اليسار العالمي لم يعد ملاذا لها.. البوليساريو تفقد دعم حكومات "يسارية" لصالح مقاربة المغرب لحل نزاع الصحراء

 اليسار العالمي لم يعد ملاذا لها.. البوليساريو تفقد دعم حكومات "يسارية" لصالح مقاربة المغرب لحل نزاع الصحراء
الصحيفة – محمد سعيد أرباط
الثلاثاء 10 يونيو 2025 - 21:34

في تحوّل لافت على مستوى تموقع القوى اليسارية العالمية من نزاع الصحراء، باتت العديد من الحكومات الاشتراكية واليسارية، على غرار حكومة بريطانيا الجديدة برئاسة كير ستارمر، تُعلن صراحة دعمها لمقترح الحكم الذاتي المغربي كحل واقعي لإنهاء النزاع الإقليمي، في تراجع واضح عن الاصطفاف "الأوتوماتيكي" السابق الذي كانت تتخذه حكومات ذات مرجعية يسارية مع جبهة البوليساريو التي كانت لعقود تُقدَّم على أنها حركة تحرر.

الموقف البريطاني الذي اعتبر الحكم الذاتي "الأساس الأكثر مصداقية وقابلية للتطبيق من أجل تسوية براغماتية دائمة للنزاع"، جاء بعد خطوة مماثلة من حكومة إسبانيا الاشتراكية بقيادة بيدرو سانشيز، وعدد من الدول الإفريقية وأمريكا اللاتينية ذات المرجعيات اليسارية، ما يطرح تساؤلا حول ما إذا كان اليسار العالمي قد بدأ يتخلى عن شعارات البوليساريو ويُدرك حقيقة المشروع الانفصالي.

في هذا السياق، قال محمد سالم عبد الفتاح، رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان، في تصريح لـ"الصحيفة"، إن "دوائر اليسار العالمي بدأت تكتشف حقيقة البوليساريو بعيدا عن دعاية التحرر والتقدم التي لطالما وظفتها الجبهة لتسويق مشروعها الانفصالي".

وأضاف عبد الفتاح الملم بشكل جيد بملف الصحراء حيث كان أحد المنتمين للبوليساريو سابقا، أن هذا المشروع لم يكن يوما تحرريا كما تدعيه الجبهة، بل هو مشروع رجعي يقوم على العصبية القبلية والعرقية، ويغيب فيه الحد الأدنى من الحريات، ويُسجّل انتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان، فضلا عن تقاطعه مع شبكات الإرهاب والجريمة المنظمة.

وأشار المتحدث نفسه إلى أن اليسار العالمي اليوم يتحرر تدريجيا من إرث الحرب الباردة، الذي شكّل أرضية للاستقطاب الدولي، وهي الفترة التي عكف خلالها خصوم المغرب، على استقطاب دول لصفها، عبر تشويه صورة المملكة، قبل أن يراجع اليسار توجهاته وبات يتجه اليوم نحو الاعتدال، وهو تحول سمح له باكتشاف الحقيقة في ملف الصحراء.

هذا التحول، حسب عبد الفتاح، لا يعود فقط إلى تآكل مشروعية البوليساريو، بل أيضا إلى تطور النموذج المغربي في الأقاليم الجنوبية، والذي أصبح يستند إلى شرعية ديمقراطية وحقوقية، تُجسّدها نسبة المشاركة المرتفعة في الانتخابات المحلية، والنشاط المدني الكثيف لأكثر من سبعة آلاف جمعية.

ولفت رئيس المرصد الصحراوي للإعلام وحقوق الإنسان في هذا السياق إلى أن هذا المناخ السياسي المنفتح في الصحراء يتناقض كليا مع واقع القمع في مخيمات تندوف، حيث تُمنع الأحزاب والجمعيات، وتُقيد حرية التنقل، ويُصادر الرأي المعارض، في ظل غياب رقابة قانونية أو دولية حقيقية على ما يجري داخلها.

وأشار عبد الفتاح إلى أن مقاربة المغرب في السياسة الخارجية، والتي تُدرج قضية الصحراء كأولوية مركزية من خلال ما يُعرف بـ"نظارة الصحراء"، ساهمت في إعادة تشكيل مواقف الشركاء، بما فيهم الحكومات اليسارية التي باتت مجبرة على التعاطي مع السيادة المغربية كواقع مفروض سياسيا وتنمويا.

وأضاف في هذا الإطار إلى أن الخطاب الملكي العقلاني والحازم في الآن ذاته، فرض على شركاء المغرب — حتى التقليديين منهم — إعادة التفكير في تموقعهم تجاه قضية الصحراء، خصوصا في ظل ما حققته المملكة من إشعاع إقليمي ودولي، يتجاوز البعد الجغرافي إلى التأثير السياسي والاقتصادي.

هذا وتجدر الإشارة إلى أن الأممية الاشتراكية نفسها، التي كانت إلى وقت قريب تمثل معقلا لدعم البوليساريو، قبلت مؤخرا بانضمام حركة "صحراويون من أجل السلام" كممثل صاعد للصحراويين، ما يُعد مؤشرا واضحا على تراجع هيمة البوليساريو على تمثيل الصحراويين داخل منظومة اليسار العالمي.

وفي ظل هذه التطورات، يرى الكثير من المهتمين بقضية الصحراء أنه لم يعد ممكنا الاستمرار في تقديم البوليساريو كحركة تحرر، بل أصبحت العديد من العواصم اليسارية تُدرك أن دعم الجبهة لا يعني سوى دعم وضع استبدادي مغلق، تغذيه الجزائر خدمة لأجندات إقليمية تتقاطع مع محاور دولية غير مستقرة، وهو ما يدفع اليوم العديد من الحكومات ذات التوجه اليساري إلى اتخاذ مواقف لصالح واقعية المغرب لحل هذا النزاع وإنهاء معاناة المحتجزين في تندوف.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

النظام الجزائري.. أسير الشيخوخة وإرث الماضي وأحقاده

حين بث التلفزيون الرسمي الجزائري مشاهد استقبال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لنظيره الرواندي بول كغامي، يوم 3 يونيو 2025، كان في حقيقة الأمر، ودون أن يدري، يضع الرَّجُلين في ...