بعد اتفاق الربط الكهربائي بين الرباط ونواكشوط.. جبهة البوليساريو الانفصالية "تهدد" بفتح "أبواب النار" على موريتانيا
تبدو الدينامية التي تشهدها العلاقات المغربية الموريتانية في الآونة الأخيرة، خاصة بعد توقيع مذكرة تفاهم في قطاعي الكهرباء والطاقة المتجددة، بما في ذلك مشروع الربط الكهربائي بين البلدين، بمثابة خطوة استراتيجية تحمل في طياتها أبعادًا سياسية هامة، لم تقتصر آثارها على القلق الجزائري، بل دفعت جبهة البوليساريو إلى الشعور بالتهديد على مصالحها والعزلة الاقليمية، مما جعلها ترد بتصريحات أمنية تصعيدية، متوعدة بـ "فتح أبواب النار" في حال وصل التعاون بين المغرب وموريتانيا إلى حد فتح معبر حدودي بين السمارة في إقليم الصحراء المغربية وبير أم كرين شمال موريتانيا.
وتواصل جبهة البوليساريو الانفصالية، تهديد استقرار المنطقة بشكل خطير، حيث أطلقت تصريحات تهدد فيها موريتانيا بشكل صريح، على خلفية مسار التعاون الاستراتيجي المتزايد بينها وبين المملكة المغربية، فبحسب ما نقلته صحيفة LA RAZON الإسبانية، حذر القيادي في الجبهة، البشير مصطفى السيد، من أن "أبواب النار ستفتح" على موريتانيا إذا وصل التعاون بين الرباط ونواكشوط إلى حد فتح معبر حدودي بين السمارة في إقليم الصحراء المغربية وبير أم كرين شمال موريتانيا.
واعتبر القيادي في الجبهة الانفصالية، أن هذا الإجراء يعني اعترافًا ضمنيًا من موريتانيا بالحدود التي يطالب بها المغرب، وهو ما من شأنه أن يسحب الاعتراف بالبوليساريو ويقحم موريتانيا في صراع إقليمي قد يعصف باستقرارها، وفق تقديراته التي أظهر من خلالها المخاوف المتصاعدة للجبهة الانفصالية بانضمام وشيك للاعتراف بمغربية الصحراء على غرار العديد من الدول حول العالم بما فيها فرنسا وإسبانيا.
وهذه التهديدات الأخيرة ليست الأولى من نوعها، بل تأتي في سياق طويل من التصعيدات التي أطلقتها جبهة البوليساريو ضد موريتانيا في الأشهر الماضية، ففي مرات عديدة سابقة، وجهت البوليساريو تهديدات تتراوح بين التصعيد العسكري والتهديدات الأمنية، بما في ذلك التلميح بالقيام بعمليات إرهابية تستهدف مصالح موريتانية، وهو ما يضيف تهديدًا جديدًا للسلام والأمن في المنطقة، ما يعكس أن الجبهة الانفصالية تستخدم التهديدات الأمنية كورقة ضغط ليس فقط ضد المغرب، بل ضد أي دولة تسعى للانفتاح على الرباط في إطار اتفاقات استراتيجية أو تجارية.
ومن الناحية الأمنية، تُظهر هذه التصريحات تطورًا خطيرًا في أساليب جبهة البوليساريو التي باتت تهدد ليس فقط بالقتال التقليدي، بل بالتصعيد عبر الأعمال العدائية ضد موريتانيا، كما أنها تسعى لزعزعة أمن الدول المجاورة، وبالتالي، فإن أي خطوة تتخذها موريتانيا نحو مزيد من التعاون مع المغرب تُعد في نظر البوليساريو بمثابة تصعيد يستدعي "ردًا" مباشرًا، وهو ما يرفع من مستوى التوترات الأمنية في منطقة هشة أصلًا، والتي تعاني من تحديات كبيرة تتعلق بالاستقرار السياسي والاقتصادي.
وهذا التوجه من البوليساريو يضع موريتانيا في موقف حساس للغاية، حيث تزداد الضغوط عليها لتحديد موقفها بين تأكيد تحالفاتها الاستراتيجية مع المغرب أو الاستجابة لهذه التهديدات التي قد تنطوي على عواقب أمنية شديدة.
