الإمارات تتحكم في مفاصل الاقتصاد الجزائري خارج النفط.. عقود امتياز لـ30 سنة لأكبر موانئ البلاد واستثمارات ضخمة في مجالات حيوية يَجعل الخلاف مع أبوظبي "مُؤلم"

 الإمارات تتحكم في مفاصل الاقتصاد الجزائري خارج النفط.. عقود امتياز لـ30 سنة لأكبر موانئ البلاد واستثمارات ضخمة في مجالات حيوية يَجعل الخلاف مع أبوظبي "مُؤلم"
الصحيفة – بديع الحمداني
الثلاثاء 6 ماي 2025 - 12:00

تشهد العلاقات الجزائرية الإماراتية مدا وجزرا متكررا في السنوات الأخيرة، خاصة من طرف الجزائر التي تلجأ إلى اتخاذ ردود فعل متشنجة ضد أبوظبي، لأسباب تبدو أحيانا "غير مفهومة" وفق العديد من المهتمين، مثلما حدث في الأيام الأخيرة، إذ هاجم الإعلام الجزائري الرسمي الإمارات بأسلوب عنيف استُعملت فيه "مصطلحات قدحية" بسبب حوار على قناة "سكاي نيوز" اعتبرته الجزائر يستهدف "هوية ووحدة الجزائر".

ويُلاحظ أن ظاهرة "المد والجزر" في علاقات الجزائر بالإمارات العربية المتحدة، بدأت منذ حراك 2019، إذ شكل هذا الحدث ما يُشبه "منعطفا" في العلاقات الثنائية بين البلدين، بعدما كانت العلاقات الثنائية تسير في منحى متصاعد، مدفوعة بمصالح اقتصادية كبيرة وشراكات استراتيجية استثمرت فيها أبوظبي مليارات الدولارات في منشآت حيوية داخل الجزائر.

التوتر الجزائري تُجاه الإمارات، لا يرتبط فقط بحوارات تلفزية، بل يجد انعكاسه أيضا في اختلاف وجهات النظر بين الجزائر وأبوظبي في العديد من القضايا، من بينها قضية الصحراء المغربية، التي قررت الجزائر، في عهد عبد المجيد تبون، أن تنزل بكل ثقلها فيها وتضع كل أوراق ضغطها على طاولات جميع الدول التي قررت دعم المغرب في هذه القضية.

ورغم غياب التصريحات الرسمية المباشرة من الجزائر، إلا أن مؤشرات كثيرة تكشفت عن توتر صامت ينزل ويتصاعد إلى مستوى "الحرب الباردة بين البلدين، يتضمن تخوفات جزائرية من تغلغل اقتصادي إماراتي وصفه مراقبون بأنه "تحكم في مفاصل الدولة"، مما يطرح تساؤلات حول ما إذا كانت الجزائر فعلا تحاول من خلال هذه التوترات إلى التحرر من النفوذ الاقتصادي الإماراتي، كردّ ضمني على المواقف التي تتبناها أبوظبي في عدد من القضايا التي لا تتماشى مع رؤية الجزائر، من بينها قضية الصحراء المغربية.

شهدت العلاقات الاقتصادية بين الجزائر والإمارات طفرة كبيرة في عهد الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، الذي كانت تربطه علاقات وثيقة مع حكام أبوظبي، منذ عمله مستشارا للشيخ زايد في الثمانينيات، وقد تُرجمت هذه العلاقات إلى شراكات استراتيجية ضخمة، أبرزها منح شركة "موانئ دبي العالمية" عقود امتياز لتسيير وتشغيل مينائي الجزائر العاصمة وجنجن بجيجل لمدة 30 سنة، باتفاقيتين وُقعتا في نونبر 2008، برأسمال أولي قدره 108 ملايين دولار.

وتوسعت استثمارات "موانئ دبي" لاحقا لتشمل تطوير بنية الميناءين، مع ضخ 450 مليون دولار إضافية لتوسيع ميناء جنجن وتحويله إلى مركز لوجستي إقليمي يخدم شمال إفريقيا وجنوب أوروبا. وكان المسؤولون الإماراتيون قد أكدوا حينها على أن المجموعة تسعى لجعل "جن جن" أكبر محطة شحن في غرب المتوسط، وذلك من خلال تطوير البنى التحتية وتدريب الأطر الجزائرية وتخفيض تكاليف التشغيل.

ولم تقتصر السيطرة الإماراتية على الموانئ فقط، بل امتدت إلى مؤسسات حيوية أخرى، أبرزها الشركة العمومية للتبغ والكبريت، التي اقتسمت فيها أبوظبي الأسهم مع الحكومة الجزائرية، ما أثار لاحقا جدلا واسعا حول حدود التغلغل الاقتصادي الخليجي في البلد المغاربي.

وكشف تقرير كان قد نشره موقع "النهار أونلاين" الجزائري أن شركة "موانئ دبي العالمية" استحوذت على 70 بالمائة من مداخيل ميناء الجزائر، بعدما منحت الحكومة الشركة الإماراتية أكبر أرصفة الميناء وأكثرها حيوية، مما دفع تنسيقية نقابات الموانئ إلى التهديد بالإضراب، احتجاجا على "تهميش الحوار الاجتماعي" في عقد الاتفاقيات مع الإمارات.

