التجمع الوطني للأحرار.. حزب لا يخرج رؤساؤه إلا من الباب الضيق!
أعادت أنباء استقالة الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، عزيز أخنوش، التي وصلت حد نشر "بلاغ" استقالته عبر بعض وسائل الإعلام مؤخرا، إلى الأذهان النهايات "غير السعيدة" لسابقيه من رؤساء الحزب الذين وجدوا أنفسهم مضطرين للخروج من الباب الضيق بعد رفضهم القيام بـ"الأدوار" المرسومة لهم أو عجزهم عن ذلك.
فمنذ تأسيسه في أكتوبر من سنة 1978 على يد أحمد عصمان، الوزير الأول الأسبق وزوج أخت الملك الراحل الحسن الثاني، كان واضحا أن "حزب الحمامة" جاء ليقوم بـ"أدوار محددة" قد يؤدي رفضها إلى مصير مشابه لمصير مصطفى المنصوري، كما قد يؤدي الفشل فيها إلى نهاية مماثلة لنهاية صلاح الدين مزوار، ولا يبدو أن أخنوش بعيد عن هذه الأخيرة.
المنصوري.. ضحية انقلاب
اختير مصطفى المنصوري، المثقل بالتجربة السياسية والتاريخ الطويل داخل الحكومات المتعاقبة منذ 1998، ليكون رئيسا لحزب التجمع الوطني للأحرار في ماي من سنة 2007، وكان وقتها يحمل حقيبة وزارة التشغيل والتكوين المهني، حيث سيصبح مطالبا بضمان استمرار حزبه في التجربة الحكومية الموالية للانتخابات التشريعية التي ستُنظم في السنة نفسها، وهو ما حصل بالفعل رغم تراجع حصيلة التجمعيين في البرلمان بـ4 مقاعد، إذ أفضت المفاوضات إلى ظفره بـ6 حقائب حكومية بالإضافة إلى ترؤس المنصوري نفسه لمجلس النواب.
لكن ما سيحدث في السنة الموالية سيقلب حسابات الرجل والحزب الذي يقوده رأسا على عقب، ففي غشت من سنة 2008 سيتأسس حزب الأصالة والمعاصرة على يد "صديق الملك" فؤاد عالي الهمة، ومعه مجموعة من التكنوقراطيين ورجال الأعمال إلى جانب ووجوه يسارية بارزة، وكان واضحا أن هذا الحزب جاء ليصل إلى السلطة و"ليبتلع" العديد من الأحزاب التي توصف بـ"الإدارية" ومنها حزب "الحمامة"، وهو الأمر الذي لم يستسغه المنصوري.
وفي 2009 سيحدث الصدام المنتظر بين المنصوري و"البام"، عقب تورط ابن خالة إلياس العماري، البرلماني سعيد شعو، الذي كان وقتها ينتمي إلى حزب الأصالة والمعاصرة، في قضية تتعلق بالاتجار الدولي في المخدرات، وفي ظل تفاعل الأحداث وتسارعها سيختار الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار أن يوجه سهامه مباشرة نحو الهمة، حين أورد في لقاء بأعضاء حزبه أن هذا الأخير "يريد أن يعود بالمغرب إلى سنوات الرصاص"، ولم ينتظر بعدها طويلا ليتأكد أن ما صدر عنه لن يمر مرور الكرام، وهو يتابع انسحاب وزراء منتمين لحزبه من القاعة.
وبسرعة التقط صلاح الدين مزوار، الذي كان وقتها وزيرا للاقتصاد والمالية، الإشارة، ليبدأ حربا مفتوحة على المنصوري بعدما تمكن من ضم أغلبية أعضاء المكتب السياسي إلى صفه، فانطلق في حملة قاسية وصف خلالها المنصوري بأنه "يُضعف الحزب ويتسبب في تشتيته"، دافعا في اتجاه عقد جمع استثنائي للمجلس الوطني من أجل الإطاحة به في ما سمي إعلاميا "انقلاب الأحرار"، وهو الأمر الذي تم بالفعل بعد شهور، حين سيغادر المنصوري رئاسة الحزب مرغما من الباب الضيق في يناير من سنة 2010.
مزوار.. فشل ذريع
لم يكن صلاح الدين مزوار، وهو يلوح لأعضاء حزب التجمع الوطني للأحرار ضاحكا بعد "انتصاره" على المنصوري، يتوقع أن الأمور ستتغير في ظرف سنة واحدة فقط، وأن حزب الأصالة والمعاصرة الذي كان يرغب في "الاحتماء بظله" سيضطر لتحويله هو رفقة حزبه إلى درع له بعد أن باغثته سهام حراك 20 فبراير الذي لم يكن أحد يحسب له حسابا.
