الحملة الانتخابية المبكرة تُشعل حرب الخطابات بين الأحزاب.. والغلاء وفلسطين والمونديال أبرزُ الأوراق الملعُوبة

 الحملة الانتخابية المبكرة تُشعل حرب الخطابات بين الأحزاب.. والغلاء وفلسطين والمونديال أبرزُ الأوراق الملعُوبة
الصحيفة - إسماعيل بويعقوبي
الجمعة 4 يوليوز 2025 - 19:14

بينما ما تزال تفصل المغربَ أكثر من سنةٍ عن موعد الانتخابات التشريعية المقررة في 2026، بدأت ملامح حملة انتخابية مبكرة تتشكل على الأرض عبر الخطاب السياسي، من خلال تصريحات وخرجات ميدانية لعدد من قادة الأحزاب الرئيسية، وعلى رأسها التجمع الوطني للأحرار، والأصالة والمعاصرة، والاستقلال، إلى جانب حزب العدالة والتنمية وأحزاب سياسية أخرى .

ورغم أن موعد الخملة الانتخابية لا يزال بعيدا من حيث المدة الزمنية، إلا أن الخطاب الحزبي بدأ يستثمر في عدد من الملفات البارزة، بعضها يحمل طابعا اجتماعيا، مثل الدعم الاجتماعي المباشر، وارتفاع الأسعار، وملف المحروقات، وبعضها الآخر ذو حمولة رمزية ووطنية وعاطفية، مثل تنظيم المغرب لكأس العالم 2030، والقضية الفلسطينية، والحرب الإيرانية – الإسرائيلية.

أخنوش يرغب في "ولاية ثانية"

في سياق حركية سياسية متصاعدة، يواصل حزب التجمع الوطني للأحرار تسويق حصيلة عمل الحكومة التي يترأسها، من خلال خطاب يتقاطع فيه الاجتماعي والاقتصادي والرياضي، ويستحضر ملفات كبرى من بينها الدعم الاجتماعي المباشر، ومحاربة الغلاء، وتنظيم كأس العالم 2030، وذلك في وقت بدأت تظهر فيه مؤشرات واضحة على تموقعٍ انتخابي مبكر استعدادا للاستحقاقات التشريعية المنتظرة صيف 2026.

ويسوق قادة الحزب، وفي مقدمتهم رئيسه عزيز أخنوش، في خرجات إعلامية وتجمعات خطابية متكررة، أن "الحصيلة الحكومية مُشرفة"، متحدثين عن ما تحقق في مجالات دعم الأسر، والحماية الاجتماعية، وكبح التضخم، إلى جانب "المساهمة في إنجاح الأوراش الوطنية الكبرى"، في إشارة إلى مشاريع البنية التحتية ذات الصلة بتنظيم المونديال.

ومن أبرز النقاط التي يركز عليها خطاب حزب "الأحرار"، برنامج الدعم الاجتماعي المباشر، الذي انطلق أواخر 2023 ويغطي ما يقارب 3,9 مليون أسرة مغربية، عبر تحويلات مالية شهرية تتراوح بين 500 و1000 درهم، بالإضافة إلى دعم موسمي لفائدة الأطفال في سن التمدرس.

ورغم أن البرنامج يأتي تنفيذا لتوجيهات ملكية واضحة، وردت في خطاب افتتاح الدورة التشريعية لسنة 2023، فإن الحزب يقدّمه في خرجاته السياسية على أنه "ثمرة من ثمار الشجاعة الإصلاحية للحكومة الحالية"، وفق تعبير عزيز أخنوش، خلال محطة أكادير من جولة "مسار الإنجازات".

وفي خطاب موازٍ، يسلط مسؤولو الحزب الضوء على ما يعتبرونه "نجاحا في السيطرة على الأسعار"، حيث قال أخنوش إن معدل التضخم سيتراجع من 6 في المائة في المائة سنة 2022 إلى أقل من 1 في المائة منتصف 2025، معتبرا أن حكومته تعاملت مع الظرفية الدولية بحكمة واستباقية، مضيفا أن هذه النتائج لم تكن لتتحقق لولا "الاستقرار السياسي والانسجام الحكومي".

