بعد تحقيق التقدم.. "تلكؤ" الحكومة وتراجعها عن الاتفاق يدخل مشروع قانون الإضراب في حالة جمود.. وموخاريق يكشف لـ"الصحيفة" كواليس اجتماع أرجع المفاوضات إلى نقطة الصفر

 بعد تحقيق التقدم.. "تلكؤ" الحكومة وتراجعها عن الاتفاق يدخل مشروع قانون الإضراب في حالة جمود.. وموخاريق يكشف لـ"الصحيفة" كواليس اجتماع أرجع المفاوضات إلى نقطة الصفر
الصحيفة - خولة اجعيفري
الجمعة 11 أكتوبر 2024 - 22:14

وسط دوامة التوترات الاجتماعية وخيوط التفاوض المتشابكة، رست المفاوضات بين الحكومة والمركزيات النقابية حول مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحقيق شروط وكيفيات الإضراب في مرفأ الجمود، وفق ما أكدته مصادر نقابية متعدّدة في حديثها لـ "الصحيفة"، عبّرت عن استيائها  التام مما وصفته بـ "تلكؤ" الحكومة في تنفيذ التزاماتها، والتفاصيل التي وعدت بها وبقيت عالقة في أروقة الانتظار، في وقتٍ كان المشروع يستعد لعرضه على المجلس الحكومي قبل أن يسلك مسطرة التشريع في البرلمان.

وكانت الحكومة المغربية، قد أعربت مرارا عن رغبتها "المستعجلة'' في طرح نسخة جديدة من القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب قبل نهاية السنة الجارية، بغرض "حماية حريات العمل واستمراره في المقاولات والمؤسسات والمرافق العمومية"، وفق تعبير وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، بيد أنها لم تنجح طيلة الأشهر الماضية في تحقيق توافق مع النقابات العمالية الكبرى بخصوص المشروع، سيّما وأن هذه الأخيرة شكّكت في النوايا الحكومية وتعتبر هذا "الاستعجال غير المفهوم" يرجع مردّه وفق تفسيرها لـ" الضغط" الذي تُمارسه الباطرونا على حكومة  عزيز أخنوش من أجل تكبيل الاحتجاج.

وبناء عليه، باشرت الحكومة والمركزيات النقابية مسار التفاوض، بخصوص مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، بيد أنها وصلت في النهاية إلى الباب المسدود بسبب ما اعتبرته مصادر نقابية في حديثها لـ "الصحيفة" تراجعا للحكومة عن الوفاء بالتزاماتها التي ناضلت بخصوصها النقابات ضمن الاتفاق حول بعض تفاصيل التعديلات التي تضمنها مشروع القانون الذي كان من المرتقب عرضه على المجلس الحكومي، قبل إحالته على البرلمان ليسلك مسطرة التشريع.

وفي تصريح خصّ به "الصحيفة"، أكد الأمين العام للاتحاد المغربي للشغل، الميلودي موخاريق، أن النقاش حول مشروع القانون الذي باشرته النقابات مع الحكومة ممثلة في وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، "متوقّف حاليا، وإلى أجل غير مسمى"، بسبب الطرف الحكومي الذي يرفُض الالتزام بمُخرجات المفاوضات وما تم الاتفاق عليه سلفا بين النقابات ويهُم أساسا تفاصيل مشروع القانون المكبّلة لأحقية الأجراء في ممارسة الإضراب.

وأوضح موخاريق، في حديثه إلى أن مشروع القانون التنظيمي الخاص بممارسة حق الإضراب، الذي عرضته الحكومة على النقابات قبل حوالي أسبوعين أو ثلاث تضمّن بنودا وتوجهات منافية تماما لما سبق واتفق عليها في غضون المفاوضات التي باشرتها الأطراف المعنية أي النقابات والحكومة، كما أنها جاءت مُخالفة للإطار العام الذي وضعته النقابات للقانون التنظيمي، ما جعل الاتحاد المغربي للشغل ينسحب من الاجتماع مع الوزارة بعد عشر دقائق، أكد فيها الطرف الحكومي تشبّثه بمضامين مشروع القانون.

وجوابا على سؤال "الصحيفة" حول نوعية مضامين العرض الحكومي التي أغضبت الاتحاد المغربي للشغل، وجعلته ينسحب من الاجتماع المذكور، قال موخاريق "بدرجة أولى الإطار العام لمشروع القاننون ككل، ثم العقوبات التي يسنّها هذا القانون ومن شأنها تكبيل الحق في الاحتجاج، إذ أنه وفي منظورنا لم يعد قانونا تنظيميا وإنما جنائي بتضمّنه لعقوبات جزرية وغرامات خيالية بينما في البداية كان الاتفاق الحاصل بيننا وبين الحكومة ألا تكون عقوبات زجرية بالأساس" يقول الإطار النقابي متسائلا: " هل الدستور يضم عقوبات؟ لا وتراتبيا  القانون التنظيمي يأتي بعد الدستور وهذا ما اتفقنا عليه مع الحكومة لكنها تنصّلت من الاتفاق".

ومن بين النقط الخلافية أيضا مع النقابات، والتي تنصّلت منها الحكومة في عرضها بعدما وافقت عليها في وقت آنف، هي وضعها للائحة طويلة جدا من الفئات المحرومة من الاضراب، وفق موخاريق الذي اعتبر أنها خطوة أفرغت الاضراب من معناه  تحت ذريعة الخدمة العمومية، موردا: "المؤاخذات كثيرة جدا، بدأت بالتعريف حول من يقوم بالاضراب لأن الحكومة تصنّفهم ضمن العمال البسطاء وتُقصي القطاع العام، والأطر في القطاعين الخاص والعام، وتعتبر أن للعامل الحق في الاضراب لكن ليس من حق الأجير ذلك..".

وشدّد المتحدث، على أن الاقتراحات التي قدّمتها الحكومة في جملتها ملغومة، لهذا رفض الاتحاد المغربي للشغل التفاوض بخصوصها وطالب الحكومة باحترام الاتفاق المُبرم سلفا مع النقابات والذي كان متقدّما جدا على ما طرحته، موردا: " لهذا في اخر جلسة جمعتنا مع الحكومة قبل ما يزيد عن عشرة أيام، ذهبنا بحسن النية لكن لاحظنا امورا مجانبة لما اتفقنا عليه من قبل، وبالتالي اضطر الوفد إلى الانسحاب".

ونبّه الإطار النقابي، إلى أن الاتحاد المغربي للشغل انسحب فقط من الجلسة المذكورة، وليس من المفاوضات مع الحكومية، مشدّدا على أن انسحابه من الاجتماع هو "تعبير من الاتحاد عن احتجاجه على الممارسات الحكومية.. إذ لاحظنا أنه لا توجد مفاوضات بحسن النية ..".

من جانبها، استبعدت مصادر نقابية أخرى فضّلت عدم الكشف عن هويّتها في حديثها لـ "الصحيفة"، تحقق مُبتغى الحكومة بعرض مشروع القانون على المجلس الحكومي قبل أن يسلك مسطرة التشريع في البرلمان والمصادقة عليه قبل نهاية العام الجاري، مؤكدة أن المفاوضات مع الطرف الحكومي توقّفت بسبب الحكومة نفسها، التي أبانت عن رغبة غير منطقية بجعل مشروع القانون تكبيلي لأحقية الأجراء في ممارسة الإضراب والتعبير عن احتجاجهم.

وشدّدت المصادر ذاتها، على أن المركزيات النقابية عبّرت مرارا عن حسن نيتها في الحكومة  تماما كما دعت إلى تحقيق المقاربة التشاركية من أجل الوصول إلى بر التوافق على مضامين مشروع القانون التنظيمي المتعلق بممارسة حق الإضراب، بيد أن الطرف الحكومي يواصل ممارساته "العابثة وغير الجدية" في التعامل مع هذا الموضوع، مؤكدة أن "النقابات لن تستأنف المفاوضات إلا عندما تعبر الحكومة عن إرادة حقيقية في الانخراط الجاد وليس التراجع في كل مرة بشكل عبثي، عن الالتزامات والتوافقات".

المصادر ذاتها، أكدت أن المفاوضات كانت قد حققت تقدّما ملموسا في وقت سابق بين المركزيات النقابية والطرف الحكومي، بيد أن "تراجع الوزارة الوصية عن الوفاء بتعهداتها وتنصلها من الاتفاقات التي سبق الحسم فيها يُسائل بحق جدّية الحكومة" وفق تعبيرها.

وكانت النقابات المكونة لـ"الجبهة المغربية ضد قانوني الإضراب والتقاعد"، وهي كل من الجامعة الوطنية للتعليم-التوجه الديمقراطي والجامعة الوطنية للقطاع الفلاحي والنقابة المستقلة للممرضين وتقنيي الصحة والنقابة المستقلة لأطباء القطاع العام والنقابة الوطنية المستقلة لهيئة تفتيش الشغل والهيئة الوطنية للتقنيين بالمغرب، قد استغربت السياق الذي دفع الحكومة إلى استحضار قانون الإضراب الذي تم تصميده لقرابة 13 سنة في هذه الفترة الزمنية التي تشهد لهيب الاحتجاجات في مجموعة من القطاعات، معتبرة أن هناك ما يكفي من النصوص التنظيمية وتشريعية لتنظيم ممارسة الشغيلة المغربية للحق في الإضراب وأن "الغاية من محاولة تنظيم هذا الحق اليوم هي تكبيله والتضييق على ممارسته".

وتتفق الأحزاب السياسية المعارضة، مع النقابات في الشق المرتبط بالتشكيك في النوايا الحكومية التي تُساور القانون التنظيمي رقم 97.15 الخاص بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، إذ انتقدت بدورها استعجال تقديم مشروع القانون، قبل أيام من اختتام الدورة التشريعية ودون إشراك الفاعلين الأساسيين وهم النقابات العمالية وكدا الباطرونا، وتعمّد إبعاده عن مؤسسة الحوار الاجتماعي.

وشهدت لجنة القطاعات الاجتماعية، في وقت سابق، سجالا مهما استهلّته فاطمة التامني، النائبة البرلمانية عن فيدرالية اليسار، التي طالبت الوزير الوصي على القطاع بضرورة تفسير الأسباب التي جعلته يُعجل في تقديم القانون قبل التشاور بشأنه وأن يتم التوافق بشأنه في محسسة الحوار الاجتماعي قبل مناقشته في البرلمان.

أما النائب البرلماني عن حزب العدالة والتنمية، مصطفى الإبراهيمي، فاستحضر المقاربة التشاركية التي لطالما دعا إليها الملك محمد السادس في خطاباته، مشدّدا على أن تعمد الحكومة التنصل منها في التزاماتها يدخل في إطار التغول والتفرد بالقرارات سيّما في الشؤون المتعلقة بالتشريعات الكبيرة على غرار قانون الإضراب، موردا: "لا نعرف كيف سنناقش ونصوت في غياب المعنيين بالأمر من رجال الأعمال والنقابات والمجتمع المدني، ولا كيف تم اختيار هذا التوقيت بالضبط  لتمرير القانون فالأولى الاستشارة مع المعنيين"

من جانبها، حاولت الحكومة لملمة هذا الغضب المشتعل في صفوف النقابات والأحزاب المعارضة، بخرجة إعلامية لوزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والتشغيل والكفاءات، يونس السكوري، قال فيها عقب تقديمه لمشروع القانون التنظيمي أمام لجنة القطاعات الاجتماعية،  إن الحكومة حريصة على أن يكفل مشروع القانون التنظيمي رقم 97.15 المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة حق الإضراب، الحقوق المنصوص عليها دستوريا، ويحمي حرية العمل.

وشدّد المسؤول الحكومي "الحكومة عازمة، بعد التشاور لأكثر من 25 شهرا مع النقابات الأكثر تمثيلية وأرباب العمل، في إطار مؤسسة الحوار الاجتماعي، على أن يكون القانون التنظيمي المتعلق بتحديد شروط وكيفيات ممارسة الحق في الإضراب قانونا يحمي المضربين وحقوق المغاربة، كما هو منصوص عليها في الدستور".، موردا "الحكومة حريصة على أن يحمي هذا القانون، كذلك، حريات العمل واستمراره في المقاولات والمؤسسات والمرافق العمومية"، مضيفا أن "القانون المتعلق بالحق في الإضراب يجب أن يكون في مستوى مغرب القرن الـ21".

وفي وقت وعد المسؤول الحكومي، بأن وزارته ستواصل النقاش مع النقابات، بالموازاة مع العمل على إخراج هذا القانون لحيز الوجود، ما تزال النقابات العمالية متمسكة بموقفها الذي عبّرت عنه منذ 2016، الرافض لمشروع قانون تنظيمي لحق الإضراب المكفول بموجب دستور 2011 وهو القانون الذي سبق وطرحته الحكومة السابقة في البرلمان سنتها، والذي تصفه بـ"المنحاز للمشغل، والمكبل لحق الإضراب"، وهي تطالب بقانون "يحترم جميع تشريعات العمل الدولية، دون المس بالحقوق والحريات العامة".

والمستجد في ساحة النقاش النقابي في 2024، أي بعد ما يُقارب نصف العهدة لحكومة عزيز أخنوش، أن النقابات باتت تُشكك في النوايا الآنفة للحكومة سيّما وأن استعجالها إصدار هذا القانون التنظيمي وإصرارها على تمريره للبرلمان، يتزامن وواقع الاحتقان الاجتماعي والعمالي الذي تشهده مختلف القطاعات على رأسها الاستراتيجية كالتعليم والصحة وغيرها، ويتهدد ورش الدولة الاجتماعية التي أقرها عاهل البلاد، ما جعل شكوك الفاعلين النقابيين تذهب في بحر وجود ضغوطات لجهات ما تستهدف إقراره في أقرب وقت خدمة لمصالحها.

وفي وقت لم تكشف الحكومة بعد عن مشروع القانون الجديد لتنظيم الإضراب، خرج رئيس الحكومة، عزيز أخنوش، في عرض قدمه خلال جلسة المساءلة الشهرية بمجلس المستشارين، ليؤكد عزم الحكومة إعادة إدراج القانون التنظيمي للإضراب ضمن أولويات الجولة الجديدة للحوار الاجتماعي، وعرض مضامينه على أنظار البرلمان، خلال هذه السنة، وهو ما بات يساءل بالفعل أسباب هذا الاستعجال.

وينص الفصل 29 من الدستور المغربي على أن "حريات الاجتماع والتجمهر والتظاهر السلمي، وتأسيس الجمعيات، والانتماء النقابي والسياسي مضمونة. ويحدد القانون شروط ممارسة هذه الحريات. حق الإضراب مضمون. ويحدد قانون تنظيمي شروط وكيفيات ممارسته".

النظام الجزائري.. أسير الشيخوخة وإرث الماضي وأحقاده

حين بث التلفزيون الرسمي الجزائري مشاهد استقبال رئيس الجمهورية عبد المجيد تبون لنظيره الرواندي بول كغامي، يوم 3 يونيو 2025، كان في حقيقة الأمر، ودون أن يدري، يضع الرَّجُلين في ...