وتبرز هذه المعطيات، وفق ما نشرته العديد من التقارير الإعلامية الجزائرية، كيف تحولت الإمارات إلى لاعب اقتصادي رئيسي داخل الجزائر خلال فترة بوتفليقة، وهو ما خلق تبعية نسبية في بعض القطاعات، خاصة الموانئ، لصالح أبوظبي.

مع اندلاع الحراك الشعبي في الجزائر في 2019 وسقوط نظام بوتفليقة، بدأت المؤشرات الأولى لرغبة فض "الشراكة" مع الإمارات العربية المتحدة، حيث بدأت تجلياتها أولا تظهر في الشعارات التي رافعها المتظاهرون والتي تطالب صراحة بخروج الإمارات من الجزائر، خاصة ما اعتُبر "هيمنة اقتصادية" و"تدخلا سياسيا" في قرارات السيادة الوطنية.

وكشف موقع "الخليج أونلاين"، في هذا السياق أن الإمارات لم تكن بعيدة عن محاولات إجهاض الحراك الشعبي في الجزائر، بل سعت إلى إعادة إنتاج النظام السابق عبر تحالفات داخلية، مستغلة علاقتها ببعض قادة الجيش، ومحاولة التأثير في قرارات السيادة الجديدة للبلاد، عبر أدوات اقتصادية وعسكرية، من بينها الدخول في شراكات مع وزارة الدفاع الجزائرية في مجال صناعة العربات المدرعة ومصانع الذخيرة.

غير أن تحركات وتدخلات الإمارات في بعض القضايا والمواقع الساخنة، مثل ليبيا ومنطقة الساحل وتطبيعها للعلاقات مع إسرائيل، أعطى للنظام الجزائري بقيادة تبون، فرصة لخلق الشرعية مع الشعب، بإعلان الرفض للتحركات الإماراتية، وقد ازداد رفض الجزائر للتوسع الإماراتي في المنطقة، بعد إعلان أبوظبي عن مشروع قاعدة عسكرية إماراتية في موريتانيا في منطقة حدودية مع الجزائر ومالي، وهو ما اعتُبر استفزازا مباشرا للنفوذ الجزائري في الساحل.

لم يكن التحول الجذري في موقف الجزائر من الإمارات ناتجا فقط عن الملفات الاقتصادية أو التدخل السياسي في المنطقة والعلاقات مع إسرائيل، بل سجل مراقبون تصاعد الخلاف بعد اتخاذ أبوظبي خطوات دعم علني لمغربية الصحراء، وهو ما تراه الجزائر بمثابة تحالف مغربي – إماراتي ضدها، وذهبت إلى حد وصف هذا التحالف بـ"التحالف الثلاثي" بإقحام إسرائيل.

وظهرت تجليات هذا التوتر الجزائري تُجاه الإمارات بشكل أكبر في سنة 2020، أي بعدما افتتحت الإمارات قنصلية عامة لها في مدينة العيون بالصحراء المغربية، لتكون أول دولة خليجية تقدم على هذه الخطوة الدبلوماسية، حيث علقت الصحافة الجزائرية الرسمية على الخطوة بتقارير تستهدف الإمارات بشكل واضح.

وازداد الغضب الجزائري تُجاه الإمارات بعد عملية "الكركرات"، حين دعمت أبوظبي بشكل رسمي العملية المغربية التي أزالت الحصار عن المعبر الحدودي نحو موريتانيا، وهو ما زاد من تعقيد العلاقات الثنائية بينهما وإن كان ذلك بـ"صامت"، لا يظهر إلا في الخرجات الجزائرية الغاضبة بين فترة وأخرى.

أمام هذا التراكم من الخلافات، يطرح تساؤل حول ما إذا كانت الجزائر، عبر نظامها السياسي - العسكري، تسعى إلى فك ارتباطها الاقتصادي التدريجي بالإمارات، كردّ فعل مباشر على مواقف أبوظبي الإقليمية، وخصوصا دعمها الصريح لمغربية الصحراء.

وفق العديد من التقارير الإعلامية الجزائرية، فإن نظام تبون قرر إيقاف مجموعة من الشراكات والاستثمارات الإماراتية في البلاد، من بينها استثمارات في الموانئ واستثمارات كانت مرتقبة في المجال العسكري، الأمر الذي يشير إلى عمق الخلاف والأزمة القائمة بين البلدين.

وبالرغم من أن الجزائر دائما ما تُبرر خلق الأزمات مع الدول بـ"الحفاظ على قرارها السيادي"، إلا أن تكرار توتراتها مع دول في الشرق والغرب، يساهم في زيادة عزلتها الإقليمية والدولية، كما يعكس صورة "نظام متشنج" يسهل استفزازه، في الوقت الذي يتخذ من يعتبرهم خصومه، وعلى رأسهم المغرب، سياسة "هادئة" لا تنجر بسهولة إلى ممارسة "سياسة رد الفعل".

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

خُرافات رئيس يائس

في الوقت الذي كان الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، يسعى إلى لقاء مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حتى تأتى له ذلك بفضل تدخل ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...