الخطوط الملكية المغربية.. "صُحُون طائرة" تعاني من فشل مالي، وسوء تدبير بعد أن جعلها مُديرها "حَقل تجارب" وامتيازات
ما الذي يمنع شركة طيران في عمرها التجاري 64 سنة لا تستطع أن تحقق النجاح وتتطور وفق نمو سوق الطيران العالمي؟. وما الذي يجعل شركة طيران إقليمية أسست منذ سنة 1957 تبدو عاجزة عن تحمل تكاليف تشغيلها حتى أصبحت عالة على ميزانية الدولة وتحتاج في كل مرة ضَخ مَلايين الدولار في خزينتها؟ ثم ما هي المعيقات التي يمكنها أن تحيل من تطور شركة طيران بقيت تُحلق وحيدة في سماء المملكة لسنوات طوال، ومع ذلك لا يتجاوز أسطول الشركة الـ 57 طائرة برقم معاملات سنوي لا يتجاوز 1.6 مليار دولار، وأرباح لا تتجاوز 10 ملايين دولار في أحسن الأحوال؟!
ثم ما هو النموذج الاقتصادي لشركة طيران تعتبر تذاكرها الأغلى في العالم، ومع ذلك، غير قادرة على إرضاء زبائنها ويعتبرها البعض من بين أكثر شركات الطيران في العالم سوءًا في جودة خدماتها؟
مع كومة الأسئلة المزعجة هذه يبدو الجواب بسيطا. الأمر كله يتعلق بالعنصر البشري! نعم، العنصر البشري وهو أكثر ما تعاني منه فعليا شركة الخطوط الملكية المغربية التي تأسست قبل 64 سنة، ومع ذلك، مازالت صورتها مرتبطة بسوء الخدمات على الأرض وفي السماء، وقلة جودة ما يُقدمُ للمسافر الذي يَجد طائرات "لارام" عبارة عن صحون طائرة في رحلات مملة يَتمنى أن تنتهي بسرعة!
منذ محمد حصاد الذي ترأس الشركة ما بين 1995 إلى 2001 إلى محمد برادة التي قاد الشركة ما بين 2001 و2006 مرورا بإدريس بنهيمة الذي بقي على رأس الشركة ما بين 2006 إلى 2016 وانتهاء بعبد الحميد عدو الذي ترأس الشركة منذ 2016 إلى اليوم، ظلت الخطوط الملكية المغربية مثل مُختبر تجارب لِكل مدير يترأسها، وهو ما كان يَزيد من سوء خدمات الشركة وتراجعها، وتفاقم مشاكلها المالية سنة تلوى الأخرى، مع استنزاف رهيب لسمعتها وعجر في مواكبة تطور شركات الطيران الإقليمية المنافسة لها.
تدهور في مالية الشركة وفي سمعتها
منذ توالي عبد الحميد عدو إدارة الشركة سنة 2016 لم يتغير حال الخطوط الملكية المغربية إلى الأفضل. بقيت "لارام" تعاني من المشاكل في تسييرها، وتراكمت عُيوب تدبير أخرى على الشركة التي تملك الدولة أغلب أسهمها.
ومنذ تقلده المسؤولية، وجد عبد الحميد عدو نفسه أمام ثلاثة مشاكل مُعقدة داخل الخطوط الملكية المغربية، وهي المعيقات التي قال مصدر من داخل "لارام" إنها تشبه "صخرة سيزيف" التي يصعب معها الصعود بالشركة إلى القمة في ظل منافسة صعبة مع شركات طيران إقليمية تتطور وترسم معالم مستقبلها بسرعة.
أول هذه المشاكل، يضيف مَصدر موقع "الصحيفة" كان العنصر البشري الغير مُؤهل سواء في التسويق أو تدبير الخدمات الأرضية للشركة، أو حتى على متن الطائرات خصوصا في جودة الخدمات ورسم صورة جيدة عن الشركة.
وهذا ما جعل الخطوط الملكية المغربية تحتل رتبة متأخرة في قائمة أفضل شركات الطيران العالمية لسنة 2019، حيث احتلت الرتبة 93 من أصل 100 شركة شملها التصنيف، وغابت بذلك "لارام" عن تصنيفات نظافة الطائرات، وأفضل درجة اقتصادية، وكذا أفضل درجات أعمال، وأفضل طاقم طائرات.
