المغرب ونيجيريا.. كيف غيّر ثالوث الدين والأمن والاقتصاد عداوة البلدين القديمة إلى صداقة متينة
سيصعب على من يتابع رسائل الود بين المغرب ونيجيريا المرافقة للعديد من المشاريع الاستراتيجية المشتركة بينها خلال السنوات الأخيرة، أن يتصور أن هاتين القوتين السياسيتين والاقتصاديتين المؤثرتين على المستوى القاري كانتا إلى أمد قريب تعيشان على وقع الخصومة، وأن نيجيريا كانت تشكل إلى جانب الجزائر وجنوب إفريقيا، الثالوث المتزعم لخصوم المغرب الأفارقة وأن أبوجا ظلت طيلة عقود واحدة من العواصم الداعمة لجبهة "البوليساريو" الانفصالية.
لذلك، فإن سلسلة تغريدات الرئيس النيجيري محمدو بخاري، أمس الخميس، التي شكر فيها الملك محمد السادس على مشاركة بلاده في مشروع استراتيجي لإحياء مصانع الأسمدة وإنشاء مصنع بمليار و300 مليون دولار، تكشف درجة التحول في سياسات البلد الأكبر والأكثر تأثيرا في منطقة غرب إفريقيا، وهو تحول لم يبدأ بالمصنع الذي سيُنشأ بشراكة مع المكتب الشريف للفوسفاط، وإنما كانت له مظاهر سابقة أثبتت أن منطقة "رابح – رابح" يستطيع تحويل أي خصومة إلى صداقة.
حرب مشتركة على التطرف
ومنذ 2016، تاريخ زيارة الملك محمد السادس إلى نيجيريا، بدا واضحا أن البلدين يستعدان لإطلاق مرحلة جديدة من علاقاتهما الثنائية تشمل عدة مجالات تحتاج فيه أبوجا لدعم الرباط، وفي مقدمتها المجالان الأمني والعسكري، في ظل معاناة البلاد ذات التنوع العرقي والديني والتعداد السكاني الذي يقارب 220 مليون نسمة والمساحة الشاسعة البالغة أكثر من 923 ألف كيلومتر مربع، من القبضة الدامية لجماعة "بوكو حرام" المتطرفة التي بايعت تنظيم "داعش".
وخلال البيان المشترك الذي تلا لقاء قائدي البلدين في دجنبر 2016، أعلن المغرب أنه سيقدم "الدعم الكلي والفعال لنيجيريا في جهودها للقضاء جذريا على الأنشطة الإرهابية لجماعة بوكو حرام بنيجيريا والبلدان المجاورة لها"، وقبل ذلك، وتحديدا في غشت من السنة نفسها، كشفت صحيفة "لوموند" الفرنسية أن الرباط دخلت عمليا في الحرب على الجماعة المذكورة من خلال تسليم معدات عسكرية للدول التي كانت ضحية لاعتداءاتها، وتحديدا دولة النيجر، بعد أسابيع فقط من إيفاد العاهل المغربي لوزير خارجيته ناصر بوريطة ومدير الإدارة العامة للدراسات والمستندات "لادجيد" إلى أبوجا للقاء الرئيس بخاري.
لكن دعم المغرب لنيجيريا لم يكن فقط عسكريا وأمنيا، بل شمل أيضا محاربة الفكر المتطرف عن طريق تكوين الأئمة عبر البعثات التي يستقبلها معهد محمد السادس لتكوين الأئمة المرشدين والمرشدات، والذي كان 5 في المائة من طلبته سنة 2016 نيجيريين، حسب إحصاءات وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، وهو ما دفع الرئيس بخاري لتقديم الشكر للعاهل المغربي "على دعم المملكة التضامني في مجال مكافحة الإرهاب والتطرف العنيف، لا سيما من خلال تكوين الأئمة النيجيريين"، وفق ما ورد في بلاغ للديوان الملكي تلا اتصالا هاتفيا بين قائدي البلدين في فاتح فبراير الماضي.
خط الغاز.. حلم يكاد يتحقق
وبين الرباط وأبوجا، تبرز منذ 2018 معالم مكاسب اقتصادية كبرى مشتركة، أبرز تجلياتها مشروع خط الغاز المشترك الذي جرى توقيع اتفاقيته تحت أنظار قائدي البلدين خلال زيارة الرئيس النيجيري إلى المغرب في يونيو من سنة 2018، وهو المشروع الذي اقتنعت أبوجا بأنه أعظم نفعا من خط آخر كانت تعتزم إنشاءه مع الجزائر قبل 12 عاما، والذي لم ير النور إلى غاية اليوم.
وأصبح هذا المشروع حاضرا تقريبا في كل اللقاءات الرسمية بين المسؤولين المغاربة والنيجيريين، باعتباره المشروع الاستراتيجي الذي سيحدث طفرة اقتصادية وتنموية شاملة في منطقة غرب إفريقيا، فالأمر يتعلق باستثمار قيمته 25 مليار دولار سيمكن من بنقل 40 مليار متر مكعب سنويا من الغاز إلى أوروبا عبر مسافة 5660 كيلومترا مربعا من الأنابيب التي تعبر أراضي 14 دولة انطلاقا من نيجيريا ومرورا بالبنين والطوغو وغانا والكوت ديفوار وليبيريا وسيراليون وغينيا كوناكري وغينيا بيساو وغامبيا والسينغال وموريتانيا بوركينافاسو ومالي، وصولا للمغرب عبر الأقاليم الصحراوية.
وأبرز هذا المشروع المنطق الجديد لنيجيريا في التعامل مع الدول، إذ لم تترد في طي صفحة المشروع المشترك مع الجزائر الذي لم يتحرك منذ 2009، في ظل مروره عبر دولة وسيطة وحيدة هي النيجر، وأيضا لكونه احتار مسارا مليئا بتهديدات التنظيمات المسلحة المتطرفة وعلى رأسها "تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي"، بينما حظي المشروع المشترك مع المغرب بدعم صريح من المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا خلال اجتماع لجنة الطاقة والمعادن بالمجموعة في دجنبر الماضي.
مصنع الأسمدة.. الطموح النيجيري
وكانت تغريدات الرئيس النيجيري يوم أمس دليلا آخر على أن المصالح الاقتصادية هي الركيزة الأساسية لعلاقات الصداقة بين الدول، ومحمدو بخاري تحدث باعتزاز غير خفي عن المبادرة الرئاسية لإحياء مصانع الأسمدة والتي ستحول بلاده إلى "مركز عالمي" لهذه المواد، موردا أن نيجيريا والمغرب وقعا اتفاقية بقيمة 1,3 ملايير دولار لتطوير مصنع للمواد الكيميائية الأساسية، وكتب "اسمحولي أن أغتنم هذه الفرصة نيابة عن كل النيجيريين، لأشكر أخي وصديقي الملك محمد السادس، على تواجده معنا في هذه الرحلة الصعبة والمثيرة".
ووجد الرئيس النيجيري في المملكة شريكا عمليا لإخراج هذا الطموح إلى حيز الوجود، بعد أن كان مطروحا للنقاش خلال أي تواصل بين قائدي البلدين، ففي فبراير الماضي وخلال المكالمة الهاتفية التي جرت بينهما أعلن الملك والرئيس "عزمهما المشترك على مواصلة المشاريع الاستراتيجية بين البلدين وإنجازها في أقرب الآجال، ولا سيما خط الغاز نيجيريا - المغرب وإحداث مصنع لإنتاج الأسمدة في نيجيريا".
ويتعلق الأمر بمشروع أعلن عنه لأول مرة رئيس المجمع الشريف للفوسفاط، محمد حتيتي، في نونبر من سنة 2019، ويتمثل في إنشاء مصنع للأمونياك بطاقة إنتاجية سنوية تبلغ مليون طن من الأسمدة و750 ألف طن من مادة الأمونيا، الشيء الذي سيغير وجه نيجيريا على المستوى الزراعي وسيمكنها عمليا من تحقيق الاكتفاء الذاتي في مجال الأسمدة.