النظام الجزائري يَصل إلى مرحلة الفوضى.. فشل استخباراتي مُروع بتوظيف مرتزقة لاغتيال معارض بفرنسا.. وفشل عسكري بإسقاط طائرة مسيرة لدولة ليس معها حرب.. وفشل ديبلوماسي في تدبير الأزمات

 النظام الجزائري يَصل إلى مرحلة الفوضى.. فشل استخباراتي مُروع بتوظيف مرتزقة لاغتيال معارض بفرنسا.. وفشل عسكري بإسقاط طائرة مسيرة لدولة ليس معها حرب.. وفشل ديبلوماسي في تدبير الأزمات
الصحيفة من الرباط
الأثنين 14 أبريل 2025 - 21:40

لم يشهد تاريخ الجزائر، منذ الاستقلال عن فرنسا وتأسيس الدولة سنة 1962، مرحلةً من "الصدام الشامل" المتسم بالكثير من "الفوضى" مثلما هو عليه الأمر الآن، فالبلد المغاربي الذي أصبح تدريجيا يخسر معاقله التقليدية في إفريقيا وأمريكا اللاتينية وأوروبا الشرقية، دخل مرحلة غير مفهومة من "العداء" تجاوزت عداءه المعهود للمغرب، لتشمل العديد من البلدان في وقت واحد.

صدام الجزائر الجديد مع فرنسا، الذي بلغ حد طرد 12 موظفا من السفارة الفرنسية لديها، وتهديد باريس بالرد بالمثل، ليس إلا قطعة واحدة من قطع الـ Puzzle الكثيرة التي تكون صورة غير معهودة للسياسة الخارجية الجزائرية، مُشكِّلة حالة من "الحرب" الدبلوماسية التي تكاد، في العديد من الأحيان، تتحول إلى حرب عسكرية فعلية.

في نهاية 2019، وصل إلى سدة الرئاسة في الجزائر عبد المجيد تبون، الذي كان وزيرا أولا في السابق، كما تقلد العديد من المهام الوزارية الأخرى، لم يكن أي منها له صلة بالعمل الدبلوماسي، وشاءت الأقدار، وبشكل غامض لا تفسير له إلى الآن، أن يغادر إلى دار البقاء شريكه الفعلي في الحكم، رئيس أركان الجيش أحمد قايد صالح، ليُعوضه السعيد شنقريحة.

وصول تبون وشنقريحة إلى السلطة، المدنية والعسكرية، إثر حراك شعبي كان في الأصل يبتغي الإطاحة بكل وجوه النظام السابق، الذي ينتميان إليه بالضرورة، جاء ليطوي صفحة حُكم الرئيس الراحل عبد العزيز بوتفليقة، الذين عاشت في عهده البلادُ أوضاعا سياسية واجتماعية متأزمة فاقمها الفساد، خصوصا بعد إصابته بجلطة دماغية سنة 2013 حجمت بشكل متسارع قدراته العقلية والجسدية.

لكن عهد بوتفليقة، رغم ذلك، كان أكثر اتزانًا على العديد من المستويات، خصوصا تدبير القضايا الخارجية بما فيها الصراع "الأزلي" مع المغرب، البلد الذي وُلد على أراضيه، تحديدا بمدينة وجدة، سنة 1937، وهو أمر يجد تفسيره في كون الرجل خبر جيدا الممارس الدبلوماسية حينما كان وزيرا للخارجية لأكثر من 15 عاما ما بين 1963 و1979.

فعهد بوتفليقة، ورغم بروز النزاع حول الصحراء مرارا خلاله، فإنه لم يشهد التلويح المتواصل بـ"الحرب"، أو الحساسية المفرط من أي شيء اسمه المغرب، لدرجة أن الرجل لم يُخفِ أمام عدسة الكاميرات أن بلاده استعانت بمهندسين وصانعين مغاربة لترميم قصر المشور في تلمسان، كما أن الأزمات لم تكن بالنسبة له مبررا لاتخاذ قرارات يتضرر منها البلدان اقتصاديا، مثل إغلاق المجال الجوي أو إلغاء خط أنابيب الغاز المغاربي الأوروبي.

