المغرب يمد يده إلى ورثة شيراك بدلَ ماكرون: زعيم "الجمهوريين" يزور الرباط بعد تأجيل زيارة وفد من مجلس الشيوخ الفرنسي
يبدو أن الرباط شرعت منذ الآن في الرهان على الأوراق التقليدية الفرنسية التي أسست للعلاقات القوية بينها وبين باريس، في خضم الأزمة الدبلوماسية التي تعيشها العاصمتان في زمن الرئيس إيمانويل ماكرون، إذ في الوقت التي قررت فيه الخارجية المغربية تأجيل زيارة وفد من مجلس الشيوخ الفرنسي الذي كان يضم مقربين من ماكرون، أعلن حزب "الجمهوريين" عن زيارة زعيمه للمملكة بداية الشهر المقبل.
وأعلن حزب "الجمهوريين" الذي أسسه الرئيس الأسبق نيكولا ساركوزي سنة 2015، ووريث حزب الرئيس الراحل جاك شيراك "الاتحاد من أجل حركة شعبية"، أن زعيمه إيريك سيوتي سيزور المغرب خلال الفترة ما بين 3 و5 ماي المقبل، رفقة وفد من قياديي الحزب المنتمي ليمين الوسط، والذي يُعد من أبرز معارضي الرئيس ماكرون.
ويعي الحزب جيدا أن الفرصة مواتية حاليا لحسب ود الرباط، الأمر الذي بدا واضحا من خلال الخطاب الذي حمله البيان المُعلِن عن الزيارة، والذي قال إن رحلة سيوتي "تؤكد من جديد تعلق أسرتنا السياسية بعلاقات الصداقة التي توحد بلدينا"، وتابع "إنها جزء من استمرارية تاريخ غني بين المملكة الشريفة والعائلة الديغولية"، في إشارة إلى الرئيس الأول للجمهورية الخامسة، شارل ديغول.
وإمعانا في إبراز الارتباط القديم بين اليمين الفرنسي والمغرب، أورد الحزب أن تلك العلاقة تتميز بـ"الأواصر التاريخية التي جعلت الجنرال ديغول أقرب إلى الملك محمد الخامس، رفيق التحرير"، وأضاف أن زيارة رئيسه تهدف إلى مواكبة "علاقة الأخوة والمسؤولية" بين الجمهوريين والمملكة، و"الاهتمام المشترك بضمان استقرار منطقة المتوسط".
وفي الوقت الذي لا تزال فيه الزيارة المرتقبة لماكرون إلى المغرب مؤجلة إلى أمد غير محدد، في خضم الأزمة المعلنة بين حزبه "النهضة" وبين مؤسسات الدولة المغربية، فإن حزب الجمهوريين الذي يسعى للعودة إلى رئاسة الجمهورية سنة 2027، تحدث عن "الاهتمام بالأمن والتقدم الذي تم تحقيقه اليوم بطموح من الملك محمد السادس، المحاور الأساسي في قضايا البحر الأبيض المتوسط".
ويأتي ذلك بينما تعيش فيه فرنسا منذ أسابيع على صفيح ساخن، نتيجة تمرير الحكومة لقانون التقاعد الجديد دون عرضه على البرلمان، إذ تستمر الاحتجاجات في الشارع ضد الرئيس وحكومته، الأمر الذي أدى إلى انخفاض شعبية ماكرون إلى أدنى مستوياتها منذ احتجاجات "السترات الصفراء" سنة 2019، لتصل إلى 28 في المائة فقط بعد أقل من عام واحد على انتخابه لولاية ثانية.
وحزب الجمهوريين هو صاحب رابع أكبر كتلة داخل الجمعية الوطنية الفرنسية وأحد أحزاب المعارضة الرئيسية بـ62 مقعدا، لكنه أيضا صاحب أكبر عدد من المقاعد في مجلس الشيوخ بـ145 مقعدا بعد أن تصدر نتائج الانتخابات التي أجريت في 1 أكتوبر 2020.
وتعيش العلاقات الثنائية بين فرنسا والمغرب حالة فتور واضح، خصوصا بعد تبني البرلماني الأوروبي قرارات تُدين المغرب في قضايا تهم حرية الصحافة وحقوق الإنسان، بالإضافة إلى تحريك حملة ضده باعتباره "متورطا" في قضية الفساد المعروفة بـ"قطر غيت" وفي التجسس على مسؤولين أوروبيين بواسطة برنامج "بيغاسوس" الإسرائيلي، وترى الرباط أن حزب ماكرون هو الذي يُحرك هذه الحملة.
وبعدها بأيام أصر البرلمان المغرب بيانا موقعا من رئيسي مجلس النواب ومجلس المستشارين جاء فيه أنه يُعرب عن "خيبة أمله إزاء الموقف السلبي، والدور غير البناء الذي لعبته، خلال المناقشات في البرلمان الأوروبي والمشاورات بشأن مشروع التوصية المعادية لبلادنا، بعض المجموعات السياسية المنتمية لبلد يعتبر شريكا تاريخيا للمغرب"، في إشارة إلى فرنسا.
وخلال الأسبوع الجاري قال موقع "أفريكا إنتليجينس" الفرنسي المتخصص في الشؤون الإفريقية، فإن وفدا برلمانيا من مجلس الشيوخ الفرنسي، كان من المفترض أن يزور الرباط أواخر شهر أبريل الجاري، لكن وزارة الخارجية المغربية قررت خلاف ذلك، ما يُعتبر إشارة واضحة على التوتر القائم بين فرنسا والمغرب حسب تعبير المصدر.
وسبق لوزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، أن زارت الرباط يوم 16 دجنبر 2022، وأعلنت، في ندوة مشتركة مع وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، عن انتهاء أزمة التأشيرات وعودة النشاط القنصلي إلى طبيعته، لكن ذلك لم يكن كافيا بالنسبة للمغرب، ولم يُساعد في تحديد موعد لزيارة ماكرون إلى المملكة.
وحل بوريطة بمجلس المستشارين أياما بعد ذلك، حيث قال إن المغرب يحترم الأمور السيادية لجميع الدول، وهو يفرض التأشيرة على 130 دولة في حين تفرض 140 دولة التأشيرة على مواطنيه، لكنه أضاف، خلال جوابه عن سؤال بخصوص ما قامت به فرنسا إن التأشيرات "ليست صدقة أو منحة، وليست وسيلة للابتزاز أو الإهانة"، مشددا على أن المسألة لا تتعلق بالتعامل مع طلبات الحصول على التأشيرة، بل يجب أن يحترم ذلك الدولة التي يطلب مواطنوها تلك التأشيرة.
وأورد وزير الخارجية حينها "قيل لنا إن كل شيء عاد إلى طبيعته، ونحن لن نعلق على ذلك لأن الأمر يتعلق بحق سيادي"، مبرزا أن من حق فرنسا وضع العراقيل أمام حصول المغاربة على التأشيرة لكن "المغاربة أخذوا الدرس من ذلك وسجلوا المواقف، رسميا نحن نحترم حقوق الدول، ولكننا نتابع ونُسجل"، على حد تعبيره.