ألمانيا ليست الأولى.. دول كبرى دخل المغرب معها في "معارك دبلوماسية" اختار فيها "سلاح التصعيد"
فاجأت وزارة الشؤون الخارجية المغربية الكثيرين يوم أمس الاثنين، بمراسلتها رئيس وأعضاء الحكومة لإخطارهم بقطع كل أشكال التعاون والاتصال مع السفارة الألمانية بالرباط، وهي الخطوة التي أرجعتها لوجود "سوء فهم عميق مع جمهورية ألمانيا الفدرالية بخصوص القضايا الأساسية للمملكة المغربية"، دون التفصيل في ذلك.
غير أن هذه الخطوة، التي اعتبر مراقبون أنها تمثل "تصعيدا دبلوماسيا صريحا" تجاه دولة عظمى تمثل إحدى أهم قوى الاتحاد الأوروبيين لم تكن الأولى من نوعها خلال الـ15 عاما الماضية التي بدأت خلالها معالم التغير تتضح على مستوى الدبلوماسية المغربية وعلاقاتها بالعديد من دول العالم بما فيها تلك المصنفة في خانة "الحلفاء التاريخيين".
فرنسا.. صدام بعنوان "الحموشي"
لا توجد دولة عضو في الاتحاد الأوروبي تساند بشكل علني الطرح المغربي بحل قضية الصحراء انطلاقا من مقترح الحكم الذاتي تحت سيادة المملكة، أكثر من فرنسا، بل إنها كانت إلى حدود 10 دجنبر 2020 الدولة الوحيدة دائمة العضوية في مجلس الأمن التي تدافع بقوة عن هذا الطرح إلى حين انضمام الولايات المتحدة الأمريكية التي اعترفت بسيادة المغرب على الصحراء بشكل مباشر، لكن كل ذلك لم يمنع الرباط عدة مرات من الاصطدام دبلوماسيا مع باريس.
وكانت أصعب الفترات الحرجة التي مرت منها العلاقات الثنائية المغربية الفرنسية هي تلك التي تلت زيارة عبد اللطيف الحموشي، مدير المديرية العامة لمراقبة التراب الوطني وأقرب المستشارين الأمنيين للملك محمد السادس، إلى باريس في فبراير من سنة 2014، لتطارده الشرطة الفرنسية التي حملت مذكرة قضائية بإحضاره إلى مقر السفارة المغربية هناك، من أجل الاستماع له حول اتهامات بـ"تعذيب" الرياضي المغربي زكرياء المومني، الأمر الذي سيدفع الرباط للرد بلهجة شديدة.
ولم تتأخر وزارة الشؤون الخارجية والتعاون طويلا، حيث عجلت باستدعاء السفير الفرنسي في الرباط حينها، شارل فري، الذي استقبلته الوزيرة المنتدبة في الخارجية حينها، مبارك بوعيدة، وليس وزير الخارجية صلاح الدين مزوار، وأخبرته "الاحتجاج الشديد للمملكة المغربية"، ووفق بلاغ للوزارة، فإن بوعيدة أوضحت للسفير أيضا أن المغرب "يرفض رفضا باتا المسطرة الفجة التي تم اتـباعها والمنافية لقواعد الدبلوماسية المعمول بها، والحالات القضائية التي تم التطرق إليها، والتي لا أساس لها".
معتبرة أن "هذا الحادث الخطير وغير المسبوق في العلاقات بين البلدين، من شأنه المساس بجو الثقة والاحترام المتبادل الذي ساد دائما بينهما"، خالصة إلى أن المغرب "يطلب بإلحاح تقديم توضيحات عاجلة ودقيقة بشأن هذه الخطوة غير المقبولة وبتحديد المسؤوليات".
لكن الأمر لم يقف عند هذا الحد، فوزارة العدل قامت بعد ذلك بإلغاء اتفاقية التعاون القضائي الثنائي بين البلدين، كما تحدثت عدة تقارير عن وقف الملك محمد السادس لجميع اتصالاته برئيس الجمهورية الفرنسية حينها فرانسوا هولاند، الأمر الذي سيدفع فرنسا إلى العمل على إنهاء هذه الأزمة طيلة سنة انتهت بانتقال الحموشي مرة أخرى إلى فرنسا في فبراير من سنة 2015، لكن هذه المرة من أجل أن يوشحه وزير الداخلية وقتها، بيرنار كازنوف، بوسام الاستحقاق من درجة ضابط.
إلغاء مناورات مع واشنطن
وكانت الولايات المتحدة الأمريكية، التي تمثل إلى جانب فرنسا أقوى حلفاء المغرب، قد تأكدت من أن هذا البلد مستعد للدخول في صدام دبلوماسي مع أي كان حين يتعلق الأمر بسيادته على الصحراء، ففي 2013 وبعد وصول جون كيري إلى منصب وزير الخارجية خلفا لهيلاري كلينتون التي كانت توصف بـ"صديقة المملكة"، اقترحت وزارة الخارجية الأمريكية على مجلس الأمن توسيع صلاحيات بعثة "المينورسو" لتشمل مراقبة حقوق الإنسان في الأقاليم الجنوبية.
ولم تتأخر الرباط كثيرا لإعلان رفضها الصريح لهذا المقترح عبر وزير الشؤون الخارجية والتعاون وقتها، سعد الدين العثماني، فيما أورد بلاغ للحكومة المغربية أنها "على يقين بحكمة أعضاء مجلس الأمن وقدرتهم على إيجاد صيغة مناسبة للحفاظ على العملية السياسية من أي خطوات سيئة قد تكون لها عواقب وخيمة وخطيرة على استقرار المنطقة".