ووجد مزوار، فجأة، نفسه مطالبا بالقيام بدور لم يُخلق له سنة 2011، بعدما بلغ "البام" درجة متقدمة من الضعف غداة رفع صور قياداته على "المكانس" وسط الشارع مع دعوات صريحة إلى محاسبتهم وإبعادهم عن المشهد السياسي، في وقت كانت فيه أسهم حزب العدالة والتنمية ترتفع لدى الناخبين المقبلين على تجربة انتخابية وصفت بأنها "الأكثر شفافية" في تاريخ المغرب.
ووُضع مزوار "زعيما" لتحالف يضم 8 أحزاب من ضمنها حزب الأصالة والمعاصرة أُطلق عليه اسم "جي 8"، وكان عليه أن يواجه في معركة غير متكافئة الخطابات المثيرة لعبد الإله بنكيران الأمين العام لحزب العدالة والتنمية، والذي ظل يتعامل مع مزوار بكثير من الاستخفاف مصرا على أنه ليس أكثر من "واجهة" للبام، وهو خطاب لقي صدى كبيرا لدى الناخبين الذين منحوا حزب المصباح 107 مقاعد مقابل 52 لحزب الحمامة و47 لحزب الجرار.
لكن مزوار الذي سيلتحق بحكومة بنكيران بعد انسحاب حزب الاستقلال منها في 2013، سيعاود الكَرَّة مرة أخرى في 2016 وسيدخل في مواجهة مباشرة مع بنكيران مختارا الاصطفاف إلى جانب "البام"، لكن "البيجيدي" سيتمكن مرة أخرى من الفوز بالانتخابات بـ125 مقعدا، وكانت خسارة التجمعيين هذه المرة مدوية إذ لم ينجحوا في الحصول سوى على 37 مقعدا، ما دفع مزوار إلى تقديم استقالته إيذانا ببداية عهد عزيز أخنوش.
أخنوش.. عنوان التوهان
نزل عزيز أخنوش، التكنوقراطي السابق في حكومة عبد الإله بنكيران، على رئاسة حزب التجمع الوطني للأحرار في 12 أكتوبر 2016، في انتخابات محسومة سلفا، كان بعدها على موعد مع مهمة واحدة هي "قص أجنحة" حكومة بنكيران الثانية، وهو الأمر الذي نجح فيه بتفوق حين تسبب في إعفاء الملك لهذا الأخير إثر "بلوكاج" استمر لخمسة أشهر كاملة، ليصبح هو الوزير الأقوى في حكومة سعد الدين العثماني، حاملا حقيبة الصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات.
لكن وكما كان الشأن مع سلفيه المنصوري ومزوار، سيجد أخنوش، الذي لا يُخفي رغبته في أن يصبح رئيسا للحكومة في 2021، نفسه مضطرا للتعامل مع مستجدات لم يحسب لها حسابا، أبرزها حملة المقاطعة سنة 2018 التي استهدفت شركة "أفريقيا غاز" المملوكة لهولدينغ عائلته "أكوا"، والتي تعامل معها في بداية الأمر باستخفاف كبير قبل أن يجد نفسه واقعا في مأزق سياسي وقد أضحى اسمه في الشارع وعبر مواقع التواصل الاجتماعي مرادفا لـ"الاستغلال والريع".
ومنذ ذلك الحين ظل أغنى رجل في المغرب يحاول إعادة رص صفوف حزبه استعدادا للانتخابات التشريعية المقبلة، لكنه في كل مرة يجد نفسه في مأزق كبير، تارة بسبب لسانه كما كان الحال عندما توعد من ميلانو في إيطاليا بـ"إعادة تربية المغاربة"، وتارة بسبب نشاطاته الاقتصادية والتي كانت آخر فصولها فضيحة منتجع "تغازوت باي" المخالف للقانون والذي تسببت غضبة ملكية في هدم أجزاء منه.
وإلى غاية اليوم لا يزال "التوهان" عنوان "أخنوش السياسي" الذي فضل مؤخرا الابتعاد عن وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي والمهرجانات الخطابية، وسط حديث متزايد في الأوساط السياسية عن إمكانية لحاقه بسلفيه بخروجه من الباب الضيق لحزب التجمع الوطني للأحرار، وهو الأمر الذي لم يعد يخفيه بعض أعضاء الحزب أنفسهم.