هذا الخطاب يتكرر في تجمعات الحزب، خصوصا تلك التي تُنظَّم تحت شعار "الإنصات والإنجاز"، في حين أن انخفاض نسب التضخم ارتبط أساسا بالانخفاض العام لسلاسل التوريد على المستوى العالمي إلى جانب الإجراءات التي اتخذها بنك المغرب والمتمثلة في رفع النسب المرجعية لسعر الفائدة، وفق ما أكدته تقارير رسمية.

اللافت كذلك  في الخطاب السياسي الأخير، هو دخول ملف تنظيم كأس العالم 2030 إلى الحقل الحزبي، بعد أن تحدث لحسن السعدي، عضو المكتب السياسي للتجمع الوطني للأحرار، وكاتب الدولة المكلف بالاقتصاد الاجتماعي، في برنامج حواري على القناة الأولى المغربية شهر فبراير من السنة الجارية، عن جاهزية الحزب لقيادة ما أسماها "حكومة المونديال"، مؤكدا أن "التجمع" سيتوجه إلى المواطنين "برأس مرفوعة"، اعتمادا على مُنجزه الحكومي.

وتأتي هذه التصريحات رغم أن ملف المونديال وُضع منذ البداية تحت إشراف مباشر من الملك محمد السادس، وتم التعامل معه كأولوية دبلوماسية واستراتيجية وطنية، ما يجعل استحضاره ضمن خطاب حزبي انتخابي مثار تحفظ، خاصة وأن هذا الورش لم يكن من صميم البرنامج الحكومي، ولا موضوع تنافس حزبي.

ابن كيران.. وملف "التطبيع"

في مشهد الحملة الانتخابية المبكرة، لا يقتصر التحرك على الحزب الذي يقود الحكومة، بل يمتد إلى باقي مكونات المشهد السياسي، سواء تلك المنضوية ضمن الأغلبية الحكومية أو الخارجة عنها.

وتبرز في هذا السياق ثلاثة أحزاب رئيسية بخطاب سياسي متفاوت، ويتعلق الأمر بالعدالة والتنمية من موقع المعارضة، والاستقلال والأصالة والمعاصرة من داخل التحالف الحكومي، لكن بخطاب يحمل في طياته نبرة سباق انتخابي، وتمايزات بدأت تخرج إلى العلن.

بالنسبة لحزب العدالة والتنمية، الذي لا يزال يحاول أن يسترجع توازنه بعد الهزيمة الانتخابية القاسية في استخقاقات 2021، اختار أن يرفع من منسوب حضوره الإعلامي والسياسي عبر استثمار ملفين، أولهما تحرير أسعار المحروقات، الذي يتشبث أمينه العام عبد الإله بن كيران بأنه إنجاز إصلاحي صعب ولكنه ضروري,

فقد تطرق ابن كيران في عدة مناسبات، منها تجمع خطابي حزبي مؤخرا، حيث قال "أنا الذي حررت أسعار المحروقات... وأتحمل مسؤوليتي في ذلك، لأننا كنا سنسقط في أزمة مالية خانقة"، معتبرا أن الفرق بين تلك المرحلة والوضع الحالي، هو أن "التحرير في زمننا كان تحت المراقبة الأخلاقية، وليس كما هو الآن حيث الربح الفاحش بدون ضوابط".

الملف الثاني الذي يستثمر فيه الحزب بوضوح هو القضية الفلسطينية، حيث ما فتئت قياداته، تشير إلى أن الحزب مُتمسك بـ"المرجعية المبدئية في مناصرة قضايا الشعوب"، ويقدم نفسه كـ"صوت معارض للتطبيع"، خاصة مع تصاعد العدوان الإسرائيلي على غزة والحرب المفتوحة بين إسرائيل وإيران، والتي تُستحضر كخلفية رمزية في خطاب الحزب، لإبراز تمايزه عن الأغلبية.

