التعديل الحكومي.. بين العُرف السياسي والضرورة الحتمية والأسس الدستورية.. هل نشهد حكومة "كفاءات ثانية"؟

 التعديل الحكومي.. بين العُرف السياسي والضرورة الحتمية والأسس الدستورية.. هل نشهد حكومة "كفاءات ثانية"؟
الصحيفة - خولة اجعيفري
الخميس 10 أكتوبر 2024 - 19:34

عاد حديث التعديل الحكومي المرتقب في غضون الأيام القليلة المُقبلة تزامنا وافتتاح الموسم السياسي، ليعتلي صدارة النقاش في الصالونات السياسية ولدى الرأي العام الوطني، بين من يرى أن أيام بعض الوزراء باتت معدودة في انتظار أن يُخلفهم آخرون، ومن يعتقد أن التعديل مجرد إشاعة بدعوى وجود "انسجام" في الحكومة الحالية، لطالما تغنى به رئيس الحكومة عزيز أخنوش بنبرة منتشية وهو يستعرض ما يصفه بـ"الإنجازات غير المسبوقة" التي تحققت في نصف ولايته، غير مبالٍ بالأصوات المحتجة والتوترات المتصاعدة في عدد من القطاعات، ما يترك تساؤلات مفتوحة حول ما يحمله المستقبل القريب للحكومة.

وكانت مصادر حزبيّة، قد أسرّت لـ "الصحيفة" بأن زعماء الأغلبية الحكومية، عقدوا أمس الأربعاء اجتماعا "طارئا" من أجل تدارس مجموعة من الملفات العالقة المرتبطة بالتعديل الحكومي، تزامنا والدخول السياسي المرتقب  قبل افتتاح الدورة الأولى من السنة التشريعية الرابعة في الولاية الحالية، الجمعة المقبل، حيث جرى تقييم كل مسؤول حكومي على حدى من قبل الحاضرين للإجتماع.

وأكدت مصادر حزبية لـ"الصحيفة"، أن اجتماع أمس الأربعاء الذي ترأسه كل من عزيز أخنوش، رئيس حزب التجمع الوطني للأحرار، وفاطمة الزهراء المنصوري، منسقة القيادة الجماعية لحزب الأصالة والمعاصرة، ونزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، بالإضافة إلى الطالبي العلمي، ومحمد مهدي بنسعيد، قد أحرز تقدّما مهما في وجهات النظر بخصوص مجموعة من الملفات العالقة والمرتبطة أساسا بالدخول السياسي وأولويات الحكومة خلال الفترة المقبلة خصوصا في شقها الاجتماعي والاقتصادي.

وخلال الاجتماع، تداولت أحزاب الأغلبية بشأن التعديل الحكومي وضرورته، حسب المصادر ذاتها، التي أوردت بأنه جرت مناقشة كل قطاع على حدى ومنجزات كل مسؤول حكومي منذ لحظة استوزاره على رأس القطاع الذي أوكلت إليه حقيبته ومدى نجاعته، فضلا عن تقييم الأولويات المرحلية بناء على التوجيهات الملكية، وذلك في سياق مساعي الأحزاب الثلاثة لاستكمال مسار التنسيق والتفاهم المتواصل بين مكونات الحكومة.

تستعد المملكة غدا الجمعة لانطلاق موسم سياسي جديد، حيث يفتتح الملك محمد السادس الدورة البرلمانية الأولى لهذا العام، في مشهد يحمل معه العديد من الملفات الشائكة التي تنتظر النظر والحسم، وتُعيد معها الحديث المتكرر حول التعديل الحكومي المرتقب، حيث تُشير التوقعات إلى إقالة بعض الوزراء بعد افتتاح البرلمان، في حين تستبعد أخرى حدوث أي تغيير، بسبب هذا "الانسجام" الذي يتغنى به الجهاز التنفيذي في كل مرة رغم التوترات التي تكتسح عدة قطاعات استراتيجية في مُقدمتها الصحة والتعليم.

ويُوجه الشارع المغربي انتقادات بالجملة لعدد من وزراء حكومة أخنوش بسبب أدائهم "الضعيف" وتورطهم في ملفات هزت مجموعة من القطاعات الاستراتيجية وموضوع جدل كبير، إلا أن التجربة السياسية المغربية تذهب دائما إلى أن ما يتبناه أصحاب القرار ليس هو بالضرورة ما يُنادي به الشارع المغربي ويراه مناسبا، ما يجعل التعديل الحكومي ليس حتمياً سيّما وأن لا سند دستوري له.

وفي ظل الغموض الذي مازال يكتنف مصير التعديل الحكومي، توازيا وتفاقم الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المملكة، على وقع احتقانات محمومة تلهب مجموعة من القطاعات الاستراتيجية من بينها التعليم والصحة، والعدل طرحت "الصحيفة" سؤالا مباشرا على مجموعة من المراقبين والخبراء في القانون الدستوري، والمحللين السياسيين، لتبيُّن ما إذا كانت حكومة أخنوش ستعمد فعليا إلى الرضوخ لمطالب الرأي العام الوطني من خلال القيام بتعديل حكومي يُرتأى من خلاله تقويم الاعوجاج الذي تعرفه الاصلاحات الحكومية وبالتالي تثبيت مساعي تجديد الثقة من خلال ضخ دماء جديدة في الأغلبية في إطار العرف الدستوري الذي ما لبثت الحكومات المتعاقبة في تاريخ المغرب تلجأ إليه، أم أن حكومة أخنوش ستُخلف وعدها للمواطن بإجراء تعديل يعقب المؤتمرات الحزبية وتختار الاستمرار في ما هي عليه وتعتبره "انسجاما يتناسب والمُنجز غير المسبوق".

وفي هذا الإطار، يرى نور الدين بلحداد، المحلل السياسي والأستاذ بمعهد الدراسات الإفريقية التابع بجامعة محمد الخامس، أن التشنجات الاجتماعية وما نعيشه من قلق اجتماعي فضلا عن الاضرابات والوقفات الاحتجاجية التي تشهدها العديد من القطاعات، وكذلك قطع الطريق دائما حول العديد من المطالب الاجتماعية ذات المصداقية الكبرى من التعليم والصحة وملف المتقاعدين ومسألة القفة المغربية، كلها تدفع إلى أن الأوضاع تستوجب أنه "لابد من تعديل حكومي وإن كان عرفا دستوريا وليس ضرورة قانونية".

بلحداد، وفي تصريح لـ "الصحيفة"، اعتبر أن التراجعات المُسجلة في المغرب، أصبحت ظاهرة للعيان وتترجمها أيضا بعض الخرجات الرسمية لعدد من الوزراء ممن يتطاولون على الأحكام والقوانين المغربية والدستور، "وهو بطبيعة الحال ما لا يصب في بحر تحقيق النهضة الاجتماعية والدولة المجتمعية التي يرعاها ملك البلاد وتبرهن عن رغبته الأكيدة في تحسين وتجويد العيش الكريم للمواطن المغربي".

ولاحظ، الخبير المغربي أن الرأي العام الوطني "وفي عدة خرجات وقراءات ومناسبات طالب بتعديل حكومي أو لنقل تغيير جلد الحكومة المغربية من خلال ضخ روح جديدة تسير بالقافلة الاجتماعية نحو طريق أفضل خاصة في الجانب المتعلق بالتعليم ونحن نرى الاضرابات والخرجات، وإن كان مسألة حتمية فلابد من التعجيل من هذا التعديل لأنه يصب في خير البلاد والعباد".

وشدّد المتحدث، على أن مسألة التعديل باتت حيوية، لأن المرحلة تستوجب تغيير المعطف السياسي، وكذلك تقديم أشخاص في مستوى المسؤولية لإعطاء دينامية جديدة وفتح آفاق اجتماعية كبرى، على اعتبار أن المغاربة صابهم الملل من بعض الوجوه السياسية، مضيفا: "ولا بد من القول الصريح إننا في مفترق الطرق في العديد من الميادين الاجتماعية المرتبطة بعدة وزارات.. إذن التعديل الحكومي أصبح ضروري ونترقب هذه الخطوة الكبيرة التي سيكون لها انعتاق واستتباب للأمن والأمان والسلم والمسالمة داخل كل أطياف الشعب المغربي".

يرى رشيد الأزرق، أستاذ العلوم السياسية والخبير في القانون والعضو السابق في البعثة الدائمة للمغرب لدى الأمم المتحدة، أن التعديل الحكومي وإن كان عرفا دستوريا دأبت عليه الحكومات المتعاقبة، سواء كان الغاية منه تجديد الفعالية وإمداد طاقات أخرى وتقييم عمل الحكومة وطاقمها لاستكمال المسار والعهدة الانتخابية، إلا أنه ضروري جدا وإن كان هو إجراء من الناحية الدستورية رهين بتقدير رئيس الحكومة وعاهل البلاد الملك محمد السادس.

وأوضح الأزرق، في حديثه لـ "الصحيفة"، بأن تغني رئيس الحكومة عزيز أخنوش في كل مناسبة بالانسجام بين مكونات الأغلبية لا يعني بالضرورة أنه لا وجود لتعديل حكومي في القادم من الأسابيع، على اعتبار أن التغييرات ستهم الأشخاص وليس الأحزاب المشاركة في الحكومة، وذلك عل أية حال "لا يمنع التجانس" وفق تعبيره.

وشدّد الخبير في الشؤون السياسية، على وجود حاجة ماسة اليوم للتعديل الحكومي، ليس فقط على اعتبار الأحداث المرتبطة بالشأن الداخلي لكن الخارجي أيضا، لعل آخرها قرار محكمة الاتحاد الأوروبي الذي يؤكد بوجوب أن يكون هنالك رد سياسي داخلي من خلال إعادة ترتيب أولويات الحكومة، وتعديل صفوفها لإظهار الوحدة المرجوة في الجدار الداخلي وتمرير رسالة إلى الاتحاد الأوروبي مفادها أن هناك وحدة سياسية.

واعتبر الأزرق، في حديثه لـ "الصحيفة"، أن التعديل الحكومي، هو إجراء طبيعي بعد واقعة المحكمة الأوروبية، خاصة أن ما وقع لديه تأثير على عدد من القطاعات بما فيها الفلاحة والصيد البحري، وإن كانت الاتفاقية لن تتوقف قبل عام، لكن على الأقل يجب على المغرب بعث رسائل للاتحاد الأوروبي والعالم ككل مفادها بأن المغاربة لغة واحدة وأن هناك جبهة واحدة اتجاه القرار وكل ما من شأنه المس بالوحدة الترابية.

وبخصوص القطاعات الوزارية التي يراها المحلل السياسي في حاجة لرجة من خلال تغيير المسؤول الحكومي على رأسها، قال الأزرق: "الحكومة في تقديري يجب أن تكون مصغر لأنها وبشكلها الحالي لا توجد نجاعة، وفي تقديري يجب تجميع العديد من القطاعات الاجتماعية استجابة مع شعار الحكومة أي الدولة الاجتماعية". مضيفا: "يجب أن تتوفر نزعة خاصة سيما وأن الأدوات السياسية والاقليمية سمتها عدم اليقين، وترخي بظلالها على المغرب ولعل من أبرز ملامح ذلك ارتفاع أسعار الطاقة والتضخم والغلاء، وبالتالي إلى أي حد الحكومة الحالية ستجد الصيغة للإجابة على التساؤلات الحالية".

من جهة أخرى، يشير الخبير في الشؤون السياسية إلى وجود توقعات خاصة بشأن وزارة الشغل، ولا سيما في ما يتعلق بإصدار قانون الإضراب بشكل توافقي، إذ يرى أن "هذا القانون يحتاج إلى صيغة سياسية توازن بين مصالح العمال وأصحاب الشركات"، وبالإضافة إلى ذلك، يزيد الأزرق: "توجد قضايا مثل قانون التقاعد وغيرها من القوانين الملحة بحاجة إلى رؤية إبداعية من الحكومة، وهنا يبرز التساؤل: هل تستطيع الحكومة الحالية، بفريقها من الوزراء والوزيرات، تقديم هذه الحلول المبتكرة؟ الإجابة على هذا السؤال تظل مرهونة بتقدير رئيس الحكومة نفسه" يقول المتحدّث.

في خضم، هذا الترقب الذي تشير مؤشراته إلى احتمال إجراء تعديل حكومي بعد افتتاح البرلمان، أوضح عبد الحفيظ اليونسي، أستاذ القانون الدستوري بكلية العلوم القانونية والسياسية بسطات، أن مسطرة التعديل الحكومي واضحة دستوريًا فيما يتعلق بالاقتراح والتعيين وتنفيذه، مؤكدا أن التعديل يدخل ضمن نطاق السياسة، حيث يعتمد على تقدير الفاعلين السياسيين لتنفيذه أو عدمه، ولكنه أضاف، بناءً على العرف السياسي في المغرب وضعف أداء الحكومة الحالية، يبقى التعديل مطلوبًا، وإلا فستكون هناك إشكالية على مستوى فعالية النظام السياسي.

واعتبر اليونسي، في حديثه لـ "الصحيفة"، أن بقاء الحكومة دون تعديل يعزز صورة نمطية غير صحيحة بأنها مجرد واجهة، بينما الفاعلون الحقيقيون موجودون في مستويات أخرى من اتخاذ القرار، مضيفا: "موضوعيا لا يوجد سبب دستوري يلزم بإجراء التعديل من عدمه، بل هو يدخل ضمن المتاح الدستوري أخذا بعين الاعتبار الظروف السياسية والاقتصادية والاجتماعية".

وأبرز الخبير في القانون الدستوري، أن العرف السياسي في المغرب يقضي بإجراء تعديل بعد منتصف ولاية الحكومة، خصوصًا في الوزارات التي تواجه مشاكل، مضيفا: "في ظني إن وضع بعض القطاعات الوزارية تحتاج إلى تعديل وزرائها ممن اثبتوا فشلهم وعليهم تحمل المسؤولية في ذلك، وبالتالي تقديم استقالتهم لكن ومادام أنهم يرفضون ذلك أو لا يستطيعون نظرا للأعراف المرعية في هذا الشأن ببلادنا، فالأصل هو تعديلهم على غرار وزارة التعليم العالي المتسببة في إضراب طلبة الطب أو وزارة التشغيل وضعف الانجاز في التشغيل لارتفاع أرقام البطالة أو وجود وزراء في وضعية تضارب مصالح".

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

النظام الجزائري.. أسير الشيخوخة وإرث الماضي وأحقاده

حين بث التلفزيون الرسمي الجزائري مشاهد استقبال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لنظيره الرواندي بول كغامي، يوم 3 يونيو 2025، كان في حقيقة الأمر، ودون أن يدري، يضع الرَّجُلين في ...