أغلبية مشتتة ومعارضة تائهة ويسار يأكل بعضه.. هل "تميعت" الأحزاب في المغرب؟
يوما بعد يوم، يثبت لمتتبعي المشهد السياسي المغرب حالة التوهان التي تعيشها مكوناته حكومة وأحزابا منذ ما تلا نتائج انتخابات 2015 من "بلوكاج حكومي" ثم إعفاء لرئيس الحكومة المعين، ونقل أحزابٍ إلى المعارضة بعدما كانت تمني نفسها بموقع في الأغلبية، ونقل أخرى من المعارضة إلى الصف الأغلبي.
ولا تتوقف حالة الارتباك على الداخل الحكومي المشتت بين فريقين، أو أحزاب المعارضة التي ألهتها الصراعات الداخلية والحسابات المستقبلية على القيام بدورها الدستوري، ولكن أيضا استفحلت العدوى بشكل كبير في الجسد اليساري المغربي الذي قاد أول حكومة للتناوب الديمقراطي في تاريخ المغرب سنة 1998.
الحكومة.. بين فصيلين
لم يكن إعفاء عبد الإله بنكيران من ولايته الثانية على رأس الحكومة في مارس 2017، بعد "بلوكاج" استمر 5 أشهر، سوى إيذان بتشكيل أغلبية من فصيلين لا يجمع مكوناتهما أي رابط إيديولوجي، الأول يتكون من حزب العدالة والتنمية وحزب التقدم والاشتراكية، والثاني يقوده حزب التجمع الوطني للأحرار ويتكون من أحزاب الاتحاد الدستوري والحركة الشعبية والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية.
وعلى الرغم من أن رفض بنكيران لانضمام الاتحاد الاشتراكي إلى التحالف كان السبب المباشر في "البلوكاج" الذي أطاح به، إلا أن خلَفه سعد الدين العثماني رضي في نهاية المطاف بالأمر الواقع، لينتج أغلبية قال مدبرها عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، إنه يريدها "مريحة"، لكنها في الواقع لم تنتج سوى حكومة غير منسجمة.
ويتضح هذا الأمر بجلاء بالرجوع إلى تصريحات أخنوش نفسه في العديد من مهرجاناته الخطابية، والتي تهاجم حزب العدالة والتنمية وتدعو لعدم التصويت له أو مهاجمة حصيلة وزرائه، وكذا إصراره على أنه سينتصر عليه في انتخابات 2021 وسيقود هو الحكومة، ثم في تصريحات بنكيران ومسانديه في "البيجيدي" المهاجمة لأخنوش وحزبه و"أغلبيته"، كما يتضح من خلال العلاقة المتوترة بين حزب الاتحاد الاشتراكي وحزب التقدم والاشتراكية، التي كانت من بين أسباب خروج هذا الأخير من الأغلبية.
ولخص تصريح حزب الكتاب المعلن عن خروجه من الحكومة هذه الأزمة حين أورد أن "الأغلبية الحكومية الحالية، ومنذ تأسيسها إلى اليوم، وضعت نفسها رهينة منطق تدبير حكومي مفتقد لأي نَفَس سياسي حقيقي يمكن من قيادة المرحلة، والتعاطي الفعال مع الملفات والقضايا المطروحة، وخيم على العلاقات بين مكوناتها الصراع والتجاذب والسلبي وممارسات سياسوية مرفوضة، حيث تم إعطاء الأولوية للتسابق الانتخابوي في أفق سنة 2021، وهدر الزمن السياسي الراهن مع ما ينتج عن ذلك من تذمر وإحباط لدى فئات واسعة من جماهير شعبنا".
ورغم أن الحكومة الحالية لن يكتب لها الاستمرار إلى 2021 جراء التعديل الحكومي الذي دعا له الملك، والذي سيعوض العديد من الشخصيات الحزبية بشخصيات تكنوقراطية، إلا أن الانطباع العام السائد على مكوناتها خلال سنتين ونصف من عمرها، كان سلبيا أكثر حتى من النسختين السابقتين اللتين تلتا استحقاقات 2011 التشريعية، واللتان كانتا تتكونان من 4 أحزاب فقط.
معارضة غائبة
بحصول حزب العدالة والتنمية على 125 مقعدا في انتخابات 2016، علم حزب الأصالة والمعاصرة أن موقعه سيكون مرة أخرى هو المعارضة، لكن هذه المرة بصفته "أكبر أحزابها" بـ102 من المقاعد، وهو ليس الطموح الذي كان يسعى إليه الحزب منذ تأسيسه، في الوقت الذي غير تصريح للأمين العام لحزب الاستقلال، حميد شباط، مصير هذا الأخير 180 درجة.
