الأئمة والطلبة والصوفية.. مفاتيح الدبلوماسية الدينية للمغرب التي فتحت أمامه أبواب إفريقيا

 الأئمة والطلبة والصوفية.. مفاتيح الدبلوماسية الدينية للمغرب التي فتحت أمامه أبواب إفريقيا
الصحيفة – حمزة المتيوي
الخميس 31 دجنبر 2020 - 12:08

أقل من 6 سنوات ونصف مرت على تدشين مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة في 13 يوليوز 2015، لكنها حاليا تتوفر على فروع في 34 بلدا إفريقيا وتعمل على نشر النموذج الديني المغربي الهادف إلى "محاربة التطرف" كما تؤكد على ذلك المؤسسة في ورقتها التعريفية، لكنها أيضا تعمل على الجانب الدبلوماسي الذي جعلته إحدى مرتكزات تواجدها في القارة السمراء.

وتقول إدارة المؤسسة التي يرأسها الملك محمد السادس، إن "كتب التاريخ تذكر جوانب من العلاقات والاتصالات ذات الطابع الدبلوماسي بين المغرب وبين الممالك التي تأسست جنوبي الصحراء، من غانا إلى التشاد ونيجيريا، منذ عهد الأدارسة إلى عهد الأشراف العلويين"، وهو الأمر الذي يواصل امتداده اليوم ليعطي للعديد من التحركات الدبلوماسية المغربية بشأن قضاياه الاستراتيجية بعدا دينيا قرَّب المسافات مع العديد من الدول.

كلمة السر: محاربة التطرف

وسبقَ إنشاءُ هذه المؤسسة عودةَ المغرب إلى الاتحاد الإفريقي سنة 2017، لكنه شكل إحدى أوجه رجوع المملكة إلى القارة السمراء، العملية التي كان فيها العمل الدبلوماسي يسير جنبا إلى جنب مع النشاط الاقتصادي المكثف والحضور الديني المغربي المستند إلى الإرث الصوفي للمملكة في العديد من الدول الإفريقية، في مرحلة أصبحت فيه المنطقة ملاذا للجماعات الجهادية المتطرفة وعلى رأسها تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي وجماعة "بوكو حرام" التي أعلنت في 8 مارس 2015 مبايعة داعش، أي قبل 3 أشهر فقط من إطلاق مؤسسة العلماء الأفارقة.

ويتضح هذا التوجه من خلال جعله إحدى خلفيات إحداث المؤسسة، إذ تحدث بيانها التأسيسي عن "دور التراث الديني والمذهبي والروحي المشترك في التغلب على الخطر الذي يتهدد الاستقرار الديني والعـقائدي والروحي"، مبرزا أن "هذا البناء العلمي والديني المعتدل، الهادئ، صار يواجه في وقتنا هذا تحديات كثيرة تشكل تهديدا للاستقرار العقدي والمذهبي والروحي، تهديدا نابعا من أطماع توسعية إيديولوجية أو مادية تريد أن تنشر في هذه البلدان فكرا غريبا عنها وتتصرف وكأن هذه البلاد خاوية على عروشها".

ونصبت المؤسسة نفسها راعية للنموذج الديني الذي ينبذ العنف والداعي للتسامح وإلى "الثوابت" التي قالت عنها إنها "اختيارات سلف حكيم، أورثها خلفا وفيا، وقد غدت مع مرور الزمن مقوما من مقومات تركيب ضمير هذه الأمم وملاذها في تقاليد التعبد والسلوك والسلم والتعايش"، خالصة إلى أنه "لا أحد أقدر وأجدر من العلماء على العمل لحماية هذه العقيدة، وهذا الفكر المعتدل السمح"، الأمر الذي وجد له صدى كبيرا لدى العديد من الدول التي فتحت أبوابها للمؤسسة وأرسلت أبناءها للمغرب قصد استفادتهم من التكوين الديني.

الدين إلى جانب الدبلوماسية

واستطاع حضور المؤسسة في إفريقيا أن يوثق العلاقات الدبلوماسية بين المغرب والعديد من الدول، وهو ما يظهر من خلال الرجوع إلى قائمة فروعها الـ34، حيث إن دولا مثل السينغال والغابون والكوت ديفوار والكونغو الديمقراطية ومالي وبوركينا فاسو وغينيا والبنين والتوغو وليبيريا، كلها تتمتع بعلاقات قوية مع الرباط وكان الداعم لها خلال طلبها العودة إلى منظمة الاتحاد الإفريقي التي غادرتها سنة 1984، بل ستدعمها بعد ذلك بشكل أوضح من خلال افتتاح قنصليات لها في منطقة الصحراء.

ويتضح هذا الدور الدبلوماسي في حالات أخرى، تتعلق بدول كانت إلى وقت قريب تناصب الخصومة للمغرب، مثل مالاوي التي كانت تصنف ضمن المحور الداعم للطرح الانفصالي، لكنها ستسحب اعترافها بما يسمى "الجمهورية الصحراوية" سنة 2017، لكن التمازج بين الديني والاقتصادي والدبلوماسي يبدو بشكل أوضح في نيجيريا، التي تعد، بالإضافة إلى جنوب إفريقيا، أبرز دولتين إفريقيتين داعمتين للبوليساريو، لكنها مؤخرا بدأت تغير موقفها وهو ما يتضح ليس فقط من خلال احتضانها فرعا لهذه المؤسسة تزامنا مع حربها ضد "بوكو حرام"، بل أيضا دخولها في مشروع خط أنابيب غرب إفريقيا مع المغرب عوض الجزائر.

