الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة: هناك ارتفاع في "الفساد" وتدهور في مؤشر "نزاهة الحكومة" والحرية الاقتصادية والعدالة الجنائية
رصدت الهيئة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة، تراجعا مهما في مؤشر مدركات الفساد خلال الأربع سنوات الأخيرة، محذّرة في الآن ذاته، من النتائج "الهزيلة"، التي تم تسجيلها في مـؤشر نزاهـة الحكومة والحرية الاقتصادية، والعدالة الجنائية، ما من شأنه التسبب في تراجـع الأداء الديمقراطي والضغوط المفروضـة عـلى الحريات المدنية والسياسية.
وتأكـد للهيئة، ضمن تقريرها السنوي، الذي قدمه رئيسها في ندوة صحافية بالعاصمة الرباط، أن المغرب بحصولـه عـلى درجـة 100/38 في مؤشر مدركات الفساد برسـم 2022، يكـون قـد تراجـع بخمـس 5 نقـط خـلال الأربـع سـنوات الأخيرة، مكرسـا مسلسل التراجـع في هـذا المـؤشر، والـذي انطلـق منـذ 2018 حين حصـل عـلى درجـة 100/43، ليتراجـع بدرجتين سنة 2019 بحصولـه عـلى 100/41، ثـم بـدرجـة واحـدة سنة 2020 بحصولـه عـلى 100/40، قبل أن يتراجع بدرجـة أخـرى سـنة 2021 بحصولـه عـلى 100/39، ثم درجة 38% في مؤشر مدركات الفساد خلال 2022.
وأبـرزت الهيئة، في تقريرها المذكور احتلال المغرب على المستوى العربي الرتبة التاسعة مسبوقا بـكـل مـن الإمـارات وقطر والسعودية وسلطنة عمان والأردن وتونس والكويت والبحرين، ومتبوعـا باثنتـي عـشرة دولة، وكـذا احتلاله مرتبـة وسـطى على المستوى الإفريقي، مسبوقا بإحـدى عـشرة دولـة.
وتأكد للهيئة أن التقاطعات بين ارتفاع معدلات الفساد بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وتراجـع الأداء الديمقراطي والضغوط المفروضـة عـلى الحريات المدنية والسياسية، تتقاطع معهـا نتائج مـؤشر الحرية التـي أكـدت التجـاوب السلبي للمغـرب مـع المـؤشرات الفرعية المتعلقة بالحقوق السياسية والمدنيـة، كما تتقاطع معهـا نتائـج مـؤشر الفعالية القضائيـة ومـؤشر نزاهـة الحكومة المتفرعـين عـن مـؤشر الحرية الاقتصادية، واللذيـن حقـق فيهـما المغرب نتائج هزيلة، وتتقاطع معهـا أيضـا النتائج السلبية المحققة في المؤشرات الفرعية المتعلقة بالعدالة الجنائية، وغياب الفساد والحقوق الأساسية والحكومة المنفتحـة، وهـي المـؤشرات المنبثقـة عـن مـؤشر سيادة القانـون.
ولم يفت الهيئة أن ترصـد تـطـور الفساد على المستوى الوطنـي مـن خـلال استقراء نتائج البارومتر العـربي الصادر في شهر أكتوبر 2022 حـول المغرب، والتـي جـاءت مؤكدة على استمرار التفشي الكبير للفساد، وعـلى ارتفاع مستوى الإدراك بتفاقمـه، بشكل خاص، في أوساط الفقر والهشاشة والبعـد عـن المركـز، بما يعني أن التكلفة الكبرى للفساد يتحمل أعباءهـا الأشخاص المنتمون إلى هذه الأوساط. ويشير البارومتر العربي إلى أن تجليات الفساد يمكـن تلمسها في الحقـوق الـتـي يـحـرم منهـا هـؤلاء في التعليم الجيـد والسـكن اللائق والرعاية الصحيـة وغيرهـا مـن الحقوق الأساسية.
ومـن زاوية المتابعـات القضائية، وقفـت الهيئـة عـلى بعـض المعطيات التي قدمهـا تقرير رئاسـة النيابة العامة برسـم سنة 2021، والذي أكـد ضبط 205 حالة تلبس بجريمة الرشـوة عـن طريـق الخـط المباشر منـذ انطلاق العمـل بـه؛ وهـي حـالات تهـم العـديـد مـن القطاعـات وتتعلـق أساسا بأعـوان ورجال السلطة، والجماعات الترابية، والـدرك الملكي والأمن الوطني والمياه والغابات والوقاية المدنية والقوات المساعدة، والصحة، والعـدل، والتجهيز والنقل، ومستخدمين بالقطاع الخـاص.
وبالنسبة لجرائم الفساد المعروضـة أمـام أقسام الجرائم الماليـة، أكـد تقرير رئاسة النيابة العامـة 2021 أن عـدد القضايا الرائجة بأقسـام الجرائم الماليـة بلغ 783 قضيـة، بتسجيل انخفاض بلغ معدلـه 47,30 بالمائة مقارنة مع 2020 التـي بلغ فيهـا عـدد القضايا الرائجة بأقسام الجرائم الماليـة مـا مجموعـه 1486 قضيـة.