المشكل الثاني كانت الفوضى السائدة داخل الخطوط الملكية المغربية مع وجود آلاف الموظفين الفائضين بدون مهمات محددة. ثم المشكل الثالث، كان تقادم الطائرات التي يصل عمرها المتوسط إلى 15 سنة، وعدم جدواها الاقتصادية إن أرادت الشركة أن تراهن على الرحلات المتوسطة والطويلة المربحة عوض التنافس في المسافات القصيرة مع شركات النقل الجوي منخفض الكلفة (الشارتر)، خصوصا بعد أن وَقّع المغرب على اتفاقية السماء المفتوحة.
كل هذه المشاكل وأخرى وجدها عبد الحميد عدو أمامه، لكنه فضل التعامل معها بالكثير من "الجُبن". هكذا علق مصدر من داخل الشركة الذي أكد أن المدير العام لـ"لارام" لم يَستطع الاقتراب من ملفات كثيرة ظلت عالقة وتستنزف ملايين الدولار من ميزانية الشركة سنويا. من أجور "أسطورية" لأسماء وضعت في مناصب كبيرة داخل الشركة إلى امتيازات "رهيبة" يحصل عليها من لا يستحقها.
ويضيف نفس المصدر في حديثه لموقع "الصحيفة" التأكيد على أنه فُرض على "لارام" التعاقد مع الكثير من شركات المناولة وفق لعبة نفوذ غالبا ما تسري داخل الشركات التابعة للدولة، حيث ظل المدير العام الجديد عبد الحميد عدو يتلقى الأوامر في هذا الباب من خارج الشركة دون أن يُعارض القرارات التي "تَحلب" ميزانية الخطوط الملكية المغربية بدون رحمة.
ويؤكد مصدر الموقع أن الكثير من الامتيازات تعطى لممثلي الشركة في مكاتبها المنتشرة في مختلف عَواصم ومُدن العالم، حيث تصل تعويضات بعضهم إلى 250 ألف دولار سنويا تدفع بالعملة الصعبة، مع فتح مكاتب في بعض العواصم بدون جدوى اقتصادية، فقط، لإرضاء بعض المحظوظين ممن لهم نفوذ في مكان ما في الدولة!
وفي ظل "التسيير الجبان" لعبد الحميد عدو كما لسابقيه، كانت أرباح الخطوط الملكية المغربية، تسير ببطء السلحفاة في ظل منافسة لا ترحم مع الشركات الإفريقية، كما هو الحال مع الخطوط الإثيوبية التي حققت أرباحا فاقت 233 مليون دولار سنة 2018 في حين حققت الخطوط الملكية المغربية 10 ملايين دولار في نفس السنة بنقلها لـ 7.5 ملايين مسافر، في حين نقلت الخطوط الإثيوبية ما يزيد عن 12 مليون مسافر.
كما أن الخطوط الإثيوبية تملك ما يزيد عن 120 طائرة تُسَيّر من خلالها 123 وجهة دولية، في حين تملك الخطوط الملكية المغربية 57 طائرة بعد أن باعت ست طائرات بفعل الأزمة الأخيرة لتداعيات فيروس "كورونا"، وتسير من خلالها 80 وجهة عالمية، وهو ما يظهر الفرق بين شركتين لهما نفس الوضع الإقليمية مع امتياز كبير للخطوط الملكية المغربية التي "تطير مُنفردة" في غرب إفريقيا دون منافسة قوية من الشركات الإقليمية أو الدولية، ورغم ذلك تجد صعوبة بالغة في تحقيق أرباح مهمة أو كسب زبائن جدد أو تطوير خدماتها وأسطولها، في حين أن الخطوط الإثيوبية تطورت في ظل منافسة رهيبة من الشركات الشرق أوسطية التي تسير رحلات لجنوب القارة الإفريقية ووسطها مثل الخطوط الإماراتية، والقطرية، والتركية.
خطط عدو "الفاشلة" الذي أنهكت ميزانية "لارام"
في نفس السنة، التي تقلد فيها عبد الحميد عدو الإدارة العامة للخطوط الملكية المغربية، أدخل الشركة لِحقل تجاربه الخاص بدون دراسة جدوى. وعليه، قام المدير العام الجديد بفتح خط مباشر بين الدار البيضاء ونيروبي الكينية، مستعينا، حينها بطائرة من طراز بوينغ 767.