الرجوع لعهد بوتفليقة، يضعنا أمام مسارات دبلوماسية أكثر توازنًا، إذ لم تكن الجزائر في زمنه معتادة على فتح العديد من الجبهات في وقت واحد، كثير منها يحكمه لإرث النفسي الاستعماري أو بقايا الحرب الباردة، وبشكل يضعها في مآزق كثيرة، تشي بضعف قراءة السياقات السياسية والاقتصادية والأمنية الراهنة، وتدفع البلاد، كما يحدث مع النظام الحالي، إلى اتخاذ قرارات راديكالية من طرف واحد، ثم التراجع عنها من طرف واحد أيضا.

عهد تبون، المفتقر للماضي الدبلوماسي أو الشخصية الكاريزمية، والتي تمت خلالها الاستعانة بـ3 وزراء للخارجية في غضون أقل من 6 سنوات (صبري بوقدوم، رمطان العمامرة، أحمد عطاف)، بدأ أزمة دبلوماسية مع المغرب لم تنتهِ إلى الآن، قبل أن يمتد الصدام إلى الولايات المتحدة الأمريكية وإسبانيا وفرنسا والإمارات العربية المتحدة والعديد من الدول الإفريقية.

وبينما كانت الجزائر تعتبر إفريقيا ملعبها بسبب غياب المغرب على الاتحاد الإفريقي منذ 1984 إلى غاية 2016، أضحت تعيش أزمات تلو الأخرى، تارة مع مصر والسودان بسبب مساندتها لإثيوبيا في ملف سد النهضة، ضدا على قرار جامعة الدول العربية، وتارة أخرى مع مالي والنيجر وبوركينافاسو بسبب التدخل في شؤونها الداخلية.

هذا التخبط الذي وصل حد القطيعة الاقتصادية مع بنما بسبب سحب اعترافها بما يسمى الجمهورية الصحراوية، يتضح بشكل أكبر في محطات مثل سحب السفير الجزائري من إسبانيا بسبب دعمها الحكم الذاتي المغربي في الصحراء سنة 2022، ثم إعادته دون مقدمات، وتكرار الأمر مع فرنسا سنة 2024، والعجز عن القيام بذلك مع الولايات المتحدة الأمريكية، والاكتفاء بـ"الأسف" إثر تأكيد وزير خارجيتها ماركو روبيو، قبل أيام اعتراف بلاده بمغربية الصحراء.

فوضى تدبير الملفات الخارجية في الجزائر، بلغت حد الصدام "الصامت" مع روسيا، مزودتها الأولى بالأسلحة، الذي كان من أسباب "الرفض المُهين" لطلبها الانضمام إلى مجموعة "البريكس"، وذلك بعدما عجلت بعرض "غازِها" على أوروبا بعد اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية سنة 2022 كبديل عن غاز موسكو، وهو ما يشبه قيام سفيرها في واشنطن، صبري بوقدوم، بعرض ثروات بلاده على الرئيس دونالد ترامب مؤخرا، مقابل أي تراجع عن دعم السيادة المغربية على الصحراء.

هذه "الدبلوماسية"، التي تحكمها عقلية عسكرية، تتدخل مباشرة في الملفات الخارجية عبر جهاز استخباراتي يحمل اسم المديرية العامة للوثائق والأمن الخارجي، يعكس بوضوح شخصية رئيس أركان الجيش، السعيد شنقريحة، الصدامية والمتسرعة والتي تجاوزها الزمن، وهو ما يتضح مثلا من خلال إسقاط الطائرة المُسيرة التابعة للجيش المالي.

