المُواطِنُ العالَمِي!
كلُّ واحدٍ مِنّا، مُواطِنٌ مَحلّي ذو أبعادٍ عالَمِية، وآفاقٍ كَونيّة..
ويذُوبُ المَحلّي في العالَمِي.. والعالَمي في الكَونِي.. والمَحدُودُ في اللاّمَحدُود..
وكلّنا نَخضَعُ لقانُونٍ جديد سوف يَتِمّ تَفصِيلُه على مَقاسِ عالَمِنا العالَمِي.. وهذا القانونُ هو يسُودُ "كَوكبَ الأرض"..
وهذا مفهُومُ "الوَطَن العالَمِي".. ومَفهُومُ "المُواطِن العالمي"..
- العالَمُ وطنُنا جمِيعًا..
وهذا عَصرُ "المُواطنِ العالَمِي"..
العالَمُ يَحتَضِنُنا جميعًا.. وأفراحُهُ أفراحُنا.. ومَتاعِبُه مَتاعبُنا.. تَنعكِسُ علينا.. تُؤثّرُ فينا.. وتُؤرِقُنا..
وأنتَ وأنا ونحنُ مُواطِنُو هذا العالَم.. إنّنا جُزءٌ مِنَ الأُسرةِ العالميّة..
وهذا عصرٌ جديدٌ ساكِنُون فيه.. وهو ساكِنٌ فينا..
و"الثّورةُ الفَيرُوسيّة" التي تكتَسِحُ العالم، مع "ثورةِ المَعرفة"، هي تَفرضُ علينا رُؤيةً جديدةً لهذا العالم..
- هزّةٌ تَوعَوِيّةٌ قويّة.. بَدأت مِن شخصٍ واحد، واكتَسحَت العالَم..
هي "الثّورةُ الكُورُونية" والفَيرُوسيّاتِ الأخرى المُختبَرِيّة، ستَفعلُ في هذا العالمِ المُشترَك، ما لم تَفعلهُ "الثّورةُ الصّناعيةُ" مِنِ ازدِهارٍ لأقطارِ الشمال، وتطوُّر عِلمي وتكنولوجي، واستِعمارٍ لدُولٍ جنُوبيّة، واحتكارٍ لثَرَواتِها الطبِيعيّة، وتفقيرٍ لأغلبيةِ سُكانِ العالم..
الجغرافيةُ المَحلّيةُ تَنتَقلُ من المحَلّي إلى العالَمِي..
والجغرافيةُ العالَمية تُؤشّر لمِيلاد عصرٍ آخرَ قِوامُه: "إمّا أن نعِيشَ جميعًا، أو نمُوتُ جميعًا"..
هذا مفهُومٌ آخرُ للتّخلّف والتّقدّم.. يَختلفُ عن مَفهُومِ الازدِهار الاقتصادي والثقافي والاجتِماعي الذي تتّصفُ به أقطارُ الشّمال..
معاييرُ جديدة لا تَقتصرُ على النّمُوّ الاقتصادي المُتداوَلِ في دولِ الشّمال، على حسابِ دُولِ الجنُوب..
ويكتشفُ العالَمُ أنّ وراءَ "ثورةِ الفَيرُوساتِ المُصنّعة"، إمكانياتٍ أخرَى تُكمّلُ النّمُوّ والتّطَوّرَ التّقليدييْن..
وفي العالَمِ العالَمِي الجديد، يَبرُزُ مِعيارٌ آخر، وهذا ليس مَحلّيّا، ولا مَحدودًا في رُقعةٍ جغرافية، بل يَعتمدُ على مدَى مُساهَمةِ كلّ دولةٍ في ازدِهارِ كلّ العالَم، وليسَ بعضِ الدّول على حسابِ أُخرَيات..
- وتنتَهي "مُنظّمةُ الأمم المتحدة"!
وعلى أساسِها يُولَدُ العالَمُ المُوَحّد.. عَالَمُ "سُكّانِ العالَم"..
هو "اتّحادٌ عالمي" يَتَمَحوَرُ حولَ اندِماجِ الشعوب، والتّعايُش، ووَحدةِ السّياسات، والعَملِ العِلمي البنّاءِ المُشتَرَك، وِفقَ استراتيجيةٍ إنسانيةٍ عالَميّةٍ كَونيّة..