تكوين أئمة المستقبل

لكن الحضور الديني المغربي في إفريقيا لا يقتصر فقط على مؤسسة العلماء، بل أيضا من خلال التكفل بتكوين الأطر الدينية الإفريقية المستقبلية، عن طريق معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين، الذي افتتح أبوابه سنة 2015 تزامنا مع إصدار أمر ملكي باستقباله للطلبة الأجانب من قارات إفريقيا وأوروبا وآسيا.

ويخضع الطلبة الأجانب بهذا المعهد لتكوين يمتد ما بين 6 أشهر و3 سنوات، يستفيدون خلالها من منحة شهرية قدرها 2000 درهم، وإلى حدود أبريل من سنة 2019 كان عدد الخريجين المغاربة 3000 مقابل 1534 خريجا أجنبيا، أي أكثر من ثلث العدد الإجمالي، لكن بالرجوع إلى أرقام كانت قد أعلنتها وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية سنة 2016 يتضح أن الطلبة الأفارقة يحوزون حصة الأسد.

وتشير تلك الأرقام إلى أنه من بين 961 طالبا كانوا يدرسون في المعهد حينها، كان 26 في المائة منهم مغاربة، يليهم الطلبة القادمون من غينيا بنسبة 23 في المائة ثم الطلبة القادمون من مالي بـ22 في المائة، يليهم طلبة الكوت ديفوار بنسبة 21 في المائة وطلبة نيجيريا بنسبة 5 في المائة، في حين أن نسبة الطلبة الفرنسية لم تكن تتجاوز 3 في المائة.

الصوفية.. رافد قديم

وإلى جانب العمل الديني المؤسساتي تستند الدبلوماسية الدينية المغربية أيضا إلى رافد آخر قوي، وهو الصوفية، وهي التي كانت إحدى ركائز الخلفية التاريخية لإنشاء مؤسسة محمد السادس للعلماء الأفارقة، إذ تورد هذه الأخيرة أن "الطرق الصوفية عرفت انتشارا واسعا في ربوع إفريقيا انطلاقا من المغرب، وأبرز هذه الطرق وأكثرها انتشارا القادرية والتجانية".

وفي ربط جلي بين السلطتين الدينية والسياسية تقول المؤسسة إنه "مع كون منبع القادرية من المشرق، إلا أنها لم تنتشر في مناطق إفريقيا إلا عن طريق المغرب، أما التجانية فتأسست بفاس، ومنها عرفت انتشارا كبيرا نحو مناطق عديدة بالربوع الإفريقية، حتى صار أتباعها يعدون بعشرات الملايين، كلهم يهفون بقلوبهم صوب فاس، ويعتبرون مبايعة شيخهم سيدي أحمد التجاني للسلطان مولاي سليمان، مبايعة لازمة لأتباعه مع الدوحة العلوية الشريفة، فلا يخاطبون ملوك المغرب المتعاقبين إلا بصفة أمير المؤمنين".

وعلى أرض الواقع تبدو نتائج الجمع بين العمل الديبلوماسي والسلطة المعنوية للمغرب في إفريقيا خلال الانتقلاب العسكري الذي شهدته مالي في شتنبر الماضي، حين وجدت الرباط نفسها متقدمة بخطوات على درب رسم علاقات متينة مع قائد الانقلاب أسيمي غويتا، الذي ليس سوى أحد أتباع الطريقة التجانية، والذي أعلن عقب اجتماعه مع السفير المغربي في باماكو أنه "سيعمل بالنصائح المغربية من أجل ضمان انتقال سلس للسلطة".

وعلاقة الديني بالدبلوماسي بدت وثيقة في هذه الحالة أيضا من خلال الزيارة التي قام بها وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، إلى مالي، إذ بالإضافة إلى لقائه العقيد غويتا والرئيس الانتقالي للبلاد باه نداو، التقى أيضا الزعماء الدينيين الماليين ومن ضمنهم الشيخ بويي حيدرة والإمام محمود ديكو، الذي كان أبرز الوجوه الدينية المعارضة للرئيس السابق أبو بكر كيتا.

إهانة موسمية

المغرب ليس بلدا خاليًا من الأعطاب، ومن يدعي ذلك فهو ليس مُخطئا فحسب، بل يساهم، من حيث لا يدري في تأخر عملية الإصلاح، وبالتالي يضر البلد أكثر مما ينفعه، ولا ...

استطلاع رأي

مع تصاعد التوتر بين المغرب والجزائر وتكثيف الجيش الجزائري لمناوراته العسكرية قرب الحدود المغربية بالذخيرة الحيّة وتقوية الجيش المغربي لترسانته من الأسلحة.. في ظل أجواء "الحرب الباردة" هذه بين البلدين كيف سينتهي في اعتقادك هذا الخلاف؟

Loading...