المغرب يزيح أمريكا من عرش السياحة الكيبيكية.. كيف تحوّلت أرض الأنوار المغربية إلى ملاذ للطبقة الوسطى في ظل غلاء السفر وتحفظات سياسية؟

 المغرب يزيح أمريكا من عرش السياحة الكيبيكية.. كيف تحوّلت أرض الأنوار المغربية إلى ملاذ للطبقة الوسطى في ظل غلاء السفر وتحفظات سياسية؟
الصحيفة - خولة اجعيفري
الثلاثاء 1 أبريل 2025 - 12:00

لم تعد نيويورك ولا ميامي، ولا حتى شواطئ كوبا والدومينيكان، الوجهات المفضلة لدى عدد متزايد من الكيبيكيين، فقد بدأت بوصلة السياحة تتحول بهدوء ولكن بثبات نحو المغرب، حيث تلتقي التكلفة المعقولة بسحر التنوع الثقافي ودفء الضيافة، وفق تقديرات مسؤولين عن قطاع السياحة بالبلد اعتبروا أنه في ظل ارتفاع تكاليف السفر إلى الولايات المتحدة وتنامي التحفظات السياسية والأمنية تجاهها، برزت المملكة خلال الأشهر الأخيرة كخيار بديل أكثر جاذبية، وهو التحوّل الذي انعكس في تزايد ملحوظ لعدد السياح القادمين من مقاطعة كيبيك، في ظاهرة تعبّر عن تغير عميق في توجهات السفر لدى فئة واسعة من الطبقة المتوسطة الكندية.

وهذا التحوّل لا يرتبط فقط بسحر المدن العتيقة المغربية، ولا بكثبان الصحراء الممتدة، أو بحفاوة الاستقبال، بل يتجاوز ذلك إلى منطق اقتصادي صارم، فرضه التضخم المتصاعد في كندا، وتراجع قيمة الدولار الكندي، وتغيّر المزاج السياسي في الولايات المتحدة، فيما ومع كل هذه التحوّلات، بدا المغرب كأنه الجواب الذكي والمعقول للسائح الكيبيكي الباحث عن تجربة ثقافية غنية وميزانية متوازنة.

"بنفس الميزانية التي كنا نقضي بها ستة أيام في نيويورك، يمكننا الآن السفر أسبوعين ونصف في المغرب"، هكذا لخّصت ماري-كلود دو كاب، وهي من سكان منطقة لورنتيد، دوافعها لاختيار المغرب كوجهة جديدة لعطلتها العائلية، في تصريح لصحيفة" Journal de Montréal" وهو التصريح  الذي لا يبدو استثنائياً، بل يعكس توجهاً متزايداً داخل المجتمع الكيبيكي، حيث باتت الاعتبارات الاقتصادية تفرض نفسها على قرارات السفر.

فالمغرب، الذي يقدّم تنوعاً كبيراً في عرضه السياحي، من المدن التاريخية كفاس ومراكش، إلى الشواطئ الأطلسية في أكادير، مروراً بكثبان مرزوكة ومغامرات الصحراء، يتميّز أيضًا بانخفاض تكاليف المعيشة فيه مقارنة بكثير من الوجهات التقليدية، الفنادق، الطعام، التنقل، وحتى الأنشطة الثقافية والترفيهية، كلها تُعرض بأسعار مغرية بالنسبة لسائح قادم من أمريكا الشمالية.

بحسب جمعية وكلاء السفر في كيبيك (AAVQ)، فإن تكلفة السفر إلى الولايات المتحدة ارتفعت في 2025 بنسبة تتراوح بين 12% و14% مقارنة بالسنة الماضية، بسبب التضخم الذي بلغ 7 إلى 8%، وانخفاض قيمة الدولار الكندي بنسبة تصل إلى 13% أمام نظيره الأمريكي، وهذا التراجع دفع الكيبيكيين للبحث عن بدائل، والمغرب ظهر كأبرزها.

في هذا الاطار، يقول إيريك بواسونّو، نائب رئيس AAVQ إن السائح الكيبيكي أصبح أكثر حذراً في قراراته، ويقارن العائد السياحي مقابل ما يدفعه من مال: "الناس يبحثون اليوم عن أماكن تمنحهم جودة تجربة وعطلة أطول بتكلفة أقل، وهنا المغرب يقدّم هذه المعادلة بتوازن نادر وقد أصبح وجهة مفضلة للكيبيكيين منذ أشهر."

لكن المسألة ليست اقتصادية فقط، تفيد العديد من التقارير لأن الاعتبارات السياسية والأمنية بدأت تلعب دوراً مهماً في تحديد الوجهات، خصوصاً بعد سلسلة من الأحداث والانقسامات السياسية في الولايات المتحدة.

وبالنسبة لماري-كلود دو كاب، مثلاً، فإن قرارات الإدارة الأمريكية لم تعد تعكس قيمها وقيم عائلتها، كما أن "الشعور بعدم الأمان" أصبح عاملاً مؤثراً، وهي ليست وحدهافقد كشف استطلاع حديث أجراه معهد "ليجي" أن 9% من الكيبيكيين ألغوا رحلاتهم نحو الولايات المتحدة في 2025، بينما 58% لا ينوون زيارتها على الإطلاق هذا العام.