ومِحورُ الأُسرةِ البشريّةِ الجديدة هو الإنسان.. أيُّ إنسان..
الإنسانُ العالمي.. المُواطِنُ العالمي..
ويكُونُ الإنسانُ مِحورَ السياساتِ العالمية...وهذا الإنسانُ هو كلُّ إنسان، من أيّ مَكان..
وجميعُ الناسِ سواسيةٌ أمام قانونٍ عالميّ واحد..
الكلّ في خدمةِ "الوَحدةِ العالمية": الحياةِ البَشريّة، والكائناتِ كلّها، والطبيعةِ كلّها..
والقوانينُ العالميةُ في خدمةِ البيئةِ الطّبيعية، من أجلِ حياةٍ إنسانيةٍ قوامُها الحُقوقُ والواجِبات..
وفي هذا الفضاءِ الكونِي المُشترَك تَزولُ الفَوارِقُ التّقليديةُ بين الدّول..
كما تَزولُ الفوارقُ القائمةُ داخلَ كل دَولة..
ولن يكُونَ بينَنا فُقراءُ وأغنِياء.. الجميعُ أغنياءُ بمقايِيسَ كونيةٍ جديدة..
وأبرزُ مِقياس: العالَمُ للجميع، وليس مِلكًا لفئةٍ دُون فِئات..
- كلُّنا شُركاءُ في العالم..
كلُّنا رَأسُمالٍ بَشَرِي لهذا العالَم..
وكلُّ المُؤسّسات العالَميّة هي في خِدمةِ كلّ الناس.. وإقرارِ السلامِ العالمي، والتّعايُش، مع الفَصلِ بين الدّين والسّياسة..
وهذا العالمُ المُشترَك، بهذا التّطلّع الإنساني، لا تميِيزَ فيه بين البشَر..
وقوانينُه تُجرّمُ التّمييزَ بين النّاس.. وتُجرّمُ عدمَ احترامِ الحيواناتِ والنباتاتِ والفضاءاتِ البيئيّة..
- وتزُولُ الحدودُ بين الدّول..
لا حدودَ جغرافية، ولا لُغويّة، ولا ماليّة.. ولا احتِكارَ لأيّةِ ثروةٍ منَ الثرواتِ الطبيعيةِ وغيرِ الطبيعيّة..
والعلُومُ تُديرُها مؤسّساتٌ عِلميةٌ عالَمِيّة..
ويُصبحُ العالَمُ مَحلّيّا، والمَحلّيُّ عالمِيّا..
وكلُّنا مَحلّيونَ وعالَميّون..
ولا فرقَ بين المرأةِ والرّجُل..
وبينَ الإيديُولُوجبات..
ولا فرقَ بين الأديان.. كلّ الأديان هي أديانُ العالَم.. مفتُوحةٌ للجمِيع.. والمَعابِدُ مفتُوحةٌ للبَشر، على اختلافِ أنواعِهِم..
المَعابِدُ في خدمةِ الجمِيع..
ومن حقّ أيّ إنسان أن يتَعبّد بطريقتِه في أيّ مَعبَد..
والمَعابِدُ مُتنوّعة، وكلّها تُعلّم الأخلاقَ العالميّةَ المُشترَكة، على أساسِ أنّنا جميعا تحتَ سَماءٍ واحدة، وعلى أرضٍ واحدة، وجميعًا أسرةٌ واحدة..
- وكُلّنا إخوَة..
نَخضعُ لقانُونٍ عالميّ مُشترَك..
والحُرّيةُ الفكريةُ مَضمونةٌ بنُصوصِ المِلكيّةِ الفِكريّة والاختراعيةِ والابتِكاريّة..
والاختلافاتُ أيضًا مَحمِيّةٌ بنُصوصٍ عالَميّة..
وهكذا نعِيشُ جميعا، بنَفسِ الحُقوقِ ونفسِ الواجِبات.. ولا أحدَ منّا يتَجاوَزُ حُدودَه..