فالطائرة التي تم إسقاطها دون وجود حالة حرب بين البلدين أساسا، ودون احترم ضوابط الاشتباك، وحتى دون إنذار موجه إلى سلطات باماكو، اتضح أنها سقطت على بعد 9,5 كيلومترات خارج الأراضي الجزائرية، وأن الجزائر عجزت، طيلة 72 ساعة التي سبقت استدعاء سفيرها من قبل الحكومة الانتقالية المالية، عن إيجاد دليل يؤكد اختراق شريطها الحدودي، ما سهل انضمام النيجر وبوركينافاسو إلى مالي في سحب سفرائها من الجزائر العاصمة، في إطار التحالف الثلاثي بينها.

هذا الصدام، الذي أماط اللثام عن ضعف الجزائر في فهم قواعد الاشتباك العسكري، أبان أيضا عن سطوة شنقريحة على تدبير القضايا الخارجية، في مواجهة تبون، الذي يتصدر المشهد شكلا، لتبرير أي صدام خارجي، أمام منظومة عسكرية محكومة بإرث الماضي، خصوصا أمام المغرب والدول الداعمة له أو التي تربطها علاقات جيدة معه.

لكن أوجه الفوضى في تدبير القضايا الخارجية، لا تظهر قط على المستوى العسكري في تدبير ملف الحدود، بل أيضا على المستوى الاستخباراتي، فقضية اختطاف الناشط الجزائري المعارض "أمير دي زاد"، التي أشعلت الأزمة الجديدة مع باريس، أصبحت فضيحة حقيقية بعد دخول القضاء الفرنسي على الخط، والتحقيقات تمضي باتجاه أن للأمر علاقة بـ"إرهاب دولة".

واتضح أن العملية، التي تورط فيها مسؤول قنصلي جزائري، اعتُقد أنه تابع لجهاز المخابرات، تمت خلالها الاستعانة بـ"مُرتزقة" أجانب، أطلقوا سراح "أمير دي زاد" بعد اختلاف حول "الثمن" الذي كانوا سيتقاضونه، وفق الصحافة الفرنسية، وهو ما يذكر أيضا بفشل محاولة اختطاف الناشط المعارض الآخر، هشام عبود، في برشلونة الإسبانية.

هذا الفشل المخابراتي، حاولت الجزائر إخفاءه، ليس فقط وراء القرارات الحِدية، مثل إغلاق المجال الجوي بالنسبة لمالي، أو طرد 12 موظفا من السفارة الفرنسية، بل بتصريحات مفتقرة للباقة الدبلوماسية، فبالعودة إلى بيان الخارجية الجزائرية الصادر أول أمس السبت بخصوص قضية أمير دي زاد، نجد أنه تم وصفه بـ"المارق".

هذه اللهجة نجد مثلها كثيرا في الخرجات الإعلامية للمسؤولين الجزائريين حين يتعلق الأمر بقضايا خارجية، فيوم أمس الأحد قال وزير الدولة في الخارجية أحمد عطاف متحدثا عن توالي الاعترافات بمغربية الصحراء، أن ذلك يمثل "حرمانا علنيا للشعب الصحراوي، بكل وقاحة، من حقه في تقرير المصير".

هذه الصيغ لم يترفع عنها حتى رئيس الجمهورية، الذي سبق أن وصف الكاتب الجزائري الفرنسي بوعلام صنصال، أمام عدسات القنوات التلفزيونية، بأنه "لص مجهول الهوية والأب"، والذي لم يُنسَ بعدُ حديثه عن الإمارات العربية المتحدة، قبل عام، حين وجه إليها تهديدات شفوية دون أن يسمها، موردا أن "من أوقد نار الفتنة حلت به اللعنة"، في إشارة إلى رئيسها محمد بن زايد آل نهيان.

مَعاركنا الوهمية

من يُلقي نظرة على ما يُنتجه المغاربة من محتوى على مواقع التواصل الاجتماعي، يمكنه أن يخلص إلى قناعة ترتقي إلى مستوى الإيمان، بأن جزءًا كبير من هذا الشعب غارق في ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...