوع إعلان عن توظيف، إضافة إلى أن نتائج مسطرة التوظيف لا يتم الإعلان عنها في جميع الحالات.
وتدفع توصيات المجلس بخصوص الشركة إلى القلق بخصوص قدرتها على قيادة برنامج فرصة، لأن التقرير يتهمها بالتورط في "الريع" بصيغة صريحة، إذا جاء فيه أن عليها مراجعة نموذجها الاقتصادي المبني على وضعية ريعية تستفيد منها الشركة منذ نشأتها، وذلك لعدم انسجامه مع كونها شركة، حيث ينبغي أن يبنى النموذج الاقتصادي للشركة على مبادئ الإنتاجية والمردودية، وبشكل عام على المبادئ التي تبنى عليها المؤسسات المنتجة لقيمة مضافة حقيقية.
وبشكل عملي، يقول التقرير، فإن الشركة مدعوة لتطوير مهنة حقيقية للهندسة والاستشارة في المجال السياحي، قابلة للتسويق تجاريا لدى المستثمرين كسبيل وحيد لتمكينها من ضمان الاستمرارية بشكل مستقل عن المبيعات التي تهم رصيدها العقاري وكذا دعم الدولة، خصوصا مع توفرها على أعداد مهمة من الأطر والمهندسين.
وشددت الوثيقة على توخي مزيد من الفعالية بشأن أعمال الترويج وجذب المستثمرين إلى القطاع السياحي، حيث أوصى المجلس الشركة بالقيام بهذه المهمة في إطار استراتيجية شاملة ومحددة بشكل جيد ومفصلة في شكل برامج عمل بأهداف واضحة قابلة للقياس تمكن من تقييم أداء الشركة في مجال الترويج والقيام بالتعديلات اللازمة في هذا الصدد، مع الحرص على الوفاء الكامل بالتزامات الشركة في مسلسل تنزيل وتفعيل السياسات العمومية في مجال السياحة.
ودق التقرير ناقوس الخطر بشأن نزاهة الشركة في مجال التشغيل تحديدا، إذ دعاها إلى ضمان مزيد من الشفافية في مجال تدبير الموارد البشرية خاصة فيما يخص مسطرة التوظيف، وتجنب مراكمة بعض الموظفين للأجور، وكذا تجنب الغموض الذي يكتنف تحديد طبيعة بعض المهام الموكلة للخبراء المتعاقدين مع الشركة.