أما وزير الاتصال الناطق الرسمي باسم الحكومة آنذاك، مصطفى الخلفي فأورد أمام وسائل الإعلام أن المغرب "يرفض رفضا قاطعا هذا النوع من المبادرات الجزئية والأحادية الجانب"، وتابع أن الأمر يتعلق بقرار "غير مبرر لأنه لا يأخذ بعين الاعتبار الجهود المبذولة من المغرب للنهوض بحقوق الإنسان".
لكن المغرب سيذهب أبعد من ذلك في صدامه مع الولايات المتحدة الأمريكية، حين سيلغي مناورات "الأسد الإفريقي" التي كانت ستحتضنها سواحله وأجواؤه في أبريل من العام نفسه بمشاركة 1400 عنصر من القوات الأمريكية، والذي كانت ستشارك فيه جيوش 20 بلدا، وهو ما سيدفع واشنطن لمراجعة موقفها وسحب المسودة التي سبق أن قدمتها لمجلس الأمن.
إسبانيا.. زيارة ملكية بطعم الأزمة
لكن أكثر بلد يعلم يقينا أن الغضب الدبلوماسي المغربي يجب أن يؤخذ على محمل الجد، هو الجار الشمالي للمملكة، إسبانيا، التي سبق أن تأكدت من الإقدام على بعض الخطوات التي لا ترضى عنها الرباط، حتى لو كانت مدريد تعتبرها جزءا من ممارساتها "السيادية"، فإنها في نهاية المطاف قد تؤدي إلى مشاكل كثيرة، على غرار ما حدث في نونبر من سنة 2007 عندما قام العاهل الإسباني السابق الملك خوان كارلوس الأول وعقيلته الملكة صوفيا بزيارة هي الأولى من نوعها لمدينتي سبتة ومليلية.
وفتحت هذه الخطوة أبواب مشاكل كثيرة ستتحمل تبعاتها الحكومة الاشتراكية بقيادة خوسي لويس رودريغيز ثباتيرو، الذي عمل طويلا على كنس إرث سلفه اليميني خوسي ماريا أثنار، وبدت جدية الموقف حين أعلنت وزارة الخارجية أن الملك محمد السادس "قرر شخصيا استدعاء السفير المغربي في مدريد، عمر عزيمان، لفترة غير محدودة، في الوقت الذي أعلن فيه الوزير الأول آنذاك، عباس الفاسي "الأسف الشديد والرفض التام للمملكة لهذه الزيارة"، وتطور الأمر إلى سماح المغرب بتنظيم وقفات احتجاجية أمام التمثيليات الدبلوماسية الإسبانية على أراضيه.
لكن صداع الرأس الأكبر الذي ستعاني منه إسبانيا بعدها سيكون هو طوفان زوارق الهجرة السرية التي ستصل إقليمي الأندلس والكناري بعد أن رفع المغرب يده عن مراقبة نشاط الهجرة غير النظامية على سواحله، وهو ما يفسر رغبة الحكومة الاشتراكية الحالية التي يقودها بيدرو سانشيز، في عدم تكرار هذا السيناريو بإصرارها على "تأجيل" زيارة الملك الحالي فيليبي السادس وعقيلته الملكة ليتيثيا إلى سبتة ومليلية، التي تراجع البلاط الإسباني عن تحديد موعدها في يوليوز الماضي.
الريف وشعو والخصام مع هولندا
بلد أوروبي آخر وصلت الصدام الدبلوماسي بينه وبين المغرب مراحل متقدمة من التشنج، وصلت حد استدعاء الرباط لسفيرها على أراضيه، ويتعلق الأمر بهولندا التي تشعبت علاقاتها بملف حراك الريف، ففي يونيو من سنة 2017 ستستدعي الرباط سفيرها في أمستردام للتشاور بعد ظهور البرلماني السابق سعيد شعو في فيديو يتحدث فيه عن منطقة الريف والمؤسسة الملكية المغربية، حيث اعتبرت الرباط أنه "يمول" الاضطرابات التي تعرفها المنطقة.
وأوضحت وزارة الخارجية المغربية حينها أن الأمر يتعلق بشخص مطلوب للعدالة بموجب مذكرتي اعتقال صادرتين في 2010 و2015 بسبب اتهامه بـ"تكوين عصابة إجرامية والرشوة والاتجار الدولي في المخدرات"، مبرزة أنه "تمت مراسلة السلطات الهولندية ومدها بمعلومات دقيقة منذ شهور حول تورط مهرب المخدرات هذا في التمويل والدعم اللوجيستي لبعض الأوساط في شمال المغرب"، وأضافت "من الواضح أن السلطات الهولندية عليها أن تقوم بإجراءات ملموسة وعاجلة تجاه هذا التاجر في المخدرات والمرتزق"، وفق لغة البيان.
وتعد هولندا إحدى أكثر الدول الأوروبية التي تصطدم بها الرباط بلغة مباشرة، وآخر تجليات ذلك كانت في دجنبر الماضي حين أجاب وزير الخارجية ناصر بوريطة على سؤال كتابي طرحه فريق العدالة والتنمية بمجلس النواب حول تطور العلاقات بين البلدين بالقول إن هولندا "لا تزال البلد الوحيد في أوروبا الذي يقحم نفسه في أمور تعتبر شأنا داخليا للمغرب"، موردا أن "السياسة الخارجية للمملكة التي تنأى بنفسها عن التدخل في الشؤون الداخلية للدول، ترفض أي مساس بسيادتها، وتفضل عن ذلك أن تقوم العلاقات بين المغرب وهولندا على أسس صلبة قوامها المتبادل والتنسيق والتعاون في القضايا ذات البعد المشترك".