فترة ما بعد السابع من أكتوبر 2023، تبدو وكأنها كانت الظرفية المناسبة للحزب من أجل إنزال "عبء" توقيع الاتفاق الثلاثي المغربي الأمريكي الإسرائيلي، في دجنبر 2020، من طرف رئيس الحكومة وأمينه العام وقتها، سعد الدين العثماني، لذلك فإن لسان ابن كيران يكون حادا في مهاجمة من يصفهم بـ"كلنا إسرائيليون"، في إشارة إلى داعمي استمرار التطبيع، لدرجة وصفهم بعبارات قدحية غير معتادة في قاموس الخطاب السياسي المغربي.

الأغلبية "تأكل" بعضها

أما حزب الاستقلال، فرغم كونه جزءا من التحالف الحكومي، إلا أن نزار بركة، الأمين العام ووزير التجهيز والماء، عبّر في عدد من المناسبات عن تمايز واضح في بعض القضايا الاجتماعية، بما في ذلك موقفه الحاد من سياسة دعم مستوردي المواشي.

ففي خروج إعلامي قبل أشهر أثار جدلا داخل الأغلبية، قال بركة "الحكومة أنفقت أزيد من 13 مليار سنتيم على دعم استيراد المواشي، لكن الأسعار لم تنخفض... وهذا مؤشر على أن الدعم لم يحقق أهدافه"، مضيفًا أن حزبه "طالب منذ البداية بضمان استفادة المواطنين من آثار هذا الدعم وليس المضاربين"، وهذا التصريح، كشف في إبانه عن "شرخ" حقيقي داخل الأغلبية، في لحظة حرجة تسعى فيها الحكومة لإقناع الرأي العام بحصيلة متماسكة ومنسجمة .

حزب الأصالة والمعاصرة، من جهته، يحاول أن يمسك العصا من الوسط، ففي حين يشارك بوزراء يتولون حقائب وازنة في الحكومة، يحرص على الظهور بخطاب "مُستقل" عن الأغلبية، خصوصا في سياق ترميم صورته التي تأثرت بقضايا جنائية ذات طابع فضائحي، خصوصا ملف "إسكوبار الصحراء"، الذي يحام فيه رئيس جهة الشرق السابق عبد النبي بعيوي، ورئيس مجلس عمالة الدار البيضاء السابق، سعيد الناصري.

وتحاول القيادة المشتركة، الدخول على خط المعركة الانتخابية مبكرا، حيث قالت فاطمة الزهراء المنصوري في يناير من سنة 2025 أمام منتخبي جهة الرباط سلا القنيطرة "أنتم سفراء مشروع سياسي طموح، والأجواء الانتخابية بدأت تعبيراتها وملامحها تظهر، وهدفنا تصدر الانتخابات المقبلة"، ثم وضعت سقفا واضحا لطموح الحزب قائلة "نطمح لقيادة حكومة المونديال، ونعتبر هذه الفرصة الكبرى لتنزيل مشروعنا المجتمعي والسياسي".

هذا الخطاب، الصادر قبل أكثر من سنة على موعد الاقتراع، يؤكد أن حزب البام بدأ بدوره حملته الانتخابية عمليا، مع تركيز على إعادة بناء التنظيم وتوسيع القاعدة الانتخابية، كما وجه "البام" في مناسبات عديدة سهام نقده نحو أداء رئيس الحكومة، ضمنها في بيانات تلت اجتماعات مكتبه السياسي، على غرار بلاغ 12 مارس 2025، الذي دعا إلى "تفعيل إجراءات اقتصادية واجتماعية حماية للقدرة الشرائية للمواطنين".

"بغيتلك الحبس"!

في 30 مارس 2015، شارك مصطفى الرميد، في لقاء بالرباط نظمه مركز "مالكوم كير كارنيغي للشرق الأوسط"، حول إصلاح منظومة العدالة في العالم العربي، والذي استحضر تجارب المغرب وتونس ومصر ...