بوانو يدعو إلى إعادة إحياء لجنة "الصداقة" البرلمانية المغربية - الجزائرية بعد عقدين من الجمود والقطيعة

 بوانو يدعو إلى إعادة إحياء لجنة "الصداقة" البرلمانية المغربية - الجزائرية بعد عقدين من الجمود والقطيعة
الصحيفة - خولة اجعفري
الثلاثاء 4 نونبر 2025 - 20:23

في جلسة برلمانية مشتركة بين مجلسي البرلمان أعقبت القرار الأممي الجديد حول الصحراء المغربية، أمس الإثنين، اختار عبد الله بوانو، رئيس المجموعة النيابية لحزب العدالة والتنمية، أن يوجّه دعوة لتشكيل لجنة الصداقة البرلمانية المغربية–الجزائرية، في ظل استمرار "سياسة اليد الممدودة" التي أكّدها الملك محمد السادس في خطاباته الأخيرة، الداعية إلى الحوار والتعاون بدل القطيعة. 

وبينما لا تزال الحدود مغلقة بين البلدين منذ غشت 1994، بدت مبادرة بوانو التي جاءت في ختام جلسة استثنائية للبرلمان أمس الاثنين خُصصت لمناقشة القرار رقم 2797 لمجلس الأمن الذي جدد فيه المجتمع الدولي تأكيده على أولوية مبادرة الحكم الذاتي كحلّ واقعي ودائم للنزاع المفتعل حول الصحراء; كترجمة برلمانية عملية لروح الانفتاح المغربي ومحاولة لإحياء قنوات برلمانية مغاربية لتجاوز الخلافات السياسية.

وتاريخيا، تفيد مصادر برلمانية في حديثها لـ "الصحيفة" كانت فكرة "مجموعة الصداقة البرلمانية المغربية-الجزائرية" جزءا من الأعراف التي ترافق كل تشكيلة برلمانية جديدة في المنطقة المغاربية غير أنّها بقيت إطارًا شكليًا أكثر منها قناة حقيقية للحوار.

ووفق معطيات أرشيفية اطلعت عليها "الصحيفة" في البرلمان المغربي، فإنّ المجموعة كانت قائمة فعلا خلال التسعينيات وبداية الألفية، حين كانت اجتماعات اتحاد المغرب العربي ما تزال تُعقد بوتيرة دورية، وكانت البرلمانات الخمسة (المغرب، الجزائر، تونس، ليبيا، موريتانيا) تُنشئ لجان صداقة متبادلة في ما بينها، غالبًا بطابع رمزي ولم تتجاوز أنشطتها آنذاك تبادل الرسائل البروتوكولية أو المشاركة في لقاءات مغاربية متعددة الأطراف فيما ومع تصاعد الخلافات السياسية بين البلدين بعد 2002، جُمّد عمليا أي تواصل مباشر بين البرلمانين، وأُغلقت قنوات التنسيق تدريجيا.

ومنذ سنة 2014 تقريبا، لم تعد الجزائر مذكورة في أي من البلاغات الرسمية الصادرة عن مجلس النواب المغربي بخصوص مجموعات الصداقة البرلمانية أما اليوم، فالموقع الرسمي للمجلس يضمّ أكثر من 120 مجموعة صداقة مع برلمانات العالم، من أميركا اللاتينية إلى أوروبا وآسيا وإفريقيا، لكن الجزائر غائبة تماما عن تلك اللائحة وكذلك الحال بالنسبة للمجلس الشعبي الوطني الجزائري، الذي لا يتضمّن ضمن مجموعاته المعلنة أي شراكة مع البرلمان المغربي.

ويُجمع المتتبعون على أن القطيعة الدبلوماسية المعلنة بين البلدين في غشت 2021، وما تبعها من قرارات جزائرية أحادية بقطع العلاقات وإغلاق الأجواء أمام الطائرات المغربية، جعلت من المستحيل سياسيا إعادة إحياء مثل هذه المجموعة دون انفراج رسمي بين العاصمتين لكن في المقابل، يبدو أن الرباط من خلال خطابها الرسمي والبرلماني، تؤكد بأنها ما زالت منفتحة على "مسارات التلاقي" ولو عبر قنوات رمزية كالدبلوماسية البرلمانية.

وتندرج دعوة بوانو، ضمن تحول تدريجي في رؤية المغرب لتوسيع أدوات تواصله السياسي حول قضية الصحراء فبعد أن نجح في تثبيت موقعه داخل الاتحاد الإفريقي، واستمالة عدد من الدول اللاتينية، وإعادة بناء علاقاته مع القوى الأوروبية، يبدو أن المغرب يسعى إلى إعادة هندسة خطابه الإقليمي عبر بعث رسائل "حسن نية" التي ما لبث يوجهها إلى الجوار المغاربي وهنا، تأتي فكرة