وبناءً على ذلك، لا يمكن النظر إلى تهديدات القيادي في الجبهة الانفصالية على أنها مجرد تصريحات عابرة، بل هي مؤشرات على تحول في استراتيجية البوليساريو التي تسعى إلى التصعيد الأمني بكل الوسائل المتاحة، وهي خطوة قد تفتح المجال أمام صراعات أمنية لا تتوقف عند حدود موريتانيا، بل قد تؤثر في الاستقرار الإقليمي بشكل عام، وتدفع المنطقة نحو المزيد من التوترات والصراعات التي قد تكون لها انعكاسات على الأمن الإقليمي والدولي.
وتشكل التهديدات المتكررة التي تطلقها جبهة البوليساريو ضد موريتانيا مصدر قلق متزايد داخل البلاد وخارجها، حيث تُثير هذه التصريحات مخاوف لدى أنصار الجبهة في موريتانيا، سواء في أوساط السياسيين أو المواطنين الذين يربطهم ولاء واضح للجبهة الانفصالية.
وهؤلاء الأنصار شنوا حملة انتقادات واسعة ضد رئيس الجمهورية، محمد ولد الشيخ الغزواني، على خلفية التقارب المستمر بين موريتانيا والمملكة المغربية، خصوصًا بعد توقيع اتفاقية الربط الكهربائي الأخيرة بين البلدين، وهو ما يراه هؤلاء أنه يهدد الموقف التقليدي لموريتانيا من قضية الصحراء، وهو موقف كان يضعها على مسافة واحدة من أطراف النزاع، ويستند إلى "الحياد الإيجابي" الذي لطالما حافظت عليه في السياسة الخارجية.
وفي هذا السياق، أصدر حزب اتحاد قوى التقدم، وهو حزب يساري موريتاني مقرب من جبهة البوليساريو، بيانًا شديد اللهجة ضد هذه الاتفاقية وغيرها من المشاريع التي يجري التفاوض بشأنها مع المغرب، فرغم أن الحزب لا يملك تمثيلًا في البرلمان ولا يشكل قوة شعبية، إلا أن له حضورًا سياسيًا في بعض الأوساط المتعاطفة مع البوليساريو، وفي بيانه، انتقد الحزب بقوة اتفاقية الربط الكهربائي، معتبرًا أنها "تفتقر إلى الواقعية" لأنها تتجاهل، حسب رأيه، قضية الصحراء مؤكدا أن هذه الاتفاقيات قد تمهد الطريق لتورط موريتانيا في صراع كانت قد انسحبت منه منذ عقود، مما قد يتعارض مع موقفها التقليدي من النزاع.
وفي تحليله لهذا الموقف، ذهب الحزب الذي سبق له أن استقبل البشير مصطفى السيد، القيادي في جبهة البوليساريو، بنواكشوط، وهو شخصية متهمة بقتل عشرات الموريتانيين في سجون البوليساريو خلال فترة الحرب بين 1975 و1978، (ذهب) إلى أبعد من ذلك، حيث اعتبر أن هذه الخطوات تؤدي إلى التخلي عن "الحياد الإيجابي" الذي طالما ميز سياسة موريتانيا تجاه النزاع في الصحراء، واعتبر أن ذلك يُعد "إجراءً مخزيًا ومهينًا" بحق البلاد، خصوصًا بعد أن قام وزير الطاقة والحكومة الموريتانية بتوقيع هذه الاتفاقيات، وهو ما اعتبروه "انتهاكًا صارخًا لمصداقية وكرامة البلاد".
وكان المغرب وموريتانيا، قد وقعا الخميس الماضي بالرباط، على مذكرة تفاهم لتطوير الشراكة في قطاعي الكهرباء والطاقات المتجددة بين البلدين.
وتشكل مذكرة التفاهم، التي وقعتها وزيرة الانتقال الطاقي والتنمية المستدامة، ليلى بنعلي، ووزير الطاقة والنفط الموريتاني، محمد ولد خالد، خطوة محورية لتسريع التعاون بين المغرب وموريتانيا في مجالات الكهرباء والطاقات المتجددة، وتشمل تنفيذ مشاريع لتزويد القرى بالكهرباء، وتعزيز مبادرات الطاقة النظيفة، بالإضافة إلى العمل على توحيد الأنظمة الكهربائية القياسية بين البلدين، كما يتضمن هذا التعاون تبادل الخبرات والتقنيات وأفضل الممارسات في مجال إدارة الشبكات والسلامة الكهربائية، فضلا عن تعزيز الكفاءات البشرية من خلال برامج تدريبية مشتركة.
وتهدف مذكرة التفاهم هذه أيضا إلى المساهمة في تحقيق أمن الطاقة، وتنويع مصادرها، ودراسة إنجاز مشروع ربط كهربائي يعزز استقرار الشبكات، ويحسن إمدادات الكهرباء. وبهذه المناسبة، أبرزت بنعلي أن توقيع هذه المذكرة شكل "مناسبة لتكريس مرحلة جديدة للتعاون بين الوزارتين، وأيضا بين مؤسسات القطاعين العام والخاص في موريتانيا وفي المغرب، التي تشتغل في قطاعات حيوية تهم أساسا مجال الطاقة، بما في ذلك الطاقات المتجددة والهيدروجين الأخضر والتنمية المستدامة".
وأشارت بنعلي، في تصريح للصحافة، إلى وجود مجموعة من المؤهلات التي يشتغل عليها البلدين والمكتسبات، والتي ستمكن من تطوير العديد من المشاريع التي من شأنها تعزيز تنمية اقتصادية واجتماعية مستدامة وتقوية الاندماج الجهوي بين القارتين الأوروبية والإفريقية تكريسا لمكانة إفريقيا في النمو الاقتصادي العالمي.
من جهته، قال الوزير الموريتاني إن مذكرة التفاهم تجسد الأخوة والعلاقات المتميزة التي تجمع بين البلدين، مؤكدا بالقول "نحن هنا للعمل على الرقي بعلاقاتنا إلى مستوى طموحات قائدي البلدين" الملك محمد السادس ورئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية، محمد ولد الشيخ الغزواني.
وسجل ولد خالد، في تصريح مماثل، أن المغرب وموريتانيا يتمتعان بمؤهلات هائلة تسمح لهما بأن يكونا في صدارة الدول في مجال الطاقات المتجددة والكهرباء، مؤكدا أن "المستقبل واعد والفرص كثيرة والرؤية واضحة، وسيتم إنجاز كل ما تم الاتفاق عليه". وتم كذلك خلال هذا اللقاء التطرق إلى مشاريع استراتيجية كبرى مثل مشروع أنبوب الغاز الرابط بين المغرب ونيجيريا ومشاريع الطاقات الجديدة كالهيدروجين الأخضر.
وقد أكد الطرفان على أن العلاقات بين المغرب وموريتانيا تقوم على رؤية مشتركة تركز على التنمية المستدامة وتعكس إرادة البلدين في تعزيز مكانة إفريقيا كقارة تمتلك إمكانات معتبرة للنمو والازدهار. وتندرج زيارة العمل التي يقوم بها وزير الطاقة والنفط الموريتاني إلى المغرب في إطار دينامية التشاور والتنسيق المستمر بين المملكة المغربية والجمهورية الإسلامية الموريتانية، بهدف تعزيز العلاقات الثنائية وتنميتها بما يحقق طموحات البلدين، وذلك تجسيدا لتوجيهات الملك محمد السادس، ورئيس الجمهورية الإسلامية الموريتانية محمد ولد الشيخ الغزواني.
وحضر هذا اللقاء، عن الجانب المغربي، المدير العام للمكتب الوطني للكهرباء والماء الصالح للشرب، والرئيس المدير العام للوكالة المغربية للطاقة المستدامة، والكاتب العام لقطاع الانتقال الطاقي، والكاتب العام لقطاع التنمية المستدامة، وعن الجانب الموريتاني بالخصوص المدير العام للكهرباء والطاقات المتجددة محمد المختار أحمد مولود.