بعدما اتّهمته الرباط بالوساطة بين "حزب الله" والبوليساريو.. موسوي لـ "الصحيفة": طهران لن تعترف بالبوليساريو.. وهناك أطراف إقليمية تخشى من أي تقارب بين إيران والمغرب
وسط موجة من التكهنات حول وجود قنوات دبلوماسية خلفية بين الرباط وطهران، تُمهّد الطريق لإعادة بناء العلاقات بين البلدين بعد قطيعة استمرت منذ عام 2018، كشف أمير موسوي، الدبلوماسي الإيراني والملحق الثقافي السابق في الجزائر، في تصريح لـ"الصحيفة" عن تفاصيل ما وصفه بـ"التقارب التاريخي" المرتقب بين الرباط وطهران، مشيرا إلى أن "نضج" شروط هذا التقارب جاءت بفضل تداعيات الحرب في غزة ولبنان، التي أسهمت في تفعيل قنوات تواصل مباشرة وغير مباشرة بين الطرفين، في خطوة وصفها "بالجريئة" من شأنها "زعزعة حسابات أطراف إقليمية" تخشى تحول هذا التقارب إلى تهديد استراتيجي لمصالحها، مشدّدا على أن اعتراف إيران بـ"البوليساريو" أمر مستبعد تماماً بالنظر إلى أولويات السياسة الخارجية الإيرانية.
أمير موسوي، الذي وُجهت إليه سابقاً "اتهامات" من الحكومة المغربية بدور الوسيط بين "حزب الله" وجبهة "البوليساريو" الانفصالية، قبيل قرار قطع العلاقات بين الرباط وطهران في ماي 2018، أكد في تصريح خصّ به "الصحيفة" أن العلاقات بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمملكة المغربية كانت دوماً، وتاريخيا تتسم بـ"الود والاحترام المتبادل"، غير أن التوترات التي شهدتها منطقة غرب آسيا وقتها، ولا سيما الصراع الإقليمي بين الرياض وطهران، أفضت إلى تعكير صفو هذه العلاقة وقطعها، في سياق إقليمي بالغ التعقيد.
وأوضح موسوي ضمن التصريح ذاته، على اتهامه المباشر من طرف الرباط بالوقوف وراء تقديم الدعم لجبهة البوليساريو الانفصالية من موقعه الديبلوماسي بسفارة إيران في الجزائر، موردا بالقول: "بطبيعة الحال، واجهتُ اتهامات من الجانب المغربي خلال فترة عملي كدبلوماسي في سفارة إيران بالجزائر، حيث نُسبت إليّ مزاعم أسهمت في توتر العلاقات بين الرباط وطهران وقطعها لاحقًا"، ومع ذلك يوكد موسوي "أؤكد أن تلك الاتهامات كانت بلا أساس، بل مجرد حملة تجييش قادتها أطراف خارجية"، مضيفا: "ومع أنه تم بالفعل قطع العلاقات، إلا أنه ظلت الرغبة في التقارب قائمة منذ ذلك الحين، واليوم بدأت فعليا الاتصالات المباشرة وغير المباشرة بين الرباط وطهران لترميم العلاقة، وقد اكتسبت زخمًا ملحوظًا عقب استئناف العلاقات بين الرياض وطهران.
وأشار الديبلوماسي الإيراني السابق أن "العدوان الإسرائيلي على غزة ولبنان، عزز تلك الاتصالات في ظل الدور المحوري للمملكة المغربية بصفتها رئيسة لجنة القدس واهتمامها الكبير بمستجدات المنطقة، وهذه التطورات أظهرت رغبة جادة وملموسة لإعادة "تطبيع" العلاقة بين البلدين."
وفي رده على سؤال "الصحيفة" حول طبيعة التواصل المباشر وغير المباشر بين الرباط وطهران، أوضح أمير موسوي، المقرب من دوائر القرار في طهرات في أول خروج له مع صحيفة مغربية، أن هناك اتصالات بدأت بصورة غير مباشرة وتطورت تدريجياً إلى أن توجت بلقاءات بين وزيري خارجية البلدين، مشيرا إلى أن هذه الرغبة المشتركة، إذا ما تُرجمت إلى خطوات عملية ملموسة، قد تؤدي إلى استعادة العلاقات بين البلدين في أقرب وقت" مشيرا إلى أن "المملكة المغربية، بما لها من وزن استراتيجي في المنطقة، والجمهورية الإسلامية الإيرانية، بما تحمله من نفوذ إقليمي، تجمعهما مصالح مشتركة تفوق بكثير نقاط الخلاف، مما يجعل التفاهم على صيغة لإعادة العلاقات خطوة ذات منفعة متبادلة للشعبين والبلدين على حد سواء".
