بنشعبون يشتكي جيوب مقاومة الإصلاح.. هل يوجه أصابع الاتهام إلى أعضاء حزبه؟
تعوَّد المغاربة أن يسمعوا عبارة "جيوب مقاومة الإصلاح" من أعضاء في الحكومة، لكن عادة يكون هؤلاء منتمين لحزب العدالة والتنمية الذي يقود التجربة الحكومة الحالية بعد أن قاد سابقتها، أما أن يردد هذه العبارة محمد بنشعبون، وزير الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، المنتمي لحزب التجمع الوطني للأحرار، فهو أمر جديد على الكثيرين، خاصة وأنه يصدر عن المسؤول المكلف من قبل الملك محمد السادس بمتابعة وإنجاز عدة أوراش اقتصادية واجتماعية لانتشال المملكة من أزمة كورونا.
فخلال حديثه أمام لجنة المالية بمجلس النواب أول أمس الثلاثاء، حول ورش الإصلاح الشامل للقطاع العام والمقاولات العمومية، والذي دعا إليه الملك في خطاب العرش الأخير عند حديثه عن خطوات إخراج الاقتصاد الوطني من الأزمة، اعترف بنشعبون بوجود جهات تقاوم عمليات الإصلاح بالمغرب، معلقا "كلما كان هناك إصلاح عميق في أي مكان نجد جيوب المقاومة".
ويبدو طبيعيا ربط هذه التصريحات بتصريحات وتفاعلات أخرى عرفتها الساحة الاقتصادية والسياسية بالمغرب مؤخرا، وكان حزب بنشعبون، أي قياديو وأعضاء التجمع الوطني للأحرار طرفا فيها، فيما وقف هو في الطرف الآخر ما جعله يبدو أحيانا في وضع صدام مباشر مع حزبه، الشيء الذي يدفع إلى التساؤل إذا ما كان يشيد بأصابع الاتهام للتجمعيين هذه المرة أيضا، باعتبارهم موجودين في العديد من مراكز صنع القرار السياسي والاقتصادي.
صدام مع الطالبي العلمي
وكان أحد التجمعيين البارزين الذين أصابتهم نيران وزارة بنشعبون مؤخرا، هو وزير الشباب والرياضة في النسخة الأولى من حكومة سعد الدين العثماني، رشيد الطالبي العلمي، هذا الأخير الذي فاجأته وثيقة من مفتشية المالية بوزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة بالتورط في إنفاق ين ونصف المليون درهم على موقع حكومي خاص، بالتخييم في حين أن قيمته الحقيقية وفق الوثيقة لم تكن لتتجاوز 200 ألف درهم.
وخرج الطالبي العلمي بعدها في تصريحات إعلامية لينفي عن نفسه هذه التهمة ويتهم أطرافا لم يسمها باستهدافه بالأخبار الكاذبة وبتزوير وثائق رسمية متوعدا بمقاضاتها، قبل أن تنشر "الصحيفة" تحقيقا يؤكد ما ورد في تقرير مفتشية المالية ويتناول الصفقة من جوانبها التقنية والإدارية والمالية، لكن المثير في الأمر كان هو عدم خروج وزارة الاقتصاد والمالية وإصلاح الإدارة، بأي نفي لصحة الوثيقة المنسوبة لها، ولم يصدر عن بنشعبون أي كلام يبرئ زميله في حزب "الحمامة".
هجوم على بايتاس
لكن صراع بنشعبون مع الحزب الذي استوزر باسمه أضحى مباشرا ومُعلنا خلال مناقشات قانون المالية التعديلي الشهر الماضي، وحينها هاجم مصطفى بايتاس، النائب البرلمان عن حزب التجمع الوطني للأحرار ومدير مقره المركزي، المشروعَ الذي أعده الوزير المكلف بالمالية واصفا إياه بـ"المحبط للغاية"، وداعيا البرلمان إلى التصدي له على اعتبار أن دوره "ليس التصفيق للحكومة أو إعطاءها شيكا على بياض".
وكان جواب بنشعبون على هذه المداخلة أمام أعضاء لجنة المالية والتنمية الاقتصادية بالغرفة الأولى قاسيا، حين أورد "لقد أنصت إلى كل التدخلات بإمعان واهتمام شديدين، ولا يمكنني إلا أن أنوه بالمستوى المتميز للنقاش، باستثناء مداخلة واحدة لم أعرف لا سياقها ولا المغزى من مضمونها، ولن أجيب عنها"، وهو رد الفعل الذي تسبب في حرج كبير للتجمعيين باعتباره ذكرهم بالتناقض الموجود بين مشاركتهم في الحكومة ومهاجمة قانون المالية الذي أعده وزير ينتمي لحزبهم.
أخنوش على الخارطة
لكن حديث بنشعبون عن "مقاومة الإصلاح" لا يحيل على أعضاء ووزراء الحزب فقط، وإنما أيضا على أمينه العام عزيز أخنوش، وزير الفلاحة والصيد البحري والتنمية القروية والمياه والغابات، وهو الرجل الذي يُشار إليه كأحد "المستفيدين اقتصاديا" من جائحة كورونا، وخاصة بسبب أثمنة المحروقات التي لم توافق التراجع التاريخي في أسعار النفط في الأسواق العالمية، باعتباره مالك شركة "أفريقيا" المحتكرة لأعلى نسبة من سوق توزيع المحروقات وطنيا.
ويرتبط هذا الأمر مباشرة بالمفاجأة الكبيرة التي خرجت من القصر الملكي يوم 28 يوليوز الماضي، حين توصل الملك محمد السادس بمذكرات متضاربة من رئيس وأعضاء مجلس المنافسة حول "تواطؤ" بين شركات المحروقات وتجمع النفطيين، وخاصة الشركات الثلاث الأكبر التي تتقدمها "أفريقيا"، الأمر الذي دفعه إلى إعلان تشكيل لجنة تحقيق مكونة من رئيسي مجلسي النواب والمستشارين ورئيس المحكمة الدستورية ورئيس المجلس الأعلى للحسابات ورئيس الهيأة الوطنية للنزاهة والوقاية من الرشوة ومحاربتها ووالي بنك المغرب، وينسق مهامها الأمين العام للحكومة، والتي ينتظر أن تكشف مدى تورط الشركات في توجيه قرار مجلس المنافسة الذي يعد مؤسسة دستورية.