والنظامُ التّجاري تُديرُه مؤسساتٌ مُختصّة، لتنظيمِ الحَركيةِ التجاريةِ العالَمِيّة، بنفسِ الأسعار، وبدُونِ احتِكارٍ للمَوادّ الأوّلية، أو اليَدِ العامِلة، أو للآلاتِ الذّكيةِ وغيرِها...
والمُراقَبةُ التي تَجِدُها في مكانٍ ما، تجدُها أيضًا في أيّ مكانٍ آخرَ مِنَ العالم..
ولا يَشعرُ المرءُ أنهُ غريبٌ في أيّ مَكان..
يَجِدُ أمامَه، وهو يتَحركُ من مَكانٍ إلى آخر، نفسَ اللغةِ العالَميةِ المشترَكة التي تَعَلّمَها في مَدرَسَتِه المَحلّية..
واللغةُ العالَميةُ الواحِدة تجعلُ التواصُلاتِ العالميةَ تُقرّبُ المَسافاتِ المَكانيةَ والزمانيةَ والعَقليةَ والنّفسية، وبها يَستطِيعُ التّواصُلَ بسُهولةٍ ويُسرٍ مع كلّ التنوّعات البَشريّة، أينما حَلَّ وارتَحَل..
ونَستَطِيعُ حتى أن نتَكلمَ بلُغتِنا المَحلّية، وأن يَسمَعَنا العالَمُ بكلّ اللغات، وبصَوتِنا، بواسطةِ التّطبيقاتِ التّرجَمِيّة اللّغويّة..
وتطبيقاتُ التّرجمةِ الفَوريّة، وبالكتابةِ والصّوتِ وعبرَ لُغاتٍ عالَميّة، مَوجُودةٌ حتى في هواتفَ مَحمُولة.. وهذا يعني أنك تستطيعُ أن تسمعَ نفسَك، وأنتَ تُترجِمُ أقوالَك - لِغَيرِك - إلى مُختلفِ اللغات..
وها هي الأنترنيت تُقلّصُ المَسافاتِ اللغويةَ بين البشَر..
وكلّ اللغاتِ قد تحوّلت إلى لُغاتٍ عالمِيّةٍ واحِدة..
كما يَستطِيعُ كلُّ امرِئ مِنّا أن يتَعاملَ، في أيّ مَكان، بعُملةٍ عالميةٍ واحدة..
وستكُونُ اللغةُ الواحِدة، والعُملةُ الواحِدة، تماما مثلَ المَشاعرِ الإنسانية، والفُنونِ والآدابِ والاختراعاتِ والأفكار، بلا حُدودٍ ولا حَواجزَ عبرَ كلّ أنحاءِ العالم..
- ويتَحققُ حُلمُ العالَمِ الواحِد..
وفي هذا قولةٌ للعالِم الكنَدِي "مارشَال ماكلُوهن": "العالَمُ قَريَتِي"..
ونحنُ - فِعلاً - في عالَمٍ لا يَفصِلُه إلاّ جزءٌ من الثانية.. وفي الثانية، نُسافرُ عبرَ العالمِ بالطّولِ والعَرض، على مَتنِ الشّبكةِ العنكبُوتيّة.. وما يحدثُ هُنا، وفي أيّ مكان، يَصِلُ بالصوتِ والصّورةِ إلى سُكانِ العالم..
إنّنا "عالَمٌ واحِد"، على مُستوَى الأنترنيت والإذاعةِ والتلفزيون..
ونَستَطِيعُ أن نتفاعلَ في نفسِ الوقت، وأن نَتأثّر ونُؤثّر، ونحن نُشاهدُ ما يحدثُ في أقصى العالم..
وغدًا نكُونُ عمَليًّا، مَيدانيّا، وبلا تأشيرة، ولا جَواز، مُواطِنينَ بجِنسِيّةٍ واحِدةٍ لكُلّ كوكبِنا الأزرَق: الكُرَة الأرضية..
ويكُونُ العالَمُ "قَريةً صغيرة".. وطنًا لنا جميعًا.. بلا استِثناء.. هذا العالَمُ لا يملكُه إلا واحِدٌ هو الإنسان..
- الإنسانُ هو المُواطنُ العالَمِي الكَوْنِي!