وعندما سألته "الصحيفة" عن سبب قطع المغرب علاقاته بإيران، والاتهامات التي وجّهها المغرب لإيران بشأن دعمها لجبهة البوليساريو، أجاب الدبلوماسي الإيراني قائلاً: "أقول لك بصراحة، رغم أن المغرب قطع علاقاته مع إيران ووجه إليها العديد من الاتهامات، كان بإمكان إيران أن تعلن دعمها لجبهة البوليساريو أو أن تتدخل بشكل مباشر في ملف الصحراء، أو حتى أن تساند موقف الاتحاد الإفريقي، لكن مع ذلك، اختارت طهران أن تتحفظ وتلتزم الصمت احترامًا للإرادة الموجودة والعلاقة التاريخية بين البلدين، لذلك، أعتقد أن تلك الاتهامات لا أساس لها من الصحة ولم تُثبت"
هذا الاتجاه، وفي النهاية، أعتقد أن الحكمة ستنتصر، ويعني هذا أن قادة البلدين، سينظران إلى مصالحها الوطنية والمحلية، وإلى البعد الاستراتيجي في مثل هذه العلاقات، وعلى الجميع تفويت الفرصة على أعداء الأمة، لبدء حوار جاد و تفاهم لأن أي مشكل ممكن حله بالحوار ما دامت دولتين إسلاميتين ودولتين في نفس المنطقة، ولديهما المصالح الكثيرة المشتركة".
وزاد الدبلوماسي الإيراني بالقول: "أعتقد أن مواقف إيران معروفة وثابتة؛ فهي لا تلجأ إلى السرية في تصرفاتها، بل تعلن عنها بوضوح، إذا كانت إيران ترغب في اتخاذ أي موقف أو دعم أي جهة، فإنها تفعل ذلك علنًا، كما هو الحال في دعمها المستمر للمقاومة الفلسطينية، وحزب الله في لبنان، والحكومة في صنعاء، والحشد الشعبي في العراق، كل ذلك بقوة ودون تردد، طهران لا تخشى من مواجهة أي طرف في هذا الصدد، لذلك، لو كانت ترغب في التدخل في ملف الصحراء المغربية، لكانت أعلنت ذلك بصوت عالٍ، إذ لا يوجد سبب يجعل المغرب يشكل أي تهديد لإيران. وبالتالي، فإن هذه الاتهامات غير صحيحة، وواهية، ولم يتم إثباتها حتى الآن، وأولئك الذين يروجون لها لم يقدموا أي دليل يدعم مزاعمهم."
وعاد موسوي، ضمن التصريح ذاته الذي خصّ به "الصحيفة" ليوضح الاتهام الذي وجهته الرباط إليه بدعم الجبهة الانفصالية، قائلاً: "لقد تم اتهامي بذلك، وأنا كنت المستشار الثقافي في الجزائر في تلك الفترة، لكن لم يُثبت شيء من هذا القبيل، ولم تقدم الحكومة المغربية أي دليل يثبت تلك الادعاءات، وهذا يعني أن هناك أطرافاً في فرنسا، وفي لندن، وكذلك في منطقة غرب آسيا والشرق الأوسط، يتربصون ويحاولون إبعاد المغرب عن هذا التقارب، لأنهم يدركون أن أي تقارب بين المغرب وإيران يشكل تهديدًا لأعداء الأمة العربية والإسلامية"، مضيفا: "أعتقد أن أي تفاهم بين الجمهورية الإسلامية الإيرانية والمغرب سيكون في صالح شعوب المنطقة، ولصالح الدولتين، ولصالح الموقف العربي والإسلامي بشكل عام''.
من جهة ثانية، يرى موسوي أن العلاقة بين الرباط وطهران، يمكن أن تساهم في تحسين الأجواء بين المغرب وجارته الجزائر سيّما في ظل العلاقات الطيبة التي تجمع طهران بها، تماما كما "قد تساهم أيضًا في إصلاح العلاقات بين الجمهورية الإيرانية وجيرانها في المنطقة" وفق تعبيره مضيفا: "من هنا، يمكن لإيران أن تلعب دورًا أساسيًا في تهدئة الأوضاع في شمال إفريقيا، سواء مع الجزائر أو تونس أو موريتانيا، وكذلك يلعب المغرب دورا في ترطيب الأوضاع بين طهران وبعض العواصم العربية، وقد يمتد هذا الدور ليشمل أيضًا العواصم الأوروبية الغربية، مما يساهم في خلق أجواء طيبة على نطاق أوسع، بحكم علاقاته الوازنة مع هاته الدول".
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :