بعد أن أبدى استغرابه من الوعود الانتخابية.. التجمعيون يصفون تصريحات والي بنك المغرب بـ"الانحراف الخطير"
لم يستطع حزب التجمع الوطني للأحرار، المشارك في الائتلاف الحكومي الحالي والذي يعلن رئيسه، عزيز أخنوش، رغبته في ترؤس الحكومة المقبلة، أن يسكت طويلا عن تصريحات والي بنك المغرب عبد اللطيف الجواهري الصادرة مؤخرا، والتي انتقد فيها مبالغة الأحزاب السياسية في إطلاق الوعود وعجزها عن تنفيذها، حيث وصف الحزب، في بلاغ أصدره اليوم الجمعة، تلك التصريحات بـ"الانحراف الخطير".
حزب التجمع الوطني للأحرار، الذي أطلق خلال الأسابيع الماضية سيلا من الوعود خلال حملته الانتخابية، بدا وكأنه شعر بأن كلام الجواهري يعنيه مباشرة، وألمح إلى أنه كان يفضل أن "يصمت" رجل المال والاقتصاد الثمانيني عن الواقع السياسي المغربي حين أورد أن تصريحاته "بعيدة كل البعد عن مهام مؤسسة بنك المغرب، وعن واجب التحفظ الذي يقيد عمل رئيسها ومهامه، وينأى به عن الخوض في القضايا السياسية".
واعتبر التجمعيون أن الجواهري "أدلى بتصريحات تسيء للأحزاب السياسية، وتهين الفاعلين السياسيين وتقوض البناء المؤسساتي للمملكة، وتضرب في العمق الخيار الديمقراطي"، وأن لها "تأثيرا سلبيا مباشرا عميقا في تقويض منسوب الثقة في الأحزاب السياسية، وتقوية العزوف الانتخابي وتداعياته السلبية على الاستحقاقات الانتخابية المقبلة، لا سيما أن الأمر يتعلق بالسيد والي بنك المغرب وبمؤسسته التي تتمتع بكثير من المصداقية بفضل ابتعادها عن الخوض فيما لا يدخل في صميم اختصاصاتها لاسيما القضايا ذات الطبيعة السياسية"، على حد وصف بلاغهم.
وتابع الحزب أنه "أمام جسامة هاته التصريحات التي أخذت منحى يعاكس ما أقرته بلادنا من إصلاحات دستورية وسياسية، وما توافقت عليه من مسارات تخدم التعاقدات السليمة بين المواطنين والأحزاب السياسية" يعلن "استغرابه من سياق هذه التصريحات الغريبة عن مؤسسة بنك المغرب ومجال تدخلها".
ووأورد الحزب أيضا أنه "يشجب هذه التصريحات المسيئة للأحزاب السياسية وللعمل السياسي ببلادنا المؤطر دستورا"، و"يندد بهذا الانحراف الخطير وغير المبرر في سلوك رئيس هذه المؤسسة العريقة"، داعيا إلى "صيانة هذه المؤسسات من مثل هذه الانزلاقات التي لا تخدم أي طرف بل تزرع التشكيك في عمل الهيئات السياسية وقدرتها على أداء مهامها كاملة"، على حد تعبيره.
ويأتي رد فعل التجمعيين بعد أن أطلق عزيز أخنوش، الأمين العام للحزب ووزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، مؤخرا، سيلا من الوعود الانتخابية، أبرزها خلق مليون منصب شغل وأداء 1000 درهم لجميع المغاربة الذي تتجاوز أعمارهم 65 عاما وتقديم 300 درهم لكل طفل متمدرس في حدود 3 أطفال، إلى جانب الرفع من أجرة التعليم الابتدائي لتنطلق من 7500 درهم.
وكان الجواهري قد تطرق إلى الوعود الانتخابية التي صارت تطلقها الأحزاب السياسية المغربية مؤخرا بعد اقتراب موعد انتخابات 2021، موردا أن مثل تلك الوعود موجودة تُطلق تزامنا مع الاستحقاقات في كل دول العالم، لكن على الناخب أن يراقب ما إذا كان المنتخبون قد أوفوا بوعودهم أم لا، وأضاف أن مشكلة تكمن في التكوين السياسي، مشددا على أن الأحزاب والنخب السياسية يجب أن "تُسَاءل".
وأورد والي بنك المغرب "أنا أستغرب حين يتحدث برنامج حكومي عن تحقيق إنجازات في كل القطاعات دون استثناء ودون أولويات، والسؤال، كيف سنفعل ذلك لأن المشكلة مشكلة إمكانيات"، ليخلص إلى أن المشكلة الأساسية التي يتسبب فيها عدم الوفاء بالوعود هي "فقدان الثقة من طرف المواطنين في السياسيين وحتى في القطاع العام".
ووفق الجواهري فإن "الثقة أساس كل شيء، وتُبنى على الأمن والاستقرار الموجودان في المغرب لأن الذي يضمنهما هو الملك"، وتابع "المشكلة الآن هي أن الجميع صار يلجأ للملك، حتى السياسيون، فهل من المعقول أن يقوم بكل شيء؟"، لينبه إلى أن عزوف المواطنين عن المشاركة في الانتخابات انعكاس لذلك وسببه "عدم ثقة الناس في الأحزاب".
وتكمن قوة تلك التصريحات في كونها صادرة، بدون تحفظ، عن الرجل الذي يوصف بأنه "العقل المالي للمملكة"، وهو الرجل الذي يقود برنامج الإلغاء التدريجي لنظام الصرف الثابت وتحرير صرف الدرهم المعروف بـ"التعويم"، كما أنه مشهود له دوليا بقدراته العالية في المجال المالي، إذ حصل سنة 2020 على أعلى تنقيط لمحافظي البنوك المركزية من طرف مجلة "غلوبال فايننس" للسنة الرابعة على التوالي، بعدما كان قد اختير سنة 2019 كأفضل محافظ لبنك مركزي في إفريقيا من طرف مجلة "ذا بانكر" البريطانية.