أغلبهم اختفوا وأحدهم قُتل.. هل تصبح موريتانيا رابع دولة من دول الساحل تدخل في أزمة مع الجزائر بسبب المُنقبين؟
في الوقت الذي كان فيه الرئيس الموريتاني، محمد ولد الشيخ الغزواني، يتسلم أوراق اعتماد السفير الجديد للجزائر في نواكشوط، أمين الصيد، ليخلف سلفه محمد بن عتو الذي غادر بعد تسببه في أزمة دبلوماسية، كانت وسائل الإعلام الموريتانية تتساءل عن مصير مجموعة من المنقبين غير النظاميين في تندوف.
وأصبح هذا الملف يهدد بإدخال البلدين في أزمة جديدة، بسبب المصير المجهول للمنقبين الذين وقعوا في يد السلطات الجزائرية، خصوصا بعدما تأكد مقتل واحد منهم على الأقل في منطقة تسميها جبهة "البوليساريو" الانفصالية "مخيم الداخلة"، باعتبارها إحدى مناطق "نفوذها"، بينما تلتزم حكومتا البلدين الصمت إلى الآن.
مصير غامض
المعطيات المتوفرة إلى الآن، والتي أكدها مراسل "الصحيفة" في نواكشوط، تتعلق باحتجاز مجموعة من المنقبين الموريتانيين في منطقة تندوف من طرف السلطات الجزائرية، دون معرفة عددهم بالتحديد، في حين تفيد معطيات أخرى صادرة عن مصادر محلية أن مجموعة من المعنيين مفقودون داخل التراب الجزائري، ومصيرهم مجهول.
مسرح الواقعة كان في الأصل هو منطقة "اكليب أندور"، القريبة من الشريط الحدودي الشمالي لموريتانيا مع الجزائر، هناك حيث جرى اعتقال المنقبين الموريتانيين من طرف السلطات الجزائرية، قبل أن يتم نقلهم إلى ولاية تندوف، ليتم احتجازهم في "ظروف صعبة"، دون أي معطيات عن مصيرهم أو التهم الموجهة لهم.
لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحد، فالثابت، من خلال معطيات مصادر صحراوية معارضة لجبهة "البوليساريو" الانفصالية، أن المنقبين الموريتانيين كانوا من بين الأشخاص الذين استهدفهم الجيش الجزائري بالرصاص الحي، خلال الأسبوع الجاري، في المنطقة المسماة "مخيم الداخلة"، وهو ما أدى إلى اندلاع احتجاجات من طرف صحراويين.
ضحايا الرصاص
كان منتدى دعم الحكم الذاتي في تندوف، المعروف اختصارا بـ"فورساتين"، قد أكد أن الجيش الجزائري أطلق النار على مدنيين وسط الأحياء السكنية داخل "مخيم الداخلة" وبالضبط بين دائرة اجريفية ودائرة العركوب، وتابع أن ذلك أسفر عن مقتل شابين أحدهما يدعى سيد أحمد غلام بلالي، أما الآخر من جنسية موريتانية، إلى جانب إصابة نحو عشرة أشخاص آخرين بجروح متفاوتة الخطورة.
وإذا كانت هوية الضحايا من المنقبين الصحراويين ممكنة بالنظر لأن عائلاتهم مقيمة أساسا في تندوف، فإن الأمر مختلف بالنسبة للمنقبين الموريتانيين، الذين يقتحمون عادة الحدود الجزائرية للتنقيب بشكل غير شرعي بسبب الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية الصعبة التي يعيشونها.
وعادة، حينها يتعرض المنقبون للتصفية الجسدية، يتم تسليم جثمانهم إلى سلطات بلادهم، لكن في الأحداث الأخيرة يبدو الأمر أكثر تعقيدا، فلا وجود لأي تأكيدات على وفاة المختفين، كما أن نقلهم من مكان توقيفهم إلى مكان آخر يطرح العديد من الاستفهامات حول نوايا السلطات الجزائرية.
أزمة جديدة؟
لا زالت وسائل الإعلام الموريتانية تتعامل بحذر شديد مع هذا الموضوع، رغم تأكيد بعضها أن العديد من المنقبين يعيشون حاليا مصيرا مجهولا داخل الأراضي الجزائرية، وهو ما يجد تفسيره في احتمالات تطور هذا الأمر إلى أزمة إنسانية قد تؤدي إلى صدام دبلوماسي بين نواكشوط والجزائر العاصمة.
وفي الوقت الذي تعيش فيه الجزائر على وقع صدام دبلوماسي هو الأسوأ من نوعه، بين 3 من دول الساحل، وهي مالي والنيجر وبوركينافاسو، التي قررت قطع العلاقات الدبلوماسية معها إثر إسقاط طائرة مُسيرة مالية قالت باماكو إنها استُهدفت داخل حدودها، حين كانت تطارد عناصر "إرهابية مسلحة"، حيث سقطت على بعد 9,5 كيلومترات، فإن موريتانيا تتفادى أن تكون جزءا من الأزمة.
وموريتانيا، بوصفها أيضا إحدى بلدان منطقة الساحل الإفريقي، أصبحت المنفذ الوحيد للجزائر إلى المنطقة، ويوم تسلم الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، بالقصر الرئاسي في نواكشوط، أوراق اعتماد أمين صيد، الذي عُين سفيرا مفوضا فوق العادة بنواكشوط، بعد 4 أشهر ونصف من الفراغ الذي تلا استدعاء سلفه محمد بن عتو، وذلك بعد اتهامه من طرف نواكشوط بالتدخل في شؤونها السيادية.