أزمة جزيرة ليلى.. "الجرس" الذي نبّه المغرب بالأمس وقلب الطاولة على إسبانيا اليوم !

 أزمة جزيرة ليلى.. "الجرس" الذي نبّه المغرب بالأمس وقلب الطاولة على إسبانيا اليوم !
الصحيفة – محمد سعيد أرباط
الأحد 23 ماي 2021 - 13:51

تشهد العلاقات المغربية الإسبانية أزمة سياسية وديبلوماسية حادة ذكّرت العديد من المتتبعين بالتوتر الذي حدث بين البلدين في سنة 2002 بسبب الصراع على "جزيرة ليلى"، وهو الصراع الذي تحول إلى أزمة خطيرة كادت أن تتطور إلى مواجهات عسكرية لولا التدخل الأمريكي وأطراف دولية أخرى لإطفاء فتيل التوتر.

وتزامنت أزمة جزيرة ليلى مع البدايات الأولى لحكم الملك محمد السادس بعد توليه لعرش المملكة المغربية، وقد تركت هذه الأزمة حسب عدد من المتتبعين، انطباعا سيئا لدى العاهل المغربي وساهمت إلى جانب حوادث أخرى تلتها، في دفع الملك لجعل مسار حكمه فيما بعد، تنصب كل جهوده على تقوية الداخل المغربي وتقليص ومحو "فوارق القوة" مع الجار الإسباني.

ويرى متتبعون، أن تصريح وزير الخارجية المغربية، ناصر بوريطة، في اليومين الماضيين الذي تضمن جملة موجهة إلى الإسبان بأن "مغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم" ليس إلا إشارة إلى أزمة جزيرة ليلى بالدرجة الأولى، وهو ما سيفهمه أصحاب القرار في إسبانيا أكثر من غيرهم.

جزيرة ليلى.. بداية الأزمة ونهايتها

أزمة جزيرة ليلى، هي أزمة دامت 9 أيام فقط، لكنها كانت أكثر الأيام توترا في تاريخ البلدين منذ الفترة الاستعمارية، وكادت أن تؤدي إلى مواجهة عسكرية، وقد انطلقت في 11 يوليوز من سنة 2002، عندما نزلت بالجزيرة قوات مغربية بحرية وبرية ورفع العلم المغربي على الجزيرة.

المغرب قرر النزول بالجزيرة التي لا تبعد سوى بـ250 مترا عن ساحله وبـ8 كيلومترات عن سبتة المحتلة، بهدف الاستعانة بموقعها الاستراتيجي لمراقبة الهجرة السرية وتهريب المخدرات، إلا أن اسبانيا اعتبرت أن ذلك "غزوا" للجزيرة، وطالبت القوات المغربية بالانسحاب، إلا أن المغرب رفض ذلك.

وتصاعد التوتر بين البلدين بعدما أرسل المغرب قواته البحرية إلى الجزيرة وطرد بحرية للحرس المدني كانت قد حلت لمطالبة القوات المغربية بمغادرة الجزيرة. وبعد شد وجذب لبضعة أيام، قررت إسبانيا التدخل بقوة، وأرسلت فرقة من القوات الخاصة في إطار عملية عسكرية أطلقت عليها "روميو سيرا" مدعومة بغواصة وفرقاطة بحرية ومقاتلات ومروحيات، فنزلت الفرقة بالجزيرة وألقت القبض على الجنود المغاربة ونقلتهم إلى سبتة ثم سلمتهم فيما بعد للسلطات المغربية.

وقامت القوات الإسبانية بإزالة العلم المغربي من الجزيرة، ورفع العلم الإسباني في 18 يوليوز، وظلت القوات الإسبانية بالجزيرة لمدة يومين، ثم انسحبت من الجزيرة، بعد تدخل الولايات المتحدة الأمريكية وأطراف دولية أخرى كوسطاء لإنهاء التوتر، لتعود الجزيرة خالية من القوات المغربية والإسبانية، فانتهى النزاع في 20 يوليوز 2002 بشكل رسمي.

جزيرة ليلى.. جرس التنبيه

رغم أن أزمة جزيرة ليلى انتهت دون إطلاق أي رصاصة من الجانبين المغربي والإسباني، إلا أنها تركت شوكة في حلق المغرب، وأظهرت عن وجود فوارق كبيرة في ميزان القوة لصالح الجار الإسباني، وقد أمعن الإسبان في ترسيخ المرارة لدى المغاربة، بعد قيام إسبانيا بنشر فيديو مُهين لتكبيل عناصر من القوات المغربية التي كانت على الجزيرة من طرف القوات الخاصة الإسبانية التي نزلت بدعوى "تحريرها".

