الجزائر تُعيد إحياء "معركة التراث".. وتقدم الزليج المغربي لليونسكو كتراث جزائري.. ومصادر من وزارة الثقافة لـ"الصحيفة": "مُحاولة يائسة"

 الجزائر تُعيد إحياء "معركة التراث".. وتقدم الزليج المغربي لليونسكو كتراث جزائري.. ومصادر من وزارة الثقافة  لـ"الصحيفة": "مُحاولة يائسة"
الصحيفة - خولة اجعيفري
الأثنين 14 أبريل 2025 - 20:00

أثار عودة الجزائر، للإعلان عن تقديم ملف إلى منظمة اليونسكو لتسجيل فن الزليج ضمن قائمة التراث الثقافي غير المادي، موجة استغراب وتساؤلات واسعة داخل الأوساط الثقافية المغربية، ليس فقط بسبب توقيت الخطوة وسياقها السياسي، ولكن أيضًا لأن الأمر يتعلق بـأحد أعرق الفنون المعمارية المغربية التي رسّخت هوية البلاد عبر قرون من التراكم الحضاري والفني والمسجّلة أساسا في ملكية المملكة منذ 2016.

الخطوة الجزائرية، التي أعلن عنها وزير الثقافة زهير بالعلو على هامش "اليوم العربي للمخطوط"، وُصفت في المغرب بـ"أنها محاولة جديدة وميؤوس منها لمصادرة رموز هوية مغربية موثقة عالميًا ومحليًا"، خاصة أن الزليج يُعد من أبرز ملامح العمارة المغربية التقليدية، وارتبط تاريخيًا بمدينة فاس، ومنها انتشر إلى مختلف ربوع المملكة، بل وإلى الأندلس عبر المدارس الحرفية المغربية.

واعتبر الوزير الجزائري زهير بالعلو، في ندوة ثقافية نظمت بقصر الثقافة مفدي زكريا أنها ليست مجرد رد دبلوماسي أو ثقافي معزول، بل تندرج ضمن رؤية أوسع تسعى الجزائر من خلالها إلى تحديث قائمتها الترشيحية لدى اليونسكو، عبر إيداع 12 ملفًا إضافيًا خلال المرحلة المقبلة، تخص التراث الثقافي المادي.

وأكد المسؤول الجزائري، أن هذه الدينامية تُعد ركيزة أساسية في الدبلوماسية الثقافية الجزائرية، مشيرًا إلى أن الحفاظ على التراث يدخل ضمن ما وصفه بـ"الأمن الثقافي"، باعتباره أداة استراتيجية لصون الهوية الوطنية وربط الثقافة بمسارات التنمية الاقتصادية والاجتماعية، مشيرا إلى نية بلاده ترشيح عدد من المواقع الثقافية والطبيعية لتُدرج ضمن قائمة التراث العالمي، بالإضافة إلى مواقع ذات قيمة تاريخية ومعمارية.

وترى الجزائر، أن ملف الزليج حالة رمزية في هذا السياق، إذ يُجسّد بوضوح معركة "الذاكرة والتراث" في المنطقة المغاربية، وأنه من خلال هذه الخطوة، لا تكتفي فقط بالتحذير أو الاعتراض، بل تتحرك ميدانيًا، وتُعدّ الملفات، وتقدم الأدلة، وتستبق الخطاب المغربي بإجراءات تعتبرها "ملموسة، في محاولة لتصحيح السرديات التاريخية وإعادة كتابة مرجعيات التراث المغاربي من زوايا متعددة"، وفق تعبير الوزير، الذي روج إلى أن "الزليج ليس مغربيًا فقط، بل هو أيضًا جزائري، له جذوره وتاريخه وممارساته الممتدة في العمق الشعبي والمعماري للبلاد"، في مخاطبته اليونسكو والرأي العام الدولي على حد سواء.

بمقابل هذه السرديات الجزائرية، فإن فن الزليج ليس مجرد عنصر زخرفي، بل صناعة تقليدية راقية وذات دلالات ثقافية وروحية عميقة، تمتد جذوره إلى القرن العاشر الميلادي، مع بداية بروز المدارس العمرانية في فاس ومراكش وسلا، ويتميّز عن غيره في العالم الإسلامي بهندسته الدقيقة المعقدة (الأشكال النجمية، الزوايا الهندسية، التناظر المحكم)، ألوانه الطبيعية المشتقة من معادن محلية (الأزرق الكوبالتي، الأخضر النحاسي، الأصفر الخردلي)، وتقنية "القطع والتركيب يدويًا" المعروفة باسم القطع بالأزاميل الصغيرة (القَطَّاع)، وهي تقنية مغربية حصرية.