وبعد سنة من "التجارب"، تبين الفشل الذريع لهذا الخط تجاريا، ليتم توقيفه، وإزالة الرحلات المباشرة بين الدار البيضاء ونيروبي وتعويضها بخط غير مباشر يمر عبر مطار أنجامينا، عاصمة التشاد، بطائرات أصغر من طراز بوينغ 737 بسبب قلة الركاب، وهو نفس الأمر الذي حصل مع العديد من الوجهات الدولية التي فتحها عبد الحميد عدو قبل إزالتها من برنامج خطوط الطيران المباشرة للخطوط الملكية المغربية، مثل ما هو الحال مع خط الدار البيضاء عمان الأردنية، في حين تعرف العديد من الخطوط فشلا ذريعا من الناحية التجارية كما هو الحال مع الخط المباشرة بين الدار البيضاء وميامي وبوسطن الأمريكيتين، وكذا خط الدار البيضاء وريو دي جانيرو وساو باولو بالبرازيل.
كل هذه القرار جعلت الشركة تُنهك بالكثير من الأعباء المالية الغير الضرورية في تسييرها، وعرفت خسائرا بملايين الدولارات سنويا في خطط التجريب هذه بدون جدوى اقتصادية للعديد من الخطوط التي أصر المدير العام لـ"لارام" على فتحها، وهو ما جعل الشركة تدخل في ضائقة مالية زادت من حدتها الاضرابات التي خاضها ربابنة الطائرات منذ سنة 2017، وهو ما خلق الكثير من التشنج داخل "لارام" أنهاه عبد الحميد عدو بتخصيص 40 مليون أورو لطرد 95 ربان طائرة والعشرات من المستخدمين من المضيفين وغيرهم حصلوا على تعويضات "خيالية"، مستغلا تداعيات جائحة "كورونا" لإنهاء تعاقدهم مع الشركة تحت بند "التسريح الاقتصادي".
سمعة سيئة وخدمات رديئة
يَقِل من يمكنه أن يثني على خدمات الخطوط الملكية المغربية. فالشركة التي تسوق نفسها على أنها "أجنحة المغرب" نحو العالم، هي أسوأ صورة يمكن تقديمها على المملكة المغربية. هذا ببساطة ما يمكن للباحث عن سُمعة "لارام" أن يَستخلصه من كل راكب اضطر للجوء إلى خدمات الشركة سواء تعلق الأمر بحجز تذاكر الرحلات، أو لتعديل تواريخ الحجز أو الحصول على معلومات تخص تفاصيل ضياع الأمتعة أو تأخرها عن الوصول في نفس الرحلة، هذا بالإضافة إلى مشاكل إلغاء الرحلات بدون معلومات وافية للركاب أو تأجيلها دون التكفل بالركاب في العديد من الحالات في خرق للقوانين المنظمة لمثل هذه الحالات.
وباتت قلة كفاءة مستخدمي الشركة في التواصل على وجه الخصوص، مكلفة جدا للخطوط الملكية المغربية، وهو ما تبين فعليا وأصبح حديث العديد من وسائل الإعلام الدولية كما هو الحال حينما قضت المحكمة الأوروبية سنة 2018 ببطلان الرفض الذي أبدته "لارام" لتعويض مُسافرة ألمانية كانت استقلت طائرة تابعة للشركة المغربية في رحلة تربط ما بين برلين وأكادير، قبل أن تجد المسافرة أن مقعدها قد تم تفويته لشخص آخر وهو ما جعلها تنتظر أكثر من أربع ساعات لتستقل رحلة أخرى نحو وجهتها، ودفعها، بعد ذلك، لرفع دعوى قضائية على الخطوط المغربية لدى المحكمة الأوروبية التي حكمت لصالحها بتعويض عن الأضرار التي لحقت بها.
وإن كانت الشركة تصدر الكثير من البلاغات لتنفي فيها العديد من المشاكل التي تواجه خدماتها، إلا أن المسؤولين عن "لارام" وجدوا أنفسهم سنة 2019 في وضع"مُحرج جدا" وذلك في غمرة انتشاء المغرب بنجاح زيارة الأمير هاري حفيد الملك إليزابيث وعقيلته الأميرة ميغان، والإشعاع الكبير الذي أعطته للفضاءات التاريخية والطبيعية للبلد، ولتراثه ومطبخه.