وكانت خسارة "البام" صادمة لأمينه العام آنذاك إلياس العماري ولجل مكونات الحزب الذي سوق نفسه كـ"بديل لتجربة حكومية فاشلة"، لذلك شكل استمراره في المعارضة زلزالا داخليا أدى إلى استقالة العماري في 2017 وفسح الطريق لرئيس مجلس المستشارين، حكيم بنشماس، لقيادة الحزب وهي الخطوة التي اتضح أنها كانت بمثابة رصاصة الرحمة التي أنهت أي أمل له في المنافسة السياسية مستقبلا.
ورغم العدد الكبير من البرلمانيين الذين يتوفر عليهم بمجلس النواب ومجلس المستشارين، إلا أن الصراعات الداخلية طغت بشكل كبير على عمله التشريعي، في ظل وجود برلمانيين مساندين لبنشماس وآخرين مناوئين له، حتى غدا الحديث عن "الأصالة والمعاصرة اليوم" حديثا على تيارين، الأول يطلق على نفسه اسم "تيار الشرعية" والثاني يصف نفسه بـ"تيار المستقبل".
أما حزب الاستقلال، صاحب 42 مقعدا في مجلس النواب والذي كان أعلى أصوات المعارضة البرلمانية لحكومة عبد الإله بنكيران الثانية، فعاش مسارا دراميا منذ أن اختار أمينه العام السابق حميد شباط الانتقال إلى المساندة النقدية للحكومة في نونبر 2015، ثم الاستعداد المبدئي للانضمام للأغلبية في 2016، فالعودة القسرية للمعارضة بعد تصريحات شباط حول موريتانيا، ثم إزاحة هذا الأخير عن الأمانة العامة للحزب لصالح نزار بركة، ليدخل الحزب منذ ذلك الحين فيما يشبه السبات.
يسار ويسار
وتبدو حالة اليسار أكبر مؤشرات "التوهان" في الساحة السياسية المغربية، ففي الوقت الذي اعتمد فيه الاتحاد الاشتراكي على حزب التجمع الوطني للأحرار، المصنف كـ"حزب إداري" لدخول الحكومة مرة أخرى في 2017، اعتمد حزب التقدم والاشتراكية على حزب "إسلامي" هو "العدالة والتنمية" للاستمرار في الأغلبية، بعد أن حصد الحزبان اليساريان نتائج سيئة في الانتخابات.
ولا ينسى المتتبعون للشأن السياسي يوم احتمى زعيما الحزبين في الملكية لضرب بعضهما سنة 2014، حيث وجه نبيل بنعبد الله كلامه لإدريس لشكر قائلا "نحن حكومة صاحب الجلالة"، فكان جواب الثاني "ونحن معارضة صاحب الجلالة"، وهو أمر استمر حتى بعدما أصبحا في حكومة واحدة، فمما تسرب من اجتماعات أحزاب الأغلبية خلال مشاورات "حكومة الكفاءات" أن لشكر خاطب بنعبد الله بالقول "إنه لا يحق له مجالسة رؤساء الأحزاب وهو المغضوب عليه من طرف الملك"، في إشارة لإعفائه من منصبه الوزاري إبان ما عُرف بـ"الزلزال الحكومي".
ولم يخل خروج حزب التقدم والاشتراكية من إشارات في اتجاه غريمه اليساري الذي سبق أن كان حليفا له لعقود في "الكتلة الديموقراطية"، حيث أورد أنه سيظل حزبا وطنيا وتقدميا يعمل من أجل الإصلاح والديمقراطية ويناضل من أجل تغيير أوضاع بلادنا وشعبنا نحو الأحسن" مضيفا أنه سيظل "مصطفا إلى جانب كافة القوى المجتمعية الديمقراطية الحية والجادة، وساعيا إلى الإسهام في النهوض بدور وموقع ومهام اليسار في بلادنا".
ولا تبدو علاقة الحزبين المذكورين جيدة حتى مع شقيقهما الأصغر داخل البرلمان، ويتعلق الأمر بفيدرالية اليسار الديمقراطي الذي لم يجن سوى مقعدين في انتخابات 2016، والذي لم تلق مبادراته التشريعية، سواء المتعلقة بالتعليم أو التشغيل أو الصحة أو قانون المالية، أي دعم من "الرفاق" في الأحزاب اليسارية الأخرى، وهو ما تضح جليا خلال تصويته منفردا ضد المشروع الإطار المتعلق بالتربية والتكوين والبحث العلمي شهر يوليوز الماضي.