أزمة المغاربة العالقين: حكومة العثماني تغامر بـ"الوطنية" و"السمعة" والاقتصاد
لم يكن البرود الذي ظهر عليه رئيس الحكومة سعد الدين العثماني وهو يتحدث عن أن عودة المواطنين المغاربة العالقين بمختلف دول العالم ستتم بعد معاودة فتح الحدود، تعكس الغليان الذي يعيشه ضحايا هذا الوضع، الذين وجدوا أنفسهم، دون تخطيط مسبق ودون إرادتهم، قد تحولوا إلى جزء من "مغاربة المهجر" لكن دون وثائق إقامة أو عمل.
ومباشرة بعد خرجة العثماني، الخميس عبر القنوات التلفزيونية الوطنية، شعر العالقون المغاربة وكأن آخر شعرة أمل كانوا يتمسكون بها قد قُطعت، لذلك دعوا إلى سلسلة من الوقفات الاحتجاجية أمام مجموعة السفارات والقنصليات المغربية ابتداء من يوم الاثنين 11 ماي، في خطوة ستكون ضربة جديدة لسمعة المملكة، التي لم تعرف حكومتها كيف تحل هذه الأزمة التي نجحت جل دول العالم في حل مثيلاتها.
سراب العودة
وكان المغاربة العالقون البالغ تعدادهم أكثر من 27 ألف شخص، والذين يوجد عدد كبير منهم على مرمى حجر من المغرب، وتحديدا في إسبانيا وفرنسا وبلجيكا، بل حتى في سبتة ومليلية المحتلتين، (كانوا) يتوقعون أن يبدأ ترحيلهم في الأسبوع الأول من شهر رمضان، استنادا إلى "تطمينات" وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، أمام مجلس النواب بتاريخ 23 أبريل 2020، الذي شدد على أن الأمر يتعلق بحق دستوري وعلى أن الملك يولي أهمية للموضوع.
غير أن ما جرى بعد ذلك لم يحمل أي "بشرى" للعالقين، فالتنسيق بين وزارة الخارجية ووزارة الصحة لم يؤد إلى أي نتيجة حتى مع إعلان العالقين استعدادهم للخضوع لفحوصات وبقاءهم في الحجر الصحي لحين ثبوت خلوهم من فيروس كورونا، أما المطارات والموانئ ظلت تفتح لرحيل الأجانب لا لعودة المغاربة، بينما الوزارة المنتدبة المكلفة بالمغاربة المقيمين بالخارج فلم تجد من مقترحات تقدمها لمواطنيها العالقين قسرا في المهجر سوى استشارات تطوعيا من بعض المحامين، وهي التي اعترفت بأن نسبة من تكفلت بهم السفارات والقنصليات خلال هذه الأزمة بشكل كلي أو جزئي لم تزد على 25 في المائة.
مآسي العالقين
وبدت الحكومة وكأنها لا تعي حقيقة وضع المغاربة العالقين، رغم أنهم تكفلوا بإيصالها للجميع عبر منصات التواصل الاجتماعي، فمنهم أمهات وآباء وجدوا أنفسهم بعيدين عن أبنائهم قسرا طيلة 3 أشهر بعدما كانوا ينوون قضاء عطلة لا تزيد مدتها على أسبوع، وآخرون صاروا مهددين بفقدان عملهم بالمغرب بحجة "التغيب غير المبرر"، وآخرون تحولوا إلى "مشردين" أو أغرقوا أنفسهم بالديون لتحمل تكلفة العيش في دول الاستقبال، هذا بالإضافة إلى التبعات النفسية لاضطرار بعضهم العيش "عالة" على بعض أقرابهم، كما يصفون هم الأمر.
لكن ما زاد الأمر سوءا هو مشهد مواطني دول العالم وهم يغادرون إلى ديارهم، ومنهم منتمون إلى دول صغيرة وفقيرة في إفريقيا وآسيا، وأيضا مشهد الطائرات والسفن وهي تقلع من المطارات والموانئ المغربية في رحلات استثنائية نحو مختلف دول العالم، والتي كانت آخرها رحلتان من ميناء طنجة المتوسطي إلى جبل طارق تكفلت بهما الحكومة المحلية لشبه الجزيرة البريطانية الصغيرة، ما جعل العديد من المغاربة يعتقدون أن معاملة سلطات بلادهم لهم هي الأسوأ في العالم.
إضرار بصورة المغرب
وخارجيا، كان لهذا الموضوع تأثير واضح على صورة المغرب، خاصة بعدما عبر العديد من العالقين عن سخطهم على حكومة بلادهم، بل منهم من أعربوا، عبر وسائل التواصل الاجتماعي، عن عدم رغبتهم في العودة إلى المغرب نهائيا والعيش كـ"لاجئين" في البلد الذي علقوا فيه، معتبرين أن وطنهم "تخلى عنهم في ساعة الشدة"، بل إن منهم من لجؤوا إلى خيارات أكثر "راديكالية"، مثل أحد العالقين في تركيا والذي أحرق العلم المغربي.
وتبدو كلفة هذا الخيار باهظة جدا على صورة المغرب في وسائل الإعلام الأجنبية، والتي استغرب بعضها إغلاق المملكة أبوابها على الحاملين لجنسيتها، أما بعضها الآخر فوجدها فرصة لمهاجمة الرباط بشدة، كما هو الشأن بالنسبة للصحافي الإسباني إغناسيو سمبريرو، المراسل السابق لصحيفة "إلباييس" بالرباط، والذي صار يذكر دائما في كتاباته أن "المغرب البلد الوحيد في العالم الذي رفض إعادة مواطنيه إلى بلدهم".
تأثيرات اقتصادية
لكن تأثيرات أخرى اقتصادية واجتماعية تنتظر المغرب بعد هذه الأزمة جراء هذا القرار، وتتعلق تحديدا بالنظر التي رسمتها حكومة العثماني على "الوطن" أمام أنظار مغاربة المهجر، الذين يتفاعلون بشكل كبير مع مواطنيهم العالقين، والذين تكفلوا بالعديد منهم خلال الأزمة، بل إن منهم من استضافوا أشخاصا لا تجمعهم بهم صلة قرابة أو معرفة سابقة، هؤلاء صاروا يتساءلون ما إذا كان بلدهم يتذكرهم فقط في ساعة الرخاء.
ويعتمد المغرب كثيرا على المغاربة المقيمين بالخارج لإنعاش نشاطه الاقتصادي ورفع مخزونه من العملة الصعبة، فخلال أشهر يونيو ويوليوز وغشت وشتنبر يزور البلد ما يقارب 3 ملايين من أفراد الجالية، في حين تبلغ التحويلات على مدار العام، حسب أرقام سنة 2019، أكثر من 64 مليار درهم، وهي كلها فوائد اقتصادية قد تتراجع إذا ما قرر المقيمون بالخارج اتخاذ موقف من "التعامل السلبي" للحكومة مع نظرائهم العالقين في مختلف دول العالم.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :