بعد تأكيدها على مغربية الصحراء.. واشنطن تُقلص تمويلها السنوي للبعثات الأممية بما يشمل "المينورسو"
لم تعد مسألة خفض إنفاق الولايات المتحدة الأمريكية على المنظمات والبعثات الأجنبية، مجرد توقعات، بل أصبحت حقيقة ملموسة مع صدور مذكرة رسمية عن الإدارة الأمريكية، تفيد بتقليص الإنفاق الدولي لواشنطن إلى النصف بما يشمل مساهماتها السنوية لفائدة الأمم المتحدة، الأمر الذي يعني، تلقائيا، أن بعثة "المينورسو" معنية بهذه الخطوة.
وأصبحت ملامح المرور إلى السرعة القصوى في التعامل مع قضية الصحراء، في أفق إيجاد حل نهائي خلال بضعة أشهر، تتضح يوما بعد يوم، ففي الوقت الذي تسعى فيه الرباط رفقة واشنطن وباريس إلى الضغط على الجزائر داخل أروقة مجلس الأمن، من خلال التلويح "العملي" بتصنيف جبهة "البوليساريو" منظمةً إرهابية، أصبح إلغاء مهام "المينورسو" أيضا مطروحا على الطاولة، على اعتبار أن خيار الاستفتاء "لم يعد واقعيا".
خفض الإنفاق إلى النصف
صدرت مذكرة داخلية عن البيت الأبيض تكشف خطة إدارة الرئيس دونالد ترامب لخفض ميزانية وزارة الخارجية الأمريكية إلى النصف تقريبا، بما يشمل تقليص تمويل المنظمات الإنسانية والصحية الدولية، دون استثناء الأمم المتحدة وحلف شمال الأطلسي "الناتو"، الأمر الذي كشفت عنه بشكل متزامن صحيفتا "واشنطن بوست" الأمريكية و"الغارديان" البريطانية.
وتستند المذكرة إلى مقترحات بتقليص الإنفاق صادرة عن مكتب الإدارة والميزانية OMB التابع للبيت الأبيض، وتطرح خفض الميزانية الإجمالية لوزارة الخارجية ووكالة التنمية الدولية USAID، بنسبة 48 بالمائة، لتتقلص من 55,4 ملايير دولار إلى 28,4 ملايير دولار، وهو الأمر الذي حظي بموافقة "الكونغرس".
وتقترح المذكرة أيضا إلغاء 90 في المائة من الدعم الموجه للمنظمات الدولية، بما في ذلك تمويل نحو 20 هيئة، من بينها حلف "الناتو" والأمم المتحدة، وضمنيا يعني ذلك تقليص إنفاق واشنطن على بعثة "المينورسو" في الصحراء، ووفق أرقام الأمم المتحدة الخاصة بميزانية البعثة لفترة عملها ما بين بداية نونبر 2024 إلى نهاية أكتوبر 2025، فإن الولايات المتحدة ساهمت فيها بنحو 27 في المائة من إجمالي ميزانيتها البالغة 5,6 ملايير دولار.
من التلويح إلى التنفيذ
مسألة خفض، أو حتى إلغاء، التمويل الأمريكي لبعثة "المينورسو"، موضوع على طاولة الإدارة الأمريكية منذ مجيء الرئيس الحالي دونالد ترامب، الأمر الذي طرح مبكرا، في مارس الماضي، معهد المشروع الأمريكي لأبحاث السياسات العامة AEI، أحد أعرق مؤسسات التفكير بواشنطن والمقرب من الحزب الجمهوري، بشكل أقرب إلى "التمهيد لما هو قادم"، وذلك من خلال مقال مايكل روبين، مدير تحليل السياسات بالمؤسسة، والذي وصفَ "المينورسو" بأنها "بعثة بلا نتائج منذ 34 عاما"، وأضاف أن الاستمرار في تمويلها رغم الاعتراف الأمريكي بمغربية الصحراء يمثل "خيانة" للمملكة.
لكن على المستوى الرسمي، ما يجعل تمويل بعثة "المينورسو" غير ذي معنى، هو أن الإدارة الأمريكية لم تعد أساسا تعترف بدورها الذي من أجله أحدثت (بعثةُ الأمم المتحدة للاستفتاء في الصحراء الغربية)، إذ إثر لقاء وزير الخارجية الأمريكي ماركو روبيو بنظيره المغربي ناصر بوريطة في واشنطن بتاريخ 8 أبريل الجاري، أصدرت الإدارة الأمريكية بيانًا جددت فيه دعمها للسيادة المغربية على الصحراء، ودعت، على لسان الرئيس ترامب، جميع الأطراف، إلى "الانخراط في مناقشات دون تأخير باستخدام مقترح الحكم الذاتي المغربي كإطار وحيد للتفاوض".
وإذا كان الدور الأمني لبعثة "المينورسو"، المتمثل في مراقبة وقف إطلاق النار، قد انتهى عمليا بإعلان جبهة "البوليساريو" الانفصالية، في نونبر 2020، الانسحاب من الاتفاق الموقع مع الأمم المتحدة سنة 1991، فإن "تمهيدها" المفترض للاستفتاء أضحى احتمالا ضعيفا، إذ صارت قرارات مجلس الأمن الدورية، بما فيها القرار الأحدث، رقم 2756 الصادر في 31 أكتوبر 2024، تتحدث عن التوصل إلى "حل سياسي عادل ودائم ومقبول للطرفين، على أساس التوافق".
تحركات تشي بالتغيير
في الوقت الراهن، يجد "مقترح" إنهاء مهام "المينورسو" ما يدعمه في الكثير من التحركات والتصريحات، آخرها الكلام الصادر عن السفير الممثل الدائم للمغرب لدى الأمم المتحدة، عمر هلال، في حديثه لقناة "ميدي 1 تي في" مساء أمس الاثنين، حيث أورد أن الولايات المتحدة الأمريكية تحذوها "إرادة واضحة لإنهاء نزاع الصحراء في إطار السيادة المغربية"، معربا عن أمله في أن يحتفل المغرب "مع جيرانه الجزائريين"، بالذكرى الخمسين للمسيرة الخضراء في نونبر المقبل بِطَيِّ هذا النزاع بشكل نهائي.
يُضاف إلى ذلك حديث ستافان دي ميستورا، المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة المكلف بملف الصحراء، أمس الاثنين أيضا، عن أن "المرحلة القادمة، وتحديدًا الأشهر الثلاثة المقبلة، قد تمثل فرصة حقيقية لتحقيق تهدئة إقليمية، تُمهد لوضع خارطة طريق جديدة باتجاه الحل"، وذلك في سياق تقديم تقريره لمجلس الأمن قبل إحاطته المنتظرة حول الصحراء.
وقد يكون الأمر مرتبطا أيضا بزيارة وزير الشؤون الخارجية والتعاون الإفريقي والمغاربة المقيمين بالخارج، ناصر بوريطة، إلى باريس، للقاء نظيره وزير أوروبا والشؤون الخارجية للجمهورية الفرنسية، جون نويل بارو، لمناقشة قضية الصحراء ضمن قضايا أخرى، علما أن فرنسا تُعد خامس أكبر ممول لجبهة "المينورسو" بـ5,29 في المائة من إجمالي ميزانيتها لفترة 2024 – 2025.
ثمار التنسيق الثلاثي
ترتبط التطورات الحالية والمُتوقعة خلال الأسابيع والأشهر المقبلة بخصوص ملف الصحراء، بتنسيق ثلاثي مغربي أمريكي فرنسي، سبق لـ"الصحيفة" أن كشفت عن تفاصيله بشكل حصري، والذي يقوم على ثنائية التمهيد لتصنيف "البوليساريو" كتنظيم إرهابي، وتحجيم دور الأمم المتحدة في الملف، وفق ما أكدته مصادر دبلوماسية قريبة من دوائر الاشتغال الأممية.
وأوضحت مصادر "الصحيفة"، أن الدبلوماسية المغربية، بتنسيق مع ممثلي الولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا، باعتبارهما عضوين دائمي العضوية في مجلس الأمن، تعمل على إبعاد ملف الصحراء عن الأمم المتحدة أساسا، باعتبارها فشلت، على مدى عقود، في إيجاد حل للقضية، والبداية ستكون بالعمل على إبعاد الملف عن اللجنة الرابعة الخاصة بإنهاء الاستعمار.
وكشفت المصادر نفسها أن واشنطن أبلغت دي ميستورا بنيتها المضي في هذا التوجه في حال ما لم يُطوَ الملف قريبا، وأخبرته بأنها تعتزم، ارتباطا بذلك، تقليص تمويلها السنوي لبعثة "المينورسو"، التي ترى أنه "لم يعد لها أي دور فعلي"، انطلاقا من اقتناع البيت الأبيض بأن الاستفتاء أو الانفصال غير مطروحين بخصوص هذا الملف، وأن الحل الوحيد الواقعي هو "الحكم الذاتي تحت السيادة المغربية".