ونبّهت الهيئة، في سياق رصدهـا لضعـف المتابعـات في قضايا الفساد، إلى ضرورة تجـاوز الإكراهـات التـي تشكل كوابـح حقيقيـة أمـام انخراط واع ومسـؤول لكافة المعنيين في القيام بواجـب التبليغ عـن أفعـال الفسـاد، مؤكـدة عـلى أن تحقيـق هـذا الانخراط الجماعـي، بقـدر مـا يـظـل رهينـا بتصحيـح الأعطـاب المرصـودة، بقـدر مـا يحتاج إلى توعية المواطنين بمخاطر الفساد وآثارهـا الفردية والجماعية الوخيمة، مع توفير أنـواع مـن الضمانات والحمايات لسائر المعنيين بالتبليغ، بمـا يقـوي محفزات التبليغ لديهم، ويحـول دون تحملهـم لأصنـاف مـن الأضرار عـلى خلفيـة هـذا التبليغ.
ورصـدت الهيئة، بخصـوص القضـاء المالي في شقه المتعلق بالقضايا ذات الصلة بالتأديب المتعلق بالميزانية والشـؤون الماليـة، إصـدار المحاكم الماليـة لـ 104 قـرارا وحكـما بغرامـات بلغ مجموعهـا 4.741.500,00 درهـم، بالإضافة إلى الحكم بإرجـاع مـا مجموعـه 15.739.006,88 درهـم، مـع التأكيـد عـلى ارتبـاط أغلـب المؤاخـذات بالحـالات ذات الصلة بفـرض وتحصيـل المداخيـل وتنفيذ عقـود التدبير المفوض، وكـذا حـالات عـدم التقيد بقواعـد تنفيـذ النفقات العمومية وبالنصوص التنظيمية المتعلقة بالصفقات العمومية، وكـذا الإشهاد غير الصحيـح عـلى استلام مـواد وخدمات دون التأكد من مطابقتها للخصائص التقنية المتعاقـد بشأنها، والحصـول للغير على منافع نقدية غير مبررة.
وبخصوص الأفعال التي اعتبرتهـا المحاكم الماليـة مستوجبة لعقوبة جنائية، فتتعلـق بتوجيـه مسـطرة إسناد طلبيات عمومية بشكل يخالـف مبـادئ المساواة والمنافسة في ولـوج الطلبيات العمومية، والمبالغة في أثمـان الطلبيات العمومية، وأداء نفقات في غيـاب العمـل المنجـز (الحـوالات الصورية)، وتقديـم حسـابات غير صحيحة، واستعمال ممتلكات جهـاز عمومـي لأغراض شخصية، واقتناء معـدات في غياب حاجـة حقيقيـة.
وقد نبهت الهيئة في سياق استعراض معطيات المحاكم المالية، إلى الإشكالية التي لم يفتأ المجلس الأعلى للحسابات يؤكـد عليهـا، منـذ دخـول مدونة المحاكم الماليـة حيز التنفيذ، والمتعلقة بمحدودية التوصـل بطلبات في شـأن القضايا ذات الصلة بالتأديب المتعلـق بالميزانية والشؤون الماليـة، مـن قبـل السـلطات المخـول لهـا إحالة القضايـا عـلى المجلـس.
كـمـا ثمنـت الهيئة التوجـه الـذي اعتمدته رئاسـة النيابة العامـة بإعـادة قـراءة تقارير المحاكم الماليـة لاستنباط القضايا المحتملة للفساد وتبليغها إلى النيابات العامة المختصة، مع التعليمات الكتابيـة بشـأنها، مؤكدة على أهمية التنصيـص القانـوني عـلى الإحالـة مـن طـرف السلطة القضائية إلى المحاكم الماليـة للقضايـا التـي يمكـن أن تتوفر فيهـا قـرائـن التأديـب المـالي أو التدبير بحكـم الواقـع.
ومواصلة منها لتعميـق المعرفة الموضوعية بظاهرة الفساد على المستوى الوطني، قامت الهيئة بتحيين معطيات الدراسـة التـي أنجزتهـا بخصـوص تحليـل وقراءة المعطيات التفصيليـة التـي توفرهـا المصـادر والبيانات الأصلية التي تشكل أسـاس بـنـاء مـؤشر إدراك الفساد؛ حيث تأكد أن المغرب سجل، ما بين 2021و2022، استقرارا على مستوى التنقيط بالنسبة لمعظـم (7/5) مصـادر البيانات باستثناء مصدرين اثنين (02) وهـمـا مصـدر البيانات المتعلق بمشروع أنماط الديمقراطية (V-Dem)، الذي سجل فيـه المغـرب تراجعا كبيرا ب (10) نقاط؛ حيث انتقلت الدرجـة مـن نقطـة سـنة 2021 إلى 37 نقطـة سـنة 2022، ومصدر البيانات المتعلق بالمنتدى الاقتصادي العالمي (WEF) الذي انخفضـت فيـه درجـة المغـرب بمقـدار تسع (9) نقاط في عام 2022 مقارنة مع 2020، مـن 52 إلى 43.كما أن تنقيط المغـرب عـرف أيضـا تراجعـا طفيفا على مستوى مؤشر سيادة القانـون خصوصـا العامـل المتعلق بتقييـم مسـتوى الفساد.
ولإبراز تراجـع المغرب في مـؤشر أنماط الديمقراطية، رصـدت الدراسة التراجعـات المسجلة مـا بين 2019 و2022 في مؤشراته الفرعيـة الأربعـة التـي تـهـم مـؤشر فسـاد القطاع العام، والذي تراجـع فيـه المغرب بـ 17 نقطـة، ومؤشر الفساد في السلطة التنفيذية، والذي تراجـع فيـه بـ 10 نقط، ومـؤشر الفساد في السلطة التشريعية، والذي تراجـع فيـه بـ 8 نقط، ومؤشر الفساد في السلطة القضائيـة والـذي تراجـع فيـه بـ 7 نقط.