التطبيع مع إسرائيل.. كيف تحولت ورقة تبون لتبرير العداء مع المغرب إلى منفذ لاسترضاء ترامب؟

 التطبيع مع إسرائيل.. كيف تحولت ورقة تبون لتبرير العداء مع المغرب إلى منفذ لاسترضاء ترامب؟
الصحيفة من الرباط
الأثنين 3 فبراير 2025 - 20:55

في شتنبر من سنة 2020، وفي الأشهر الأخيرة من العهدة الأولى للرئيس الأمريكي دونالد ترامب، قال الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إن بلاده "لن تُهروِل نحو التطبيع ولن تباركه"، وهي تصريحات كانت موجهة أساسا إلى الإمارات العربية المتحدة والبحرين، لكن بعد ذلك زادت حدتها عندما أعلنت الرباط عودة العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب بعد 20 عاما من القطيعة.

إلا أن الكثير من المياه جرت من تحت الجسر منذ ذلك التاريخ، دفعت الرئيس الجزائري، الذي وضعت بلاده مسألة "التطبيع" ضمن مبررات قطع العلاقات الدبلوماسية مع المغرب سنة 2021، إلى التمهيد تدريجيا للمصالحة مع إسرائيل، لدرجة إعلانه، بشكل مباشر، يوم أمس الأحد، في حوار مع صحيفة "لوبينيون" الفرنسية، أن الجزائر مستعدة لـ"تطبيع" العلاقات مع الدولة العبرية.

قال تبون، في جواب عن سؤال وُجه له بخصوص مدى استعداد بلاده لإقامة علاقات دبلوماسية علنية مع إسرائيل إذا ما أُقيمت دولة فلسطينية، إن بلاده "مستعدة للتطبيع في اليوم نفسه الذي يتم فيها إنشاء دولة فلسطين"، بل ذهب أبعد من ذلك حين اعتبر أن ذلك "يتماشى مع منطق التاريخ".

تبون، الذي منعت بلاده أي احتجاجات تضامنية مع الفلسطينيين في شوارعها خلال أشهر العدوان الإسرائيلي على غزة، قال إن الجزائر "ليست لديهما مشكلة مع إسرائيل"، محيلا على أن ذلك كان موقف الرئيسين السابقين الشاذلي بن جديد وعبد العزيز بوتفليقة، وسبق لهما التعبير عنه، وتابع أن "الأمر الوحيد الذي يشغل الجزائر هو إقامة دولة فلسطينية".

المفاجئ في حديث تبون، ليس هو تبنيه حل الدولتين، الذي سبق أن عبر عنه في نونبر الماضي فقط، في كلمته أمام القمة العربية الإسلامية بالعاصمة السعودية الرياض، والتي ألقاها بالنيابة عنه وزير الخارجية أحمد عطاف، وإنما تأكيده استعداد الجزائر لـ"تطبيع العلاقات" مع إسرائيل بشكل صريح، الأمر الذي كان يدخل في نطاق الخطوط الحمراء قبل بضع سنوات.

في أكتوبر من سنة 2020، وبعد نحو 10 أشهر على وصوله إلى منصب رئيس الجمهورية لأول ولاية، أجرى تبون حوارا تلفزيونيا مع وسائل إعلام محلية، تطرق فيه إلى موضوع "التطبيع"، حيث أورد "أرى أن هناك نوعا من الهرولة للتطبيع، ونحن، أولا، لن نشارك فيها ولن نباركها، والقضية الفلسطينية بالنسبة لنا ستظل قضية مقدسة".

ومنذ ذلك التاريخ أعلن تبون، ضمنيا، أن بلاده تؤمن بحل الدولتين، حين أورد أنه "لا حل للقضية الفلسطينية، التي نعتبرها قضية مقدسة وجوهرية وأم القضايا، لن تُحل إلا بدولة فلسطينية في حدود 1967، وعاصمتها القدس الشريف"، مضيفا، في تلميح إلى إمكانية تطبيع العلاقات مع تل أبيب "أعتقد أنه حين تقوم الدولة الفلسطينية ستُحل مشكلة الأوسط، لأنها هي المفتاح".

إلاّ أنه، بعد أسابيع على ذلك، سيقع تطور جوهري، سيدفع الجزائر لاعتماد لهجة جديدة، وذلك بعد إعلان الولايات المتحدة الأمريكية الاعتراف بالسيادة المغربية على الصحراء، بالتزامن مع إقامة علاقات دبلوماسية بين الرباط وتل أبيب، أواخر دجنبر من سنة 2020، بعد أسابيع من تدخل القوات المسلحة الملكية ميدانيا في الكركارات في 13 نونبر 2020.

هذا التطور، الذي كان يقف خلفه الرئيس دونالد ترامب، دفع الجزائر إلى اللعب مجددا بورقة "التطبيع"، لدرجة أن وزير الخارجية حينها، رمطان العمامرة، عندما تلا بيان قطع العلاقات مع المغرب في غشت من سنة 2021، تحدث عن "قيام السلطات المغربية بمنح موطئ قدم لقوة عسكرية أجنبية في المنطقة المغاربية وتحريض ممثلها على الإدلاء بتصريحات كاذبة وكيدية ضد دولة جارة"، في إشارة إلى زيارة نظيره الإسرائيلي السابق إلى الرباط.

مع توالي الأحداث، سرعان ما اتضح، تدريجيا، أن المبتغى من التصريحات الجزائرية، لم يكن الدخول في صدام مع إسرائيل، بل كانت تسعى إلى أن يقف التصعيد عند حدود المغرب، لذلك نجد أنها في أكتوبر من سنة 2021، سارعت، عبر بيان تكذيبي لوزارة الدفاع الجزائرية، إلى نفي مزاعم تداولها الإعلام المحلي على نطاق واسع، مفادها أن الجيش قام بـ"طرد غواصات إسرائيلية كانت في مهمة تجسس قرب المياه الإقليمية الجزائرية".

وفي أبريل من سنة 2022، جرى تسريب تسجيل صوتي للاجتماع الذي جرى بين تبون ووزير الخارجية الأمريكي حينها، أنتوني بلينكن، تطرق فيه الرئيس الجزائري إلى إمكانية إقامة علاقات مستقبلية مع إسرائيل، موردا "هناك مبادرة اتخذت على مستوى جامعة الدول العربية مفادها أن نعلن السلام مع إسرائيل على أن تقوم إسرائيل بالاعتراف بدولة فلسطين، وهذا ما نتبناه إلى غاية اليوم، أي السلام مقابل الأرض"، ثم أضاف "لا صدام لدينا معهم (الإسرائيليون)، المشكلة الوحيدة هي فلسطين ولا شيء آخر مطلقا".

آخر نماذج هذا "الحرص" الجزائري، كان في نونبر من سنة 2024، حين نفت وزارة الخارجية الجزائرية أن تكون كلمة الرئيس تبون في القمة العربية الإسلامية في الرياض، قد طالبت بـ"قطع النفط والغاز عن إسرائيل والولايات المتحدة الأمريكية أو عن الدول المساندة لها"، وذلك في خضم الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة، وبعد أسابيع من تأكيد رئيس الجمهورية أن بلاده "مع فلسطين ظالمة أو مظلومة".

أورد بيان الخارجية الجزائرية، الذي صدر ردا على وسيلة إعلامية محلية، أنه "في مزج غير مبرر بين التعليق ومحتوى الخطاب الرسمي، نسبت إحدى الصحف الخاصة، بشكل غير لائق، تصريحات لا أساس لها من الصحة لرئيس الجمهورية، يكون قد أدلى بها وزير الشؤون الخارجية باسم رئيس الجمهورية خلال انعقاد القمة العربية الإسلامية الأخيرة في الرياض"، وأضاف "كما يتبين من النسخة المكتوبة، وكذلك السمعية البصرية، فإن التصريح الجزائري في قمة الرياض لا يدعو بأي طريقة كانت وبأي شكل من الأشكال إلى إعادة الحظر العربي لسنة 1973".

هذه الخطوة التي تمت في 13 نونبر 2024، يبدو من الصعب فصلها عن نتائج الانتخابات الأمريكية التي جرت في الخامس من الشهر نفسه، والتي أفرزت هزيمة نائبة الرئيس ومرشحة الحزب الديمقراطي كامالا هاريس، أمام مرشح الحزب الجمهوري دونالد ترامب، الذي عاد إلى البيت الأبيض لولاية ثانية، بشكل رسمي، إثر تنصيبه بتاريخ 20 يناير 2025.

وصول ترامب، الذي لم تسر ولايته الأولى وفق هوى الجزائر، واختياره ماركو روبيو، وزيرا للخارجية، وهو الذي كان قد دعا لمعاقبة هذا البلد المغربي بسبب اقتنائه أسلحة من روسيا، يفسر لماذا اختار تبون خطابا مناقضا لما يتم ترويجه داخليا وعربيا، عبر وسيلة إعلامية فرنسية، أي أنها تصريحات موجهة للاستهلاك الخارجي، خصوصا إذا ما استحضرنا أنها تأتي بعد مكالمة لم يرشح عنها الكثير بين روبيو ونظيره أحمد عطاف، وإثر زيارة الجنرال مايكل لانغلي، قائد القيادة العسكرية الأمريكية في إفريقيا "أفريكوم"، إلى الجزائر، واجتماعه بالوزير المنتدب المكلف بالدفاع، رئيس أركان الجيش، السعيد شنقريحة.

أيها العرب.. عاد إليكم ترامب، فما أنتم فاعلون؟!

عاد ترامب إلى البيت الأبيض، ومع عودته عاد حكام الدول العربية ربط أحزمتهم، لكن هذه المرة بشكل أشد. فالرجل الذي يعشق "الفوضى"، يَأمر ولا يتفاوض، يُقرر ولا يُناقش، يُحدد مصير ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...