هذه الأرقام، من جهة ثانية تعكس تحوّلاً أعمق في علاقة الكيبيكيين مع الجارة الأمريكية، حيث لم تعد الوجهة المفضلة من دون منازع، بل أصبحت خياراً قابلاً للتشكيك والمراجعة، خاصة مع ارتفاع تكاليف السفر إليها وازدياد التوترات السياسية فيها.

صحيح، أن بعض الكيبيكيين بدأوا أيضًا في التوجّه نحو أوروبا، إلا أن الفرق في التكلفة لا يزال لصالح المغرب فالأورو، رغم كونه قريبًا في قيمته من الدولار الأمريكي، لا يمنح أفضلية كبيرة، في حين يوفّر المغرب ميزات واضحة، تكمن في تكاليف معيشة أقل، تنوع طبيعي وثقافي غني، وشعب مضياف.

وبحسب ما أكده سيمون بوراسا، المتحدث باسم CAA-Québec، في تصريح لصحيفة" Journal de Montréal" فإن المغرب "لا يقدّم فقط وجهة اقتصادية، بل تجربة حضارية متكاملة، تُرضي المسافر الباحث عن المتعة، والدهشة، والتعرف على ثقافات مختلفة".

من جهة ثانية، إذا استمر هذا التوجه، فقد نكون أمام تحول استراتيجي في وجهات السياحة الكيبيكية، فيما المغرب، الذي كثّف في السنوات الأخيرة من ترويجه السياحي في أمريكا الشمالية، يبدو مستعدًا للاستفادة من هذا التحوّل.

ومع تحسّن الربط الجوي بين مونتريال ومدن مغربية مثل الدار البيضاء ومراكش، وتزايد الاستثمارات في البنية التحتية السياحية، يمكن أن يتحول الإقبال الحالي إلى تيار ثابت، ففي النهاية، المغرب لا يربح فقط سياحًا جدداً، بل يربح جمهورًا جديدًا يكتشف دفء الناس، وغنى التاريخ، وتنوع الطبيعة... وكل ذلك بميزانية لا ترهق الجيب.

وفي موازاة هذا التحوّل الدولي في توجهات السفر، تنخرط الحكومة المغربية في استراتيجية واضحة لتعزيز الجاذبية السياحية للمملكة، تقوم على تنويع الأسواق المصدّرة للسياح، وتحسين التجربة السياحية، والرفع من القدرة التنافسية للوجهة المغربية على الصعيد الدولي.

وفي هذا الإطار، يضطلع المكتب الوطني المغربي للسياحة (ONMT) بدور محوري من خلال حملات ترويجية موجهة بشكل دقيق نحو أسواق جديدة، من بينها كندا، ولا سيما مقاطعة كيبيك.

ومنذ عام 2022، أطلق المكتب حملة عالمية تحت شعار "Maroc, Terre de Lumière" المغرب، أرض الأنوار، استهدفت أسواقًا ذات إمكانيات واعدة، عبر وسائل الإعلام التقليدية والمنصات الرقمية، من أجل إبراز غنى العرض السياحي المغربي وتنوعه الجغرافي والثقافي. الحملة ركزت على مقومات فريدة للمغرب مثل الأطباق التقليدية، الفنون المعمارية، التراث اللامادي، وكرم الضيافة، إلى جانب تحسين صورة الوجهة لدى السياح المترددين أو الباحثين عن تجارب أصيلة خارج النمط السياحي التقليدي.

وضمن هذه الدينامية، سعى المغرب إلى تحسين الربط الجوي الدولي، خاصة مع مدن كندية مثل مونتريال، عبر شركات طيران وطنية ودولية، وقد عززت الخطوط الملكية المغربية (RAM) عدد الرحلات المباشرة بين الدار البيضاء ومونتريال، ما ساهم في تسهيل تدفق السياح الكنديين، لا سيما من الجالية المغربية في كيبيك، التي تلعب أيضًا دورًا تواصليًا غير مباشر في جذب مواطنين كنديين نحو المملكة.

وتُراهن الحكومة، من خلال رؤية السياحة 2023–2026، على رفع عدد السياح إلى 26 مليون زائر في أفق 2030، تزامنًا مع تنظيم كأس العالم لكرة القدم إلى جانب إسبانيا والبرتغال، وهو ما دفع إلى تعبئة استثمارات كبيرة في البنية التحتية الفندقية، والنقل، وتحسين جودة الخدمات.

ووفق تصريح سابق لوزيرة السياحة فاطمة الزهراء عمور، فإن الإستراتيجية الجديدة ترتكز على "تحفيز الطلب، وضمان تجربة سياحية متكاملة، وتطوير العرض السياحي الجهوي بما يتماشى مع مؤهلات كل منطقة، مع إيلاء اهتمام خاص للسياحة المستدامة والثقافية والبيئية."

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

مَعاركنا الوهمية

من يُلقي نظرة على ما يُنتجه المغاربة من محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنه أن يخلص إلى قناعة ترتقي إلى مستوى الإيمان، بأن جزءًا كبير من هذا الشعب غارق في ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...