الرشيدية.. المدينة التي تشرق الشمس في سمائها على مدار السنة
يخشى بعض الزوار من مفاجآت الطقس التي تحدث أحيانا في المناطق التي يزورونها، والتي قد تحول بعض العطل إلى ذكرى سيئة.
إقليم الرشيدية يعدك بألا يحدث هذا، فهو المكان الذي تشرق الشمس في سمائه على مدار السنة، ويغمر الدفء شوارعه وواحاته وكثبانه.
تاريخياً، يعود تأسيس المدينة إلى سنة 1916، حينَ دخل المستعمر الفرنسي إلى منطقة تافيلالت، وذلك لاعتبارات عسكرية محددة، حيث اختارت الوحدة المتنقلة للجيش الفرنسي مكانا مرتفعا يطل على مجرى نهر زيز من الضفتين، وتمر عبره خطوط المواصلات التقليدية، والقوافل التجارية، لتضع الحجر الأساسي للموقع العسكري لما سميَ حينها بـ"قصر السوق"، التي ستحمل اسم الرشيدية لاحقا، بتاريخ 07 أكتوبر 1916.

بعد الاستقلال، أصبحت قصر السوق مقرا لعمالة الإقليم، وبناءً على القرار المؤرخ في 17 نونبر 1975، ستحمل اسما جديدا هو الرشيدية نسبة إلى الأمير مولاي رشيد، وستصنف كمركز مستقل إلى غاية التقطيع الانتخابي لسنة 1992، لترقى بعدها إلى مستوى جماعة حضرية.
الوصول إلى الرشيدية
يتواجد إقليم الرشيدية في الجنوب الشرقي للمغرب، غربَ إقليم فكيك، يحده من الغرب إقليما أزلال وبني ملال وشمالاً إقليم ميدلت وخنيفرة.
يمكن الوصول إلى مدينة الرشيدية انطلاقا من مدينة الدار البيضاء بواسطة الحافلات العمومي، بأسعار تتراوح بين 150 و250 درهم، أو عبر رحلات جوية من مراكش والدار البيضاء، وأحيانا عبر رحلات جوية غير منتظمة من باريس.
بالنسبة للإقامات، فهي تتراوح بين فنادق مصنفة وأخرى تقليدية بجانب الواحات، إضافة إلى شقق خاصة، وكلها بأسعار تتراوح بين 300 و 1000 درهم لليلة الواحدة.
معالم للزيارة.. أهرامات الرشيدية !
ربما لم تكن تعلم أن الرشيدية لها أهرامها أيضا، أو هكذا يطلق عليها على الأقل. لكن الحقيقة أن الأمر يتعلق بسلسلة بنايات فريدة الشكل، يطلق عليها سكان قرية "فزنا" اسم الألماني، نسبة هانسجورج فوث الذي بناها وسط هضبة المرحة بتعاون مع الحرفيين المحليين.
إن كنت من عشاق الفلك وأسرار الفضاء فإنه مكان يستحق الزيارة ولاشك والتقاط الصور وتصوير الفيديوهات المذهلة.

يعتبر السلم السماوي أول عمل في هذه السلسلة، وقد تم بناؤه بين عامي 1980 و1987، ويتكون من 56 درجة بحيث تضيق جدرانه الجانبية تدريجيًا حتى تشكل شقًا رأسيًا في الأعلى، ويتم استخدام المبنى كمرصد للظواهر السماوية.
العمل الثاني في السلسلة هو اللولب السماوي، وقد بناه نفس الشخص بين عامي 1992 و1997، وفقا للرقم الذهبي "فاي"، وهو منحدر حجري يصل طوله إلى 260 متراً، بارتفاع 6 أمتار في المجمل.
يؤدي المنحدر إلى قمة اللولب عبر درج حلزوني من مائة درجة يوصلك إلى قاع البئر، قلب المبنى. أما لو نظرت إليه من الأعلى، فإن اللولب الذهبي يأخذ شكل صدفة نوتيلوس، رمز الكمال الهندسي.

أما آخر هذه الأعمال فتعرف بـ"مدينة أوريان"، والتي صممت بين عامي 1998 و2003، وهي عبارة عن أبراج مستطيلة مصنوعة من الطوب اللين، والتي تمثل بشكل متماثل النجوم السبعة الأكثر وضوحًا من كوكبة المشرق. المبنى عبارة عن إسقاط مصغر للكوكبة حيث إن عدد المباني مثل عدد النجوم ونفس الأبعاد التناسبية ملتقطا بدقة حجم كل نجم وسطوعه وموقعه، وهو ما جعل المدينة عبارة عن مرصد تمكن من متابعة مسار النجوم.
سجلماسة.. بوابة الصحراء
قد يكون المكان عبارة عن أطلال فعلاً، لكنها أطلال تتحدث لغات كثيرة وتمتلأ بذاكرة تاريخية مثقلة، ستحلق معها روحك في المكان، وتسترجع ذكريات تاريخٍ تليدٍ مضى.
فقد كانت سجلماسة، التي تنتمي لإقليم الرشيدية وتبعد عن المدينة حوالي 93 كيلومترا، من أولى المدن الإسلامية بالمغرب، حيث شكلت، على مدى قرون، محطة رئيسية على طريق قوافل التجارة العابرة للصحراء الكبرى، كما ألهمت الكثير من المؤرخين وعلماء الآثار من مشارب مختلفة.
يمتد موقع سجلماسة على مساحة مائة هكتار تقريبا، بين مدينة الريصاني ووادي زيز، وقد أُعيد بناء المدينة عدة مرات عبر القرون، ولم يبقَ من أسوارها المبنية من التراب المدكوك إلا أطلال يصعب استقراؤها. وقد حاول عدد من الأركيولوجيين، منذ عقود، سبرَ الغموض الذي يلف بماضيها.

المكان مفتوح في وجه الزوار ويتم تنظيم رحلات منتظمة من أجل زيارة الأطلال والتعرف على تاريخ المنطقة التليد.
أشرفت وزارة الثقافة، في شهر مارس من سنة 2023، على تدشين مركز ثقافي بالمنطقة (الريصاني) والذي يضم عدد من المرافق الثقافية والتعليمية بالإضافة إلى قاعة عروض كبيرة ومكتبة، ويقدم المركز خدماته لساكنة مدينة الريصاني كما يساهم في التنشيط الثقافي للمدينة.
ضريح مولاي علي الشريف
لا تبتعد كثيرا عن منطقة الريصاني، وواصل جولتك هنا لتكتشف وتزور ضريح مولاي علي الشريف الذي بني في عهد السلطان محمد بن عبد الله (1747–1790)، وخضع للترميم سنة 1997 ، وهو يُصنف من بين أجمل المآثر التاريخية التي تزخر بها جهة تافيلالت عموما، وإقليم الرشيدية خصوصا.
تنتصب أمامك بوابة الضريح شاهقة وبديعة الجمال، يزينها قرمود وفسيفساء زاهية، مطلة على حديقة غناء وباحة ذات أبواب متعددة من الخشب نُقشت عليها زخارف أخاذة.

وعند دخولك تجد أمامك القاعة الكبيرة التي تؤوي قبر مولاي علي الشريف، في مكان يغري بالتأمل، ويلقي على النفس ظلال السكينة والهدوء، ثم تجد أمامك بابا آخر يؤدي إلى المسجد الذي تعتليه قبة مزخرفة بزخارف بديعة.
يضم الضريح أيضا قبوراً أخرى منها قبور أبناء مولاي محمد ومولاي اسماعيل، وهي رموز شاهدة على أولى الأحداث التي تمخضت عنها المملكة العلوية الشريفة.
من التاريخ إلى الطبيعة
تزخر منطقة الرشيدية بعدد من الوجهات الطبيعية المغرية، على رأسها العين الزرقاء مسكي التي تتواجد على بعد 20 كيلومترا جنوب شرق مدينة الراشيدية في اتجاه أرفود؛ ومنها ينبع وادي زيز.
المكان مثالي فعلاً لقضاء أوقات جميلة تحت ظل أشجار النخيل الباسقة والصخور الخمرية، وأخذ قسط من الراحة قرب هذا الصهريج الذي بني في بداية القرن العشرين، قبل أن يتطور على مر السنين، وهو الآن مُجهز بمسبح، ومقاهي صغيرة، ودكاكين لبيع التذكارات وفضاء لركن سيارات التخييم.
أما واحات زيز وغريس فهي بمثابة جزر خضراء تمتد على مد البصر، على ضفاف وديان غريس وزيز، وزيارتها ستنقلك من عالم الصحراء الجاف القاحل، إلى جمالية أخرى خضراء ناعمة بهواء عذب منعش.
جنة المطبخ الرشيدي
أكيد أن الجولات السياحية متعبة، والأكيد أيضا أنها تنهك البدن وتمتص طاقته، فينطلق نداء المعدة، الذي يجد أمامه أصنافاً من الأطباق التي تتميز بخصوصية المنطقة، ويصعب أن تذوق مثلها أينما ارتحلت.
وقد تكون سمعت عن أطباق مختلفة من مطابخ مختلفة حول العالم، لكن ماذا عن طاجين لحم الإبل بالتمر؟ إنه طبق متيمز جدا يقدم خلال المناسبات في المناطق الصحراوية في فصل الصيف خصوصا، نظرا لارتفاع الطلب على لحم الإبل. إحرص على أن تتذوقه.

أما المدفونة فهي عبارة عن خبز محشو بقطع اللحم والبيض المسلوق واللوز والبصل والتوابل، ويمكن أن تجدها بسهولة عند الجزارين في السوق المحلي بالمدينة، تحت الطلب.
بعدها يمكنك أن تتذوق الحمام المعمر، الذي يعد واحدا من أكثر الأطباق طلبا من قبل السياح وزوار منطقة درعة تافيلالت، والحريرة الورقية، وهي شوربة شبيهة بعصيدة سميد الذرة، وقيمتها الغذائية كبيرة.
أما إن صادفت زيارتك شهرَ أكتوبر، فمن الأفضل ألا تضيع فرصة حضور مهرجان أرفود للتمور، الذي يتوافد عليه الزوار والسياح من كل مكان، ليكتشفوا كل ما يتعلق بتمور المنطقة، وليشهدوا معارض وحفلات وعروضاً فنية محلية.