المغرب يعزل الجزائر عن موريتانيا، وينقل نزاع الصحراء من التدبير إلى سرعة التحكم في الحسم
إن الاعلان الرئاسي الأمريكي بمغربية الصحراء، ليس اعترافا ينسب إلى الرئيس السابق دونالد ترامب، بل هو اعتراف من دولة أمريكا الفيدرالية بكافة أجهزتها ومؤسساتها وعلى كل ولاياتها الخمسون. فهو اعتراف ينسحب على الجميع في أمريكا دون استثناء.
ومن الخطأ الحديث عن اعتراف ترامب، واختزاله في شخصه بسوء نية للتقليل من أهميته. فصفة ترامب كرئيس انتهت، لكن مفعول ما اتخذ في ولايته لم ينته، بل ساري المفعول والنفاذ. وهذا الاعلان يبقى وبقي حتى الآن وإلى الآن تصرفا قانونيا سليما، أنتج آثاره منذ تاريخ اتخاذه، وشكل منعطفا حقيقيا ومتحكم فيه لصناعة الحل في إطار رؤية مغربية.
وقد يطرح السؤال، وتكثر القراءات حوله، والمرتبطة بقدرات المغرب على استثماره جيدا؟ وهل فاوض بندية ومن موقع براغماتي نفعي قبل الإقدام عليه؟ وهل قدر المغرب تغييرات المستقبل المحتملة زمن التفاوض، منها فرضية تغيير الرئاسة القائمة في أمريكا أم لا؟
هذا نقاش آخر، مستقل عن الاعتراف كنجاح عظيم، ولا يهم شكله القانوني، لأنه سليم في شكله ومضمونه واختصاص مصدره، وفي إجراءات اتخاذه، وهو ملزم مراعاته من طرف كل المؤسسات في أمريكا.
وبغض النظر عن الأجوبة المتنوعة والمختلفة على هذه التساؤلات، التي أعقبت حصول نتيجة الاعتراف بمغربية السيادة الكاملة على الصحراء، تحسب أولا للدبلوماسية المغربية، وشكلت منعطف جديد، وحركية وزخم سريع في مسار الحل لصالح المغرب، ومحاولات الخصوم المكثفة لمنعه. وتظهر الحاجة الماسة إلى ضبط أكثر وتحكم أدق، ومن هنا أهمية كامل العقل والخبرة المغربية دون استثناء.
فمآلات الأمور مادام الإنخراط والتفاعل مستمرا وقائما، يجعل كل القراءات استراتيجية مستقبلية، ليست حاسمة، دون أن ينقص ذلك من أهميتها.
فهي ذات أهمية علمية في مراعات مضمونها، رغم أنها في حكم الاجتهادات الشخصية مادام علم السياسة لا تضبطه قواعد قاطعة في العلاقة بين الأسباب والنتائج.
وبالرجوع إلى سؤال ماذا حقق المغرب من تلك المرحة، ومن ذلك الاعتراف، في ظل صمت الديبلوماسية المغربية، رغم تصريح بوريطة، فانه ودون تحامل على الديبلوماسية المغربية ولا دفاعا عنها، فإن قياس الأمور لتقدير وجود الخطأ أو التقصير أو الرعونة أو عدمه، يحتاج إعادة بناء وتصور الوقائع على غرار ما كانت عليه في وقت و زمن التفاوض حتى اتخاذ الرئيس السابق دونالد ترامب إعلان الاعتراف بسيادة المغرب على كل الصحراء.
وكذا تقييم مساهمات ذلك التفاوض في نجاحات المغرب خلال تلك المرحلة، منذ 2018 حتى انتهاء ولاية ترامب وإلى الآن، وهل تغير شيء يدعو إلى القلق ويدعو إلى إعادة التقييم؟ أم أن المغرب مدعو فقط للانخراط والتفاعل الجيدين مع الواقع الجديد، بعد خسارة ترامب وفوز بايدن لتثبيت وتحصين النجاح وتعزيزه، والطموح للحسم النهائي لصالحه كهدف أولي ونهائي في درجات الاستراتيجية المغربية؟
والحقيقة التي لا تقبل الجدال أن المغرب تمكن من إجراء تغيير ميداني آمن وبهدوء في منطقة الكركارات، وبدعم دولي غير مسبوق، ولا مراء أنه أحد مساهمة وثمرة من ثمار التفاعل الجيد مع مفاوضات تلك المرحلة رغم طابعها السري.
أكيد أن ذلك التغيير الميداني خلق وضعا جديدا، ذلك أن الصراع الآن أصبح إقليميا مباشرا مع دولة الجزائر وليس مع عناصر البوليساريو كتنظيم انفصالي، فمنطقة الكركارات التي كانت مزعجة وضاغطة على المغرب بفضل الاستفزازات المستمرة تمكن من تأمينها ومنع عناصر البوليساريو من التسلل إليها.
كما نجح المغرب في اقناع الجارة موريتانيا الشامخة بأهمية وحيوية اضطلاعها ببسط سيطرتها ومراقبتها على حدودها الشمالية مع المغرب وتأمينها، وهو ما تجسده حاليا في إطار مناورات جيوشها في المنطقة، رغم وجود قراءات مغايرة لذلك. وهو مكسب قد ننظر إليه سهلا وهينا لكنه صعب في تعقيدات معادلاته الداخلية فيي موريتانيا وإقليميا.
فهو عنصر مهم يساهم بشكل سريع و مباشر وآلي في صناعة الحل في إطار رؤية مغربية مغاربية أفريقية، يتظافر ذلك مع التحول الذي قاده المغرب في علاقاته مع الدول الأفريقية، أو في شكل جماعي، وفي التنظيم القاري الأفريقي، وفي أوروبا والأمم المتحدة، وفي الميدان جعل الأقاليم في الصحراء قطبا ديبلوماسيا دوليا، واعتراف أمريكا بمغربية الصحراء جعل مسار الحل أكثر وضوحا.
ولا شك أن هذه التحولات التي تبدو للبعض تحصيل حاصل، هي في جوهرها وعمقها مفاتيح إدراك الحل الذي يريده المغرب، وقد كتبت سابقا وصرحت أن للكركرات أسرار ستبوح بها، فهي تجمل كل جزئيات وتعقيدات النزاع، ومن تمكن من السيطرة على حلها سيكون الفوز حليفه.
وهكذا حول المغرب صوب الجزائر، التي عليها أن تختار بين حلين لا ثالث لهما؛ دخولها في تفاوض مباشر مع المغرب من أجل الحل، تبعا لمسؤولياتها في صناعة المشكلة، وهو ما كان يدفع به المغرب، وتمكن من اقناع الأمم المتحدة ومجلس الأمن به.
ولا تجد الجزائر حرجا للدخول في هذه المفاوضات، مادام المغرب يعرض عليها هذه الآلية بواسطة رئيس دولته جلالة الملك، ويكفيها ابداء الإرادة وحسن النية والاستجابة للطلب المغربي، ومناقشة كل الملفات التي تعيق تطبيع وتطور العلاقات بينهما.
كما أن المتغيرات الجديدة في نزاع الصحراء المغربية، تفرض على الجزائر خيارا ثانيا صعبا ومدمرا، هو أن تتملك الشجاعة السياسية وجرأة الوضوح ونزع القناع، وإعلانها الحرب المباشرة مع المغرب، وتحملها تبعاتها في إطار العدوان على سيادة المغرب.
وللمغرب مآرب أخرى يقضيها من هذه الحرب في إطار حقوقه الترابية في الصحراء الشرقية، فمعاهدة إفران تتضمن التزامات متقابلة، تجعل المغرب في حل منها أمام عدم وفاء الجزائر التزامها المقابل.
وقد تفطنت الجزائر إلى هذا الوضع الجديد الذي شل قدراتها قاريا وأمنيا ودوليا، وتترنح لفك الطوق الذي لفه المغرب حولها دون أن تجد لذلك سبيلا غير برامج إعلامية نزلت إلى الدرك الأسفل.
ويبدو أن الجزائر تتحرك في كل الاتجاهات لمنع خروجها المذل من معادلات الحل دون ثمن تربحه من نزاع الصحراء المغربية، الذي خلقته مع ليبيا القذافي، واحتضنته فوق أراضيها، ومولته و عسكرته من أموال الشعب الجزائري، وعلى حساب حقوقه الاقتصادية والاجتماعية، ورافعت من أجله في كل المحافل الاقليمية والقارية والدولية والأممية.
وهو ما يفسر تصريحات أحد مسؤوليها الأمنيين لجريدة "الشروق" الجزائرية مقاربة الجزائر التي "تعتبر القضية في تطوراتها القائمة امتدادا طبيعيا لأمنها القومي، فإنه يستحيل الوصول إلى أي حل للنزاع، وتحت أي صورة، دون مشاركة مباشرة للجزائر كطرف رئيس معني في المنطقة بالصراع وآثاره". فالجزائر تعتبر نزاع الصحراء من أمنها القومي ولن ترضى بحل خارج ارادتها.
*محامي بمكناس. خبير في القانون الدولي، الهجرة ونزاع الصحراء.