بعد حرق نسخ من القرآن الكريم وسحب السفير المغربي من ستوكهولم.. إلى أي حد ستصل "القطيعة" بين السويد والمغرب؟
دخلت العلاقات المغربية السويدية، أزمة جديدة تُعد الثانية من نوعها في غضون العشر سنوات الأخيرة، وذلك بعدما بادر المغرب إلى استدعاء سفيره لدى ستوكهولم للتشاور، تعبيرا عن إدانة المملكة للعمل "العدائي وغير المسؤول" بإحراق نسخة من المصحف أمام مسجد ستوكهولهم الكبير الأربعاء، ما يُنذر بتجميد المجلس الاستشاري المغربي السويدي للأعمال الذي تم إطلاقه رسميا نهاية أكتوبر الماضي.
وأعربت وزارة الخارجية المغربية في بلاغ لها نُشر في ساعات متأخرة من مساء الأربعاء، عن أسفها لأن "الحكومة السويدية رخصت مرة أخرى لتنظيم مظاهرة تم خلالها إحراق نسخة من المصحف الشريف أمام مسجد في ستوكهولم"، معتبرة أن"هذا العمل العدائي غير المسؤول الجديد يضرب عرض الحائط مشاعر أكثر من مليار مسلم في هذه الفترة المقدسة التي تتزامن وموسم الحج وعيد الأضحى".
وأعلنت الوزارة أنه بتعليمات من الملك محمد السادس، تم استدعاء القائم بأعمال السويد بالرباط "في مواجهة هذه الاستفزازات المتكررة". كما أنه وخلال هذا الاستدعاء "تم التعبير عن إدانة المملكة المغربية بشدة لهذا الاعتداء ورفضها لهذا الفعل غير المقبول".
وجرى أيضا، استدعاء سفير المغرب لدى السويد كريم مدرك الذي يشغل منصبه منذ 14 دجنبر 2021 "للتشاور لأجل غير مسمى"، على حد تعبير البلاغ شديد اللهجة للخارجية المغربية، والذي لم تستسغه الحكومة السويدية من جانبها مُعربة عن عن أسفها بخصوص قرارات المملكة على خلفية قضية حرق مصحف القرآن الكريم.
وحرصت الحكومة السويدية، وفق التصريحات التي نقلتها عنها مصادر إعلامية دولية، على التعبير عن رغبتها الدائمة والمؤكدة في الحفاظ على علاقات جيدة مع الرباط، ومساعيها للحفاظ على ما أسماته بـ "علاقات دبلوماسية جيدة"، مضيفة في هذا السياق، بأن الحكومة السويدية "تقدر وتعمل على تطوير علاقات ثنائية جيدة مع المغرب".
ومن شأن هذه الأزمة الجديدة، تقويض عمل المجلس الاستشاري المغربي السويدي للأعمال، الذي يروم النهوض بالعلاقات وتبادل الخبرات بين مجموعات الأعمال في السويد والمغرب، والذي سبق أن أُعلن عن إطلاقه الرسمي في 26 أكتوبر بستوكهولم، سيّما بوجود وانتشار حملات تدعو لمقاطعة المنتجات السويدية في المغرب وقطع العلاقات الاقتصادية بين البلدين.
ويُشكل توتر العلاقات بين الرباط وستوكهولم تهديدا حقيقيا للمجلس الذي اعتبر إحداثه إعلانا عن مرحلة جديدة في مسار تعزيز علاقات التعاون الاقتصادي والتجارية والمالي والتكنلوجي والمهني بين البلدين، إلى جانب تعزيز روابط الصداقة بين مجموعات الأعمال.
وحاولت "الصحيفة" منذ أول أمس التواصل مع سفير المغرب لدى السويد وليتونيا، كريم مدرك، إلى جانب وزير الخارجية ناصر بوريطة، لاستفساره حول مصير هذا المجلس بين الدولتين في خضم الأزمة الدبلوماسية الراهنة، سيّما وأنه كان يعوّل على تنظيم زيارة استكشافية للمغرب خلال الأشهر المقبلة من أجل الوقوف على فرص الأعمال والاستثمار التي توفرها المملكة لفائدة المستثمرين فضلاعن تنظيم لقاءات مع المهنيين يمكن أن تسفر عن مشاريع شراكات مؤسساتية وفرص تجارية جديدة وبروتوكولات بحثية مشتركة، بيد أنه لم يتوصل الموقع بأي جواب إلى حدود كتابة هذه الأسطر من صبيحة اليوم السبت.
وإلى حين توصل "الصحيفة" بجواب من وزارة الخارجية المغربية، وسفير المغرب لدى السويد وليتونيا، كريم مدرك، يسعنا التأكيد بأن حُلم "تعزيز التعاون القائم بين البلدين وتطوير مجالات أخرى لهذا التعاون، والتفكير سويا في حلول مشتركة عبر تبادل التجارب والخبرات وتشبيك الأنظمة البيئية للابتكار، وكذا خلق قنوات تواصل بين المقاولات المغربية والسويدية والنهوض بتبادل الخبرة وانعاش الاستثمار في قطاعات تحظى باهتمام مشترك، بات على كف عفريت حتى أجل غير مسمى بسبب توتر العلاقات ودخولها في أزمة جديدة قد تكون الأعنف من نوعها بعد أزمة 2015 الشهيرة".
من جانبه، يستبعد الخبير الاقتصادي رشيد ساري احتمالية تجميد المغرب للمجلس الاستشاري، أو العلاقات الاقتصادية والتجارية بين البلدين على الرغم من النبرة شديدة اللهجة التي تحدّث بها بلاغ الخارجية، وذلك لاعتبارات عدّة على رأسها أن المملكة تتعامل بذكاء كبير في مواقفها الدبلوماسية.
المحلل الاقتصادي، وفي تصريح لـ "الصحيفة"، قال إن المغرب يُصدر مواقفه الدبلوماسية بذكاء ودهاء كبيرين دائما، ذلك أنه لطالما وضع حاجزا كبيرا وفاصلا منيعا بين العلاقات السياسية والعلاقات الاقتصادية والتجارية، وبالتالي فإن مواقفه لا تؤثر على العموم في علاقاته التجارية.
واستحضر الخبير الاقتصادي رشيد ساري، النمو الذي شهدته العلاقات التجارية والاقتصادية بين المغرب وإسبانيا خلال فترة الأزمة العام الماضي والذي بلغ ما يزيد عن 20 في المائة، على الرغم من كونها أعنف أزمة شهدتها العلاقات بين المملكتين، وبالتالي، فإن هذه الأزمة مع السويد لا تتجاوز كونها سحابة صيف عابرة على العلاقات.
وأشار المتحدث، في تصريحه لـ "الصحيفة" إلى أن العلاقات الفرنسية المغربية بدورها متوترة جدا وهي الأكثر تأزما بشكل بنيوي أكثر منه سياسي، بيد أن العلاقات التجارية وحجم المبادلات مستمر في النمو بحيث بلغ 19 في المائة، موردا في الآن ذاته، أن منظومة الاتحاد الأوروبي ككل تشكل 66 في المائة من حجم المبادلات الخارجية للمغرب، لكنها منحصرة بالذات على دول معينة على غرار إسبانيا، ألمانيا، البرتغال، فرنسا.
وبخصوص العلاقات المغربية السويدية، يرى الخبير الاقتصادي، أنها لم تتطور بشكل كبير على الرغم من العلاقات الدبلوماسية الجيدة في وقت سابق أو حتى بعد أزمة 2015 التي كانت مناسبة لإحداث المجلس الاستشاري المذكور، مشيرا في الآن ذاته إلى أن أرقام المبادلات بين البلدين لا ترقى للحديث عن تأثر أو تداعيات كبير بحيث لا تكاد تتجاوز ملايين صغيرة من الأوروهات.
وتُعد واقعة حرق المصحف الكريم فوق الأراضي السويدية وبترخيص من حكومة البلد، ثاني خطوة استفزازية للمغرب في غضون أربعة أشهر، بعدما استقبل البرلمان السويدي وفدا تابعا للجبهة الانفصالية البوليساريو، يترأسه ممثلها في أوروبا أبي بشرايا البشير شهر مارس الماضي.
وهذه الخطوة الاستفزازية، قابلتها الديبلوماسية المغربية بالتجاهل والصمت، على الرغم من كون قضية الوحدة الترابية للمملكة أصبحت المنظار الذي يرى به المغرب العالم، وتحدد بها المملكة علاقاتها الديبلوماسية كما جاء في الخطاب الملكي الأخير، فيما جاءت خطوة استفزاز مشاعر المسلمين في أول أيام العيد بحرق المصحف الكريم لتُشعل الغضب في صفوف المسلمين في جميع بقاع العالم، وتدفع الملك محمد السادس بصفته أميرا للمؤمنين بإعطاء تعليماته القاضية بسحب سفير المملكة، والتعبير عن إدانة المغرب للواقعة التحريضية.
وتربط كلا البلدين علاقات رسمية منذ عام 1763، كما لدى السويد بالمملكة المغربية سفارة منذ عام 1958 وللمغرب كذلك سفارة بالسويد منذ عام 1986 مما يعكس عمق العلاقات الدبلوماسية بين البلدين والتي لطالما ظلّت في استقرار نأى من خلاله البلدان على الخوض في أي موقف يمس الطرف الثاني وسيادته، قبيل أزمة 2015 الشهيرة التي صوت فيها البرلمان السويدي، على قرار غير ملزم للحكومة يطالبها بالاعتراف بما يسمى "الجمهورية الصحراوية".
وأدخل قرار البرلمان السويدي آنذاك، العلاقات السياسية والاقتصادية بين البلدين، في أزمة غير مسبوقة أعلنت على إثرها الدار البيضاء عن "إلغاء تدشين المركز التجاري لشركة إيكيا" السويدية، في أول استثمار للشركة السويدية في داخل المغرب.