ويرى عدد من المتتبعين، أن هذه الأزمة كانت بمثابة جرس التنبيه للمغرب، وما يؤكد هذا المعطى، هو التحول الكبير الذي عرفه المغرب منذ 2002، أي بعد حوالي عقدين من الزمن من تلك الأزمة، حيث يعود التوتر من جديد بين الجارين، وإن كان هذا المرة على الصعيدين السياسي والديبلوماسي، وليس على الصعيد العسكري بالدرجة الأولى.

أدرك المغرب بعد أزمة جزيرة ليلى، وفق عدد من المتتبعين، أن لا خيار أمامه أما الجار الإسباني المعتد بترسانته العسكرية وقوته الاقتصادية، أي حل أخر، سوى تقوية ذاته على كافة الأصعدة، لتنطلق بعد ذلك أضخم المشاريع الكبرى في تاريخ المغرب الحديث، التي غيرت من ملامح البلاد والتي جعلت منه الآن منافسا وندا لإسبانيا في الكثير من المجالات، وذلك بشهادة الإسبان أنفسهم.

ويشير المتتبعون، أن الأزمة الحالية بين البلدين، والتي يمارس فيها المغرب ضغوطا غير مسبوقة أمام إسبانيا التي تجد نفسها محرجة أمام مأزق استقبال إبراهيم غالي، ليس إلا دليلا على أن المغرب استطاع خلال عقدين من الزمن اكتساب الكثير من الأوراق الرابحة أمام إسبانيا، وهو ما لم يكن المغرب قادرا عليه في 2002.

مغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم

إذا كانت أزمة جزيرة ليلى شهدت استعراضا لـ"عضلات" إسبانيا العسكرية على المغرب بالأمس، فإن اليوم يختلف الوضع كثيرا، فالفوارق العسكرية بين البلدين تقلصت بشكل كبير، حيث أظهرت تقارير دولية مختصة، منها موقع "غلوبال فاير باور"، عن تفوق المغرب في القوات البرية على إسبانيا، مقابل تفوق طفيف لإسبانيا في القوات الجوية والبحرية.

ففي المجال البري، يتفوق المغرب بشكل كبير على إسبانيا حيث يمتلك نسبة عالية من الجنود والمدفعية والراجمات، حيث يمتلك أكثر من 3 آلاف دبابة مقابل 327 دبابة فقط لإسبانيا، كما يمتلك المغرب 8 آلاف سيارة حربية مقابل 3500 سيارة لإسبانيا، إضافة إلى تفوق المغرب في راجمات الصواريخ وغيرها من الأسلحة الحربية البرية.

أما في المجال الجوي، فتتفوق إسبانيا من حيث العدد حيث تمتلك 519 طائرة حربية مقابل 249 طائرة حربية للمغرب، إضافة إلى امتلاك إسبانيا 140 طيارا عسكريا مقابل 83 طيارا للمغرب، كما أن إسبانيا تمتلك 133 طائرة هيليكوبتر مقابل 64 للمغرب. وكذلك في المجال البحري، حيث تتوفر على 11 فرقاطة مقابل 6 فرقاطات للمغرب.

ويظهر ميزان القوة، أن الفارق بين البلدين لم يعد كما كان، حيث تقدم المغرب بشكل كبير، في إطار المخطط الذي بدأه منذ سنوات في تحديث ترسانته العسكرية، وبالتالي لم يعد ذلك البلد الضعيف الذي يُمكن إرهابه عسكريا، وهو ما يُدركه أصحاب القرار العسكري في إسبانيا اليوم.

ولا يُمثل التقدم المغربي في المجال العسكري إلا جانبا من جوانب خطط التطوير الشاملة التي شرعت فيها المملكة في عهد الملك محمد السادس، فالمغرب اليوم يُعتبر منافسا اقتصاديا لا يُستهان به لإسبانيا، فهو المنافس الأول لها في الصادرات الفلاحية إلى أوروبا، والمنافس الأول في التجارة البحرية بعد إنشاءه لميناء طنجة المتوسط، والمنافس الأكبر في جلب الاستثمارات الأجنبية، خاصة في قطاع السيارات، وهو منافس هام في الاستثمار في القارة الإفريقية.

كما أن المغرب أصبح أكثر حضورا على المستوى الدولي مما كان عليه سابقا، فعلاقاته مع الولايات المتحدة الأمريكية أصبحت أكثر متانة مما هي العلاقات الإسبانية الأمريكية، وقد زاد من تقوية حلفه مع الولايات المتحدة في المجال العسكري، عبر مناورات الأسد الإفريقي، ويُهدد بقاء القواعد الأمريكية في إسبانيا بنقلها إليه.

وبالتالي، يبدو أن ناصر بوريطة عندما قال بأن مغرب الأمس ليس هو مغرب اليوم، وأن على الإسبان تحيين نظرتهم عن المغرب، كان يشير إلى كل هذه التحولات التي انطلقت بعد أزمة جزيرة ليلى.

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...