ويُصنع الزليج المغربي من طين خاص يُستخرج من ضواحي فاس (طين واد الهرهورة)، ويخضع لعملية حرق تقليدية في أفران خشبية، ثم يُقطع يدويًا ويُركب وفق تصاميم رياضية دقيقة، تتطلب خبرة طويلة وسنوات من التكوين داخل الورش التقليدية.

وقد سبق للمغرب أن سجل ضمن لائحة التراث العالمي لدى اليونسكو عددًا من المدن التاريخية التي يبرز فيها الزليج بشكل جوهري، منها المدينة العتيقة لفاس (سُجِّلت عام 1981) والمدينة العتيقة لمراكش (1985)، والرباط كعاصمة حديثة وتراثية (2012).

في هذا السياق، قلّلت مصادر مسؤولة مغربية في حديثها لـ "الصحيفة"، من  شأن هاته السرديات والمزاعم الجزائرية، مؤكدة أن إيداع الجزائر لملف الزليج لدى اليونسكو يُعيد إلى الأذهان ما وصفته بـ"سلسلة من محاولات الـ Appropriations Symboliques التي تمارسها الجزائر، خاصة بعد فشلها في تقديم رواية بديلة لعدة عناصر من التراث المغاربي المشترك".

وأوضحت المصادر ذاتها، من داخل وزارة الشباب والثقافة والتواصل – قطاع الثقافة أن المملكة المغربية تابعت عن كثب الخطوة الأحادية التي أقدمت عليها الجزائر بإيداع ملف لتسجيل "الزليج" لدى منظمة اليونسكو، معتبرة ذلك "تجاوزا وتلاعبًا بمنطق النسب الثقافي".

وأوضحت المصادر ذاتها، أن: "فن الزليج كما هو معروف تاريخيًا وعلميًا هو نتاج مغربي خالص، نشأ وتطور في ظل الدولة المغربية المركزية منذ القرن العاشر، وبلغ ذروته في عهد المرينيين والعلويين، ويتجلى بوضوح في المعالم التاريخية الكبرى مثل جامع القرويين ومدارس فاس ومراكش وسلا، وقصور الرباط ومكناس، وما يزال حيًّا ومتجددًا في الورش الحرفية بمدينة فاس وصفرو."

وأضاف المصدر، أن المغرب قام منذ سنة 2016 بتسجيل الزليج كعنصر تراثي مغربي لدى المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، مشيرًا إلى أن: "هذا التسجيل يمنح المغرب سندًا قانونيًا دوليًا ضد أي ادعاءات انفرادية أو تزوير في النسب، وقد جاء ضمن استراتيجية وطنية لحماية الصناعات التقليدية كجزء من التراث اللامادي المغربي."

وتابع المتحدث: "نحن لا نُزايد على أحد، وندرك أن بعض العناصر المعمارية انتشرت بفعل التفاعل المغاربي الإسلامي، لكن محاولة الاستيلاء عليها من طرف دولة أخرى، هو افتعال للنزاع، والزليج كما نعرفه وفق الملف والمستندات التاريخية الصحيحة، ويعرفه العالم أيضا هو فن مغربي الأصل والمنشأ والتطور، وأي محاولة لنسبه إلى غير المغرب تُعد انتحالًا ثقافيًا لا ينسجم مع قواعد التوثيق الدولي."

وختم المصدر تصريحه بالتأكيد على أن وزارة الثقافة المغربية، لن تتوانى في أي وقت عن الدفاع عن تراثها لكل أنواعه، وتقديم "الخطوات اللازمة، القانونية والديبلوماسية، لضمان حماية هذا العنصر الجوهري من تراث المغرب.. لأن ما يحدث اليوم هو سابقة تستوجب الحزم والانتباه."

يرى الخبراء المغاربة أن فن الزليج، وإن وجد بعض الأشكال المشابهة له في مناطق مغاربية أخرى بفعل التفاعل التاريخي بين المغرب والأندلس وشرق الجزائر، فإن المغرب هو الموطن الأصلي والوحيد للمدرسة المتكاملة في هذا الفن، لذلك فإن محاولة تسجيله باسم الجزائر هو تشويه للسياق الحضاري، ولا ينسجم مع منطق اليونسكو التي تراعي الارتباط الجغرافي والتاريخي والتقني في تصنيف الملفات.

وفي هذا الإطار، قال أمين العلوي، الباحث المتخصص في التراث اللامادي المغربي وعضو اللجنة الوطنية لتثمين الصناعات التقليدية، إن الزليج يُعد من أعرق الفنون الحرفية المغربية وأكثرها اكتمالًا من حيث التقنية والجمالية والدلالة الرمزية، مشددًا على أن محاولة الجزائر تسجيله لدى اليونسكو تتناقض مع الحقائق التاريخية والممارسات الفنية المعروفة عالميًا.

وشدّد الخبير في تصريحه لـ "الصحيفة"، على أن فن الزليج، بشكله الحالي الذي يتميز بالهندسة النجمية والزخرفة متعددة الألوان وتناسق القطع، نشأ في مدينة فاس خلال القرن العاشر الميلادي، وبلغ ذروته في عهد الدولة المرينية، التي طوّرت هذا الفن من خلال المدرسة المعمارية الفاسية التي جمعت بين الحس الجمالي والدقة الرياضية في التقطيع والتركيب.

وأضاف العلوي أن الزليج المغربي يتميز بتقنيات خاصة، مثل تقنية "القطع الفردي والتركيب اليدوي"، ومواد طبيعية كـطين الهرهورة، وألوان مأخوذة من أكاسيد المعادن مثل الكوبالت والنحاس والمنغنيز، مؤكداً أن هذه الخصوصيات لا تتوفر في أي ممارسة مشابهة خارج المغرب.

وأوضح الباحث، أن ظهور بعض أشكال الزليج في العمارة الجزائرية التاريخية لا يعني أنها نشأت هناك، بل يعكس النفوذ المعماري المغربي في فترات تمدد الدول المغربية نحو الشرق، وخاصة في عهد الموحدين والمرينيين، الذين شيدوا منشآت دينية وإدارية في مدن مثل تلمسان والجزائر وقسنطينة.

وتابع المتحدث: "المدارس المغربية التي أسسها المرينيون في تلمسان – مثل مدرسة أبي الحسن – اعتمدت بالكامل على تقنيات الزليج الفاسي ونقش الجبس المغربي، كما أن العديد من الحرفيين الذين استُقدموا لبناء قصور ومساجد في الجزائر، خاصة خلال العصر العثماني، كانوا من فاس وسلا وتطوان، وهو ما يفسر وجود بعض لمسات الزليج في بعض المعالم دون أن تكون ممارسة محلية مستقلة."

وأشار العلوي إلى أن المغرب يمتلك اليوم أرشيفًا عمرانيًا متكاملاً يثبت الامتداد الزمني لفن الزليج من القرن 10 إلى اليوم، كما أن الحرفيين المغاربة ما زالوا ينقلون مهاراتهم عبر الأجيال في ورشات تقليدية معترف بها، مثل ورش دار الصنائع التقليدية بفاس وصفرو.

وختم الدكتور العلوي تصريحه بالتأكيد على أن المغرب لم يهمل هذا الفن، ولم يتركه دون حماية، حيث تم سنة 2016 تسجيل الزليج المغربي لدى المنظمة العالمية للملكية الفكرية (WIPO)، كما أن الوزارة بصدد إعداد ملف فني وتقني مفصل لتقديمه إلى اليونسكو في إطار تسجيله ضمن قائمة التراث اللامادي.

ويبقى الزليج أكثر من مجرد بلاط مزخرف، فهو لغة بصرية، وذاكرة هندسية، وامتداد لهوية فنية مغربية صنعت مجدها من الحرف والصمت والجمال، والمغرب، الذي دافع عن "الكسكس"، و"الطرب الأندلسي"، و"الصناعة التقليدية الفاسية" و"القفطان المغربي" في المحافل الدولية، لن يقبل بمصادرة رموزه من قبل روايات غير دقيقة، حتى وإن تغلفت برداء التراث المشترك، وبالتالي فإن الرباط تتابع الملف بهدوء، لكنها تستعد للدفاع، لا فقط عن "فن"، بل عن وجدان أمة بُنيت جدرانها، ومساجدها، وقصورها، من الزليج المغربي الأصيل.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

مَعاركنا الوهمية

من يُلقي نظرة على ما يُنتجه المغاربة من محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنه أن يخلص إلى قناعة ترتقي إلى مستوى الإيمان، بأن جزءًا كبير من هذا الشعب غارق في ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...