حينها، نسف مصورو العائلة المالكة البريطانية جزءا من هذه الصورة بعد إعلانهم عن ضياع حقائبهم على متن رحلة "لارام". وللمفارقة، فإن المصورين مارك وآرثر وروكي، الذين كانوا سببا مباشرة في الترويج للمغرب، وضعوا الأصبع على واحدة من أكثر معيقات النمو السياحي في هذا البلد، بعدما نشروا على حساباتهم في مواقع التواصل الاجتماعي قصة ضياع حقائبهم، محملين المسؤولية للخطوط الملكية المغربية، التي قالوا إنها لم تكلف نفسها عناء إيجاد حل لهم.
لكن مصوري العائلة الملكية ليسوا البريطانيين الوحيدين الذين أعلنوا عن غضبهم من "لارام"، فسفير لندن - السابق - بالرباط، توماس رايلي، بدا مصرا أكثر على إخراج فضائح الشركة للعلن عبر حسابه في "تويتر"، يشكو من خلاله عن معاناته مع "لارام".
وتمحورت انتقادات السفير البريطاني حول تدني خدمات الشركة، حيث كتب بتاريخ 23 يونيو 2019 على صفحته الشخصية: "هل أنا فقط من يحس بذلك، أم أن الشركة قلصت المساحة المخصصة للأرجل بين المقاعد"، واصفا الرحلات بأنها غير مريحة. ثم في 27 يونيو من نفس الشهر غرّد قائلا: "تأخرت رحلة الخطوط الملكية المغربية ساعة عن موعد إقلاعها من لندن"، وتابع "وصلنا قبل ساعة لمطار الدار البيضاء، وما زلنا لم نحصل على أمتعتنا، يجب أن لا نستغرب إذا غضب الناس".
يأتي ذلك في الوقت الذي نشرت مواطنة أمريكية حلت بالمغرب في نفس السنة (2019) عبر حسابها الشخصي على الفيسبوك رسالة توصلت بها من أحد موظفي الشركة بعدما استغل معطياتها الشخصية التي من المفروض أنه من الممنوع استعمالها لأغراض غير مهنية.

ونشرت الشابة الأمريكية التي تدعى "ماريا غرادستون" نص الرسالة التي توصلت بها عبر "الوتساب" من المعني بالأمر، والذي يقول فيها إنه في العادة يمنع على الموظفين استخدام المعطيات الشخصية للمسافرين، لكنه عندما رآها خلال وصولها إلى مطار الدار البيضاء، قرر "المغامرة" وأخذ رقمها من قائمة بياناتها ليبعث لها برسالة.
واستغربت المواطنة الأمريكية، التي كانت قد حلت بمطار محمد الخامس الدولي يوم 2 دجنبر 2019، من السلوك الذي أقدم عليه موظف "لارام"، موردة أن المعني بالأمر استطاع الوصول إلى رقمها بالولوج إلى نظام المعطيات الخاص بالمسافرين، متسائلة عما إذا كان قد حصل على عنوانها أيضا، قبل أن تضيف بعبارة ساخرة "أحس أنني في أمان كبير بسبب هذا الموضوع"!
رداءة خدمات الخطوط الملكية المغربية، لا تقتصر على ضياع الحقائب أو تأخير في الرحلات وسوء التواصل، بل يتفاقم الأمر إلى عدم الاهتمام بالطائرات، حيث قلة النظافة، والروائح الغير المناسبة داخل المقصورات، وتخلف خدمات الترفيه المُقدمة في الرحلات الطويلة من أفلام وموسيقى وبرامج يعود أغلبها إلى زمن ما قبل "اكتشاف البخار"!
تعامل المضيفين والمضيفات على متن رحلات "لارام" يعتبر قصة أخرى، حيث نقص التكوين في التعامل مع زبائن الشركة، واللغة الجافة المستخدمة اتجاه الركاب والمظاهر غير مناسبة للمهنة، على خلاف أغلب شركات الطيران التي تحترم نفسها وركابها، وتعتني بمظهر المضيفين وحسن معاملتهم وخدمتهم للراكب في أرقى المستويات، حيث توازي الخدمة على الأقل القيمة المدفوعة للتذكرة التي تعتبر عند شركة الخطوط الملكية المغربية من بين الأغلى في العالم!
لماذا ترفض الخطوط الملكية المغربية تنويع طائراتها من "إيرباص" الأوروبية؟
تعتمد "لارام" بشكل شبه كامل في طائراتها على شركة "بوينغ" الأمريكية في أسطولها المكون من 57 طائرة بما فيهم أربع من نوع Embraer 190 غالبيتها مخصصة للرحلات الداخلية، إضافة لست طائرات من نوع ATR72-600، دون وجود أي طائرة من الشركة الأوربية المنافسة "إيرباص" التي تتميز بطائرات تعتبر الأقل كلفة وتعرضا للحوادث والمشاكل التقنية خلال العقدين الماضيين.
ومع ذلك، تفضل "لارام" تزويد أسطولها بشكل حصري من شركة "بوينغ" الأمريكية، حيث أكد مصدر من داخل الشركة لموقع "الصحيفة" أن الأمر يعود لقرار سياسي من أعلى سلطة في البلاد، اتخذ في تسعينيات القرن الماضي، حيث جاء "أمر واضح" لأسباب مجهولة بجعل كل أسطول الخطوط الملكية المغربية من طائرات الشركة الأميركية "بوينغ"، دون أن تعرف إلى اليوم جدوى هذا القرار اقتصاديا ولا تبعاته المالية.
ويضيف مصدر موقع "الصحيفة" أن هذا القرار جعل "لارام" تدعم أسطولها بطائرات "بوينغ" بشكل خاص، وتتخلى عن آخر طائرة من نوع "إيرباص 321" ضمن أسطولها سنة 2011 بقرار من المدير العام السابق إدريس بنهيمة، وتم تبرير ذلك بـ"تخفيض تكاليف الصيانة"، حيث تكوين مهندسين للصيانة لأكثر من نوع للطائرات "أصبح مُكلفا" للشركة، حسب مصدر "الصحيفة".
وأضافت نفس المصادر أن تكلفة تكوين الطياريين على العديد من أنواع الطائرات أصبح أيضا يرهق الشركة ماديا، لذا، استمرت سياسة الشركة في اعتماد "بوينغ" دون غيرها في تعزيز أسطول "لارام" مع إدخال طائرات "أمبراير" الكندية تدريجيا خصوصا في الرحلات الداخلية.
وعلى الرغم من كل هذه التبريرات "الكسولة"، فإن حوادث "بوينغ" وتأثيرها على مستقبل "لارام"، يلزم الشركة بإعادة ترسيم استراتيجيتها، في تنويع أسطولها، كما هو جارٍ مع شركات قريبة من الخطوط الملكية المغربية، مثل "مصر للطيران" أو "الأثيوبية"، كما أن أكبر الشركات العالمية بدأت في الاعتماد أكثر على طائرات حديثة للمسافة المتوسطة والطويلة والأكثر اقتصادا في تكلفة التشغيل مثل طائرات إيرباص A350-9000 وA350-1000 التي تعتبر مستقبل الطيران خصوصا بعد تداعيات جائحة كورونا التي فرضت قواعد جديدة لشركات الطيران العالمية من خلال البحث عن الجدوى الاقتصادية في نوع الطائرات المستخدمة للمستقبل.
"لارام" تشتكي من غلاء "كيروزين أخنوش"
في الوقت الذي اشتكى عبد الحميد عدو من كلفة وقود الطائرات (الكيروزين) وأكد أمام البرلمانيين أنّ وقود طائرات الشركة يُشكل 30 في المائة من كلفة التشغيل في "لارام"، ظهرت على السطح القيمة المالية التي تبيع بها شركة "إفريقيا" المملوكة للملياردير ورئيس الحكومة الحالي، عزيز أخنوش "الكِيروزين" لشركة الخطوط الملكية المغربية.
وتعتبر شركة "إفريقيا" محتكرة بشكل شبه كلي لسوق بيع وقود الطائرات وتخزينه في المغرب، الأمر الذي ينعكس على رقم مُعاملات "لارام" وعلى تذاكر الرحلات بما أنه يشكل 30 من الكلفة التشغيلية للطائرات، وهو ما سبق أن اشتكى منه أيضا المدير السابق، إدريس بنهيمة، حينما انتقد بيع شركة "إفريقيا" لـ"الكيروزين" بأثمنة مرتفعة للخطوط الملكية المغربية، حيث ينعكس على قيمة بيع التذاكر، وهو التصريح الذي تراجع عنه فيما بعد، غير أنه كان سببا من بين أسباب أخرى في إقالته من منصبه سنة 2016 وتعيين عبد الحميد عدو مكانه.
وفي ظل انحصار المنافسة، تصبح الشركات التي تبيع وقود الطائرات في المغرب متحكمة في سوق "الكيروزين" وتبيع بالأسعار التي تلائمها والتي تنعكس مباشرة على بيع التذاكر وهامش الربح والمناورة المالية لدى "لارام".
هل الخوصصة هي الحل؟
في ظل تراكم كل هذه المشاكل البنوية في تدبير شركة من حجم الخطوط الملكية المغربية، التي تعتبر الناقل الوطني، والرافع للسياحة، ولصورة البلاد في الخارج، يصبح من الضروري البحث عن حلول عملية كما فعلت العديد من الدول لتقليص خسائر "لارام" التي فاقت 5 ملايين دولار في اليوم، عندما توقفت الشركة عن الطيران بفعل جائحة "كورونا"، وهو ما جعلها تبيع طائراتها وتتخلى عن أجود ربابنتها كي تستطيع "التحليق" من جديد.
في هذا السياق، أكد مصدر من داخل الخطوط الملكية المغربية لموقع الصحيفة أن على "لارام" إيجاد حل واقعي إن أرادت أن "تحافظ على وجهاتها الإفريقية، وتطور أسطولها، ومواجهة خسائرها القاتلة بسبب تداعيات كورونا".
وكان عبد الحميد عدو المدير العام للخطوط الملكية المغربية، أكد في وقت سابق أن تداعيات فيروس كورونا كبّدت "لارام" 50 في المائة من رقم معاملاتها بعد انخفاض نشاطها بنسبة 60٪ شهر مارس و100٪ في أبريل من السنة الماضية (2020)، مشيرا إلى أن الشركة تمر بـ "أسوإ أزمة" في تاريخها.
من جهته، أكد مصدر حكومي لموقع "الصحيفة" أن الدعم الحكومي الذي تنتظره "لارام" ويطالب به المدير العام عبد الحميد عدو لن يكون كافيا لإنقاذ الشركة ولا لتطويرها، مشيرا في تصريح حصري لـ"الصحيفة" أن الحل المنطقي والعملي هو فتح رأس مال "الخطوط الملكية المغربية" للاستثمار أكان وطنيا أو أجنبيا.
ومعلوم أن الخطوط الملكية المغربية يعود رأسمالها بنسبة 54٪ من قبل الدولة المغربية و44٪ تعود لصندوق الحسن الثاني للتنمية الاقتصادية والاجتماعية، ونسب مختلفة لشركات أخرى مثل رويال القابضة SNI، والخطوط الجوية الفرنسية، فيما تملك الخطوط الاسبانية "ايبيريا" حصة 2 ٪ المتبقية.
وأضاف نفس المصدر، أنه في المجمل فـ"لارام" شركة مملوكة للدولة بشكل مباشر أو بشكل غير مباشر من خلال شركات تابعة للدولة، وهو ما يعني أن فتح رأسمال "لارام" يحتاج لقرار سياسي من أعلى سلطة في البلد.
في هذا السياق، علق مصدر من داخل "لارام" على فكرة فتح رأسمال شركة "لارام" لإنقاذها، وكذا تطوير الشركة لتوسيع خطوطها ودعم أسطولة بالقول: "نتمنى ذلك".
وفي انتظار تحول الشركة من علامة "سيئة السمعة" في الداخل والخارج إلى علامة تنعكس إيجابا في تسويق المملكة كما تفعل شركات طيران عالمية، مثل "الإماراتية"، و"التركية"، و"الإثيوبية"، "ولوفتهانزا" الألمانية. يبقى السؤال المطروح هو: متى تتم إعادة هيكلة الخطوط الملكية المغربية والحد من نزيفها لأموال الدولة ؟ ومتى يتم وغلق "صنبور" الامتيازات التي يتحصل عليها بعض أطرها بدون وجه حق؟ وقبل ذلك، متى يتم تطوير العقليات التي مازالت تفكر "داخل الصندوق" في تسييرها لشركة طيران تُدار بأموال الدولة؟!
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :