التناوب، 20 فبراير، الإسلاميون، حراك الريف.. محطات من حكم محمد السادس

 التناوب، 20 فبراير، الإسلاميون، حراك الريف.. محطات من حكم محمد السادس
الصحيفة من الرّباط
الأحد 28 يوليوز 2019 - 22:21

اجتهد الملك الراحل الحسن الثاني، عندما علم بأن المرض ماض بخطى حثيثة في التغلب على جسده المنهك، في تعبيد الطريق لعاهل المملكة القادم، الملك الشاب محمد بن الحسن. وكان الشأن السياسي والاقتصادي، للبلاد الذي وصل في النصف الثاني من عقد التسعينات لما سُمي بـ"السكتة القلبية"، أكثر ما كان يؤرق ملكا قويا اعتاد على دك خصومه السياسيين، لذلك، لم يجد حرجا في استدعاء بعض من هؤلاء الخصوم لإخبارهم بالتغيير الجذري القادم لا محالة، وطلبِ دعمهم للحفاظ على استقرار البلاد بعد رحيله.

أغلق الحسن الثاني باب مكتبه على عبد الرحمن اليوسفي، الكاتب الأول لحزب الاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية، ومحمد بوستة، الأمين العام لحزب الاستقلال، وعبد الكريم الخطيب، عراب "حزب العدالة والتنمية" أول حزب "إسلامي" تعترف به الدولة وتسمح له بالمشاركة في الانتخابات.. هؤلاء سمعوا من الملك هذه المرة "رجاء" أكثر من "أمر"، بتوفير الأجواء السياسية الملائمة للملك الشاب. فكانت أول حكومة لـ"التناوب التوافقي" تقودها أحزاب المعارضة، وكانت تلك البداية لمنعرج حافل بالأحداث السياسية التي سيتعامل معها الملك محمد السادس طيلة 20 عاما من حكمه الممتد إلى اليوم.

غضبة اليوسفي

يوم 30 يوليوز 1999، سيتولى الملك محمد السادس حكم المغرب عن عمر الـ36 ربيعا، وبسرعة تغيرت مشاعر الصدمة والخوف من المستقبل التي تلت وفاة والده الذي حكم البلاد منذ 1962، إلى مشاعر تفاؤلٍ بغد أفضل، بعدما لم يتأخر العاهل الشاب في فتح صفحة "العهد الجديد"، التي تميزت بجو من الانفتاح والمصالحة مع أشد المعارضين لسلفه، توجت بعودة المناضل اليساري أبرهام السرفاتي من منفاه بأمر ملكي يحمل الكثير من الرمزية.

وجد الملك الجديد المناخ الحكومي والبرلماني مناسبا، فعبد الرحمن اليوسفي كان وزيرا أولا لحكومة جمعت "الكتلة الديمقراطية" بـ"الأحزاب الإدارية"، وفي البرلمان بدأت مجموعة من التيارات تجد لنفسها موطئ قدم بعد عقود من المنع، وأبرزها حزب العدالة والتنمية ذي المرجعية الإسلامية، الذي اختار أن يقدم للحكومة ما وصفه عبد الإله بنكيران فيما بعد بـ "المساندة النقدية".

لكن أول اختبار حقيقي للوضع السياسي الجديد في البلاد لم يحن إلا سنة 2002، حين أفرزت انتخابات 27 شتنبر التشريعية تصدرَ حزب الاتحاد الاشتراكي للمشهد البرلماني في مجلس النواب، بواقع 50 مقعدا مقابل 43 مقعدا لحليفه الحكومي وغريمه التاريخي حزب الاستقلال، غير أن قيادة هذا الأخير أبدت إصرارا على ترأس الحكومة هذه المرة ما دام الأمر، في نظرها، يتعلق بـ"حكومة تناوب"، الأمر الذي اصطدم برفض صارم من الوزير الأول الاتحادي، الذي اعتبر أن المنهجية الديمقراطية تفرض على الملك اختيار رئيس الحزب الحاصل على الرتبة الأولى لتكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة.

وحينما بدا أن صراع الاتحاديين والاستقلاليين بدأ يشتد، اختار الملك محمد السادس اتخاذ أحد أكثر القرارات المثيرة للجدل في مسيرة حكمه، حين فاجأ الجميع بتسمية التيكنوقراطي إدريس جطو وزيرا أولا، وهو الذي كان قبلها وزيرا للداخلية، الأمر الذي تسبب في ارتباك كبير داخل الاتحاد الاشتراكي، انتهى بمشاركته في حكومة لم تُرض صيغتها كاتبه الأول، الذي اختار الاستقالة والتواري عن الساحة السياسية.

غير أن اليوسفي لم يكن ليرحل قبل قول كلمته الآخيرة، كان ذلك في بروكسيل سنة 2003، فيما يعرف بـ"محاضرة المنهجية الديمقراطية"، التي لم يتحفظ فيها عن إعلان معارضته للقرار الملكي، حين اعتبر أن مرحلة "التناوب التوافقي" كان يجب أن تفضي لمرحلة "التناوب الديموقراطي"، داعيا صراحة إلى اعتماد "المنهجية الديمقراطية في تشكيل الحكومة وذلك بإسناد مهمة الوزير الأول إلى الحزب الذي حصل على أكبر عدد من المقاعد في البرلمان الجديد، وتطبيق بنود الدستور في اتجاه نقل أكبر عدد من الصلاحيات التنفيذية إلى الوزير الأول والحكومة التي يرأسها".

ظل اليوسفي بعيدا عن المشهد السياسي طويلا، حتى عندما نفذ الملك "عمليا" مقترح المنهجية الديموقراطية فيما بعد، إلى أن طبع العاهل المغربي قُبلة على جبينه، في خطوة لا تخلو من دلالات، عندما زاره في المستشفى إثر الوعكة الصحية التي ألمت به، قبل أن يفتتح شارعا باسمه في مسقط رأسه بمدينة طنجة سنة 2016. 

ملامح الحزب الوحيد

في 2007، أجريت انتخابات تشريعية أفرزت حصول حزب الاستقلال على الرتبة الأولى بـ46 مقعدا، اختار الملك بعدها العمل بـ"نصيحة" اليوسفي، وأسند لأمينه العام عباس الفاسي مهمة تشكيل الحكومة، لكن هذه الانتخابات أفرزت مؤشرات مقلقة لم تكن تتماشى ساعتها وتوجهات الدولة، إذ إلى جانب نسبة المشاركة المتدنية التي لم تتجاوز 37 في المائة، أعطى المصوتون لحزب العدالة والتنمية "الإسلامي" 42 مقعدا برلمانية، والصدارة من حيث عدد الأصوات بأكثر من نصف مليون صوت، في فترة كان فيها صدى انفجارات أحداث 16 ماي 2003 الدامية في الدار البيضاء، لا يزال يُسمع في القصر الملكي ووزارة الداخلية.

ولمواجهة القوة المتزايدة لـ"البيجيدي" شرع القصر في إعداد بديل انطلاقا من انتخابات 2007 نفسها، عبر رجل يجمع بين قربه من الملك بوصفه صديقه، وبين معرفته بخبايا العملية الانتخابية كونه كان وزيرا منتدبا في الداخلية، إنه فؤاد عالي الهمة، الذي ظهرت أولى إرهاصات سطوته السياسية المتوقعة عندما ترشح مستقلا برمز "الجرار" في دائرة الرحامنة، لتحصد لائحته المقاعد الثلاث دون عناء.

بدأ الهمة مشروعه السياسي بخليط ضم أعيانا ورجال أعمال إلى جانب وجوه يسارية بارزة، من بينها إلياس العماري وحكيم بنشماس وعبد اللطيف وهبي، بتأسيس "حركة لكل الديموقراطيين" في 2008، بهدف أساسي وواضح هو مواجهة الإسلاميين، وسرعان ما تمخض عن ذلك تأسيس حزب "الأصالة والمعاصرة"، الذي تردد كثيرا في الإعلام وفي التجمعات السياسية أنه "حزب صديق الملك"، وأنه جاء ليكون "الحزب الوحيد" عمليا، على غرار تجربتي التجمع الدستوري في تونس والحزب الديمقراطي في مصر.

بدأ الحزب الوليد بسرعة في جني الثمار، ففي 2009 استطاع الحصول على الرتبة الأولى في الانتخابات الجماعية، بل إنه وصل إلى تسيير مجالس مدن كبرى رغم محدودية مقاعده فيها بعدما أبعدت تحالفاته حزب العدالة والتنمية إلى المعارضة، ما دفع هذا الأخير، عبر أمينه العام عبد الإله بنكيران إلى "الاستنجاد بالملك"، ووصف "البام" بـ"الحزب الاستئصالي"، خاصة بعد ما وصفه بـ"الانقلاب" على نتائج الانتخابات في مدينتي طنجة ووجدة، لكن "الجرار" الذي كان يسير في طريق سالكة لـ"حرث" نتائج انتخابات 2012 البرلمانية، سيصطدم قبل موعدها بسنة ونصف بمفاجأة صادمة "ستفجر عجلاته" إلى الأبد.

2011.. الحراك الدستور

ربما لم يكن أحد يتوقع أن بائعا متجولا في مدينة سيدي بوزيد التونسية، قرر في لحظة شعور بالمهانة إضرام النار في جسده النحيل أواخر سنة 2010، سيضع حكم الملك محمد السادس في أصعب امتحاناته، فثورة الياسمين التي تلقفت مصر وسوريا وليبيا واليمن جمرتها، وصلت رياحها أيضا للمغرب صبيحة يوم 20 فبراير 2011.

وجد النظام السياسي المغربي نفسه لأول مرة منذ عقود في مواجهة مباشرة مع شارع رفع شعار السلمية، ورفع معها مطالب جريئة تشمل تغيير الدستور وإقالة الحكومة وحل البرلمان وإسقاط الفساد والاستبداد، بل مضى أحيانا إلى المطالبة بـ"إسقاط المخزن"، أكثر النظم التقليدية تعقيدا وصلابة في العالم العربي.

وأمام المساندة الواضحة للحراك من لدن إطارات سياسية معارضة توصف بـ"الراديكالية"، وفي مقدمتها جماعة العدل والإحسان الإسلامية، وأحزاب النهج الديمقراطي والاشتراكي الموحد والطليعة والمؤتمر الوطني الاتحادي اليسارية، كان واضحا أن الارتباك يسيطر على كل الأحزاب الكبيرة، بل إن الداخلية نفسها بدت حائرة، فتارة كانت تسمح بمرور المسيرات دون تدخل، وتارة كانت تلجأ للغة الهراوات في محاولة لمنعها بالقوة، وبين هذا وذاك كان الجميع ينتظر أن يسمع صوت القصر.

لم يطل تفكير الملك طويلا، ففي التاسع من مارس كان المغاربة على موعد مع خطاب استثنائي في موعده وسياقه، ثم في مضامينه، حيث أعلن عن إحداث هيأة ملكية لصياغة دستور جديد يمنح سلطات تنفيذية أكبر للحكومة ويعزز الفصل بين السلطات، بل إن مراقبين اعتبروا أن سقف هذا الخطاب كان أعلى من مقترحات الأحزاب وأقرب لمطالب الشارع.

نجح الدستور الذي صوت 98 في المائة من الناخبين لصالحه يوم فاتح يوليوز 2011، وما تبعه من انتخابات مبكرة اعتبرت "الأكثر شفافية" في تاريخ المغرب، ثم انسحاب جماعة العدل والإحسان من حركة 20 فبراير، إلى انتهاء الحراك تدريجيا، وإلى وضع "الإسلاميين" لأول مرة في موقع صناعة القرار الحكومي، فيما كانت الإشادة بـ"حكمة المملكة" في التعامل مع نسختها من "الربيع العربي" محط إجماع إقليمي ودولي.

حكومة الإسلاميين

لطالما ذكر عبد الإله بنكيران خصومه السياسيين أنه كان سببا رئيسا في "عدم انجرار المغرب إلى ما لا تحمد عقباه"، متحدثا بثقة عن تخيير الأمانة العامة لحزبه بين الامتناع عن النزول في 20 فبراير أو استقالته، وعمليا، كان ذلك ما فسح المجال لحزب العدالة والتنمية لتصدر المشهد الحزبي في انتخابات 25 نونبر 2011 البرلمانية، التي تكبد فيها حزب الأصالة والمعاصرة وحلفاؤه ضربة موجعة.

استطاع حزب العدالة والتنمية الحصول على 107 مقاعد، في انتخابات كانت الأكثر نزاهة في تاريخ المغرب، وهي نتيجة لم يتوقعها حتى أشد المتفائلين من "البيجيدي"، ما فتح لبنكيران أبواب القصر الملكي بميدلت بعدها بأيام حيث كلفه الملك محمد السادس بتشكيل أول حكومة يقودها حزب إسلامي.

استطاع بنكيران تجاوز حسابات التحالف الحكومي بفتح الباب أمام حزب التقدم والاشتراكية والحركة الشعبية وحزب الاستقلال، هذا الأخير الذي سينسحب من الحكومة بعدها بعام وسيعوَّض بحزب التجمع الوطني للأحرار، ومعه سيتيقن رئيس الحكومة أن طريقه ليست مفروشة بالورود، وأن خصومه كما بعض حلفاءه يرون أن حكومة "البيجيدي" ليست سوى "قوس وجب إغلاقه".

ظل بنكيران يردد دائما أن علاقته بالملك جيدة ويسودها الاحترام، حتى عندما عين غريمه السابق فؤاد عالي الهمة مستشارا ملكيا، واعتقد أن قدرته على "تمرير القرارات الحكومية الصعبة وسط دعم شعبي" كما يصف هو الأمر، وخطاباته الجذابة التي توجت بحصول حزبه على 125 مقعدا في انتخابات 2016 متغلبا مرة أخرى على "البام" في نسخة إلياس العماري هذه المرة، ستقوي موقفه أمام الملك.

لكن شهور "البلوكاج الحكومي" وعدم اشتراط الدستور لتعيين رئيس الحزب الفائز في الانتخابات رئيسا للحكومة، أخرجت بنكيران من القصر الملكي ومن الباب الضيق، حين تم إبلاغه، منتصف مارس 2017، بقرار الإعفاء دون حتى أن يتمكن من مقابلة الملك، وليتسلم مقاليد الحكومة "بيجيدي" في نسخة جديدة، نسخة سعد الدين العثماني الذي لم يجد بدا من الاستسلام لشروط "حليفه" عزيز أخنوش، الأمين العام لحزب التجمع الوطني للأحرار، والوزير المقرب من القصر. 

الأزمات.. وموت الأحزاب

شرع الأمل الذي قدمته التغييرات التي تلت حراك 20 فبراير في الخفوت تدريجيا، وعادت الأزمات للبروز في عدة مناطق بالمغرب، والتي غالبا ما كان محركها مطالب اجتماعية واقتصادية، أبدت الحكومة عجزا في الاستجابة لها بشكل يستبق "انفجار الشارع" مثل ما حدث في طنجة وجرادة وزاكورة، إلى جانب أخطر تمظهرات الأزمة، ويتعلق الأمر بـ"حراك الريف" بإقليم الحسيمة، والذي أبان عن فشل ذريع لمؤسسات الوساطة وفي مقدمتها الأحزاب والنقابات، حتى إن بعض قادة الحراك كانوا يصرون على أن التفاوض يجب أن يكون مع القصر الملكي مباشرة.

وفي غمرة ذلك، بدت المؤسسة الملكية الجهة الأكثر قدرة على المبادرة وتهدئة الأجواء، على غرار "الزلزال الحكومي" الذي أسقط رؤوس جملة من المسؤولين الحكوميين نتيجة ضعف تنزيل برنامج "منارة المتوسط" بالحسيمة، ثم عبر الخطابات الملكية التي صارت أكثر مباشرَة وحِدة، بل أضحت تحمل تأنيبا صريحا للفاعلين السياسيين.

ففي خطاب العرش الماضي قال الملك إن "المنتظر من مختلف الهيئات السياسية والحزبية التجاوب المستمر مع مطالب المواطنين، والتفاعل مع الأحداث والتطورات التي يعرفها المجتمع فور وقوعها، بل واستباقها، بدل تركها تتفاقم، وكأنها غير معنية بما يحدث"، وهو الكلام الذي حمل بوضوح مسؤولية الأزمات المتتالية التي عانت منها البلاد للإطارات السياسية.

وعلى غرار العام الماضي، ينتظر المغاربة ما سيحمله خطاب عيد العرش هذه السنة، الذي يتزامن مع مرور عقدين كاملين من "سياسة محمد السادس"، وسط ساحة موصومة بالكثير من سوء الفهم وفقدان الثقة بين الفاعل السياسي والمواطن، هذا الأخير الذي اختار العزوف الانتخابي والحزبي وحتى السياسي، باحثا عن الأمل ولو خارج وطنه.

السيد فوزي لقجع.. السُلطة المُطلقة مفسدة مُطلقة!

بتاريخ 3 مارس الماضي، كشف منسق ملف الترشيح المشترك لإسبانيا والبرتغال والمغرب لكأس العالم 2030 أنطونيو لارانغو أن لشبونة لن تستضيف المباراة النهائية للمونديال. وأثناء تقديم شعار البطولة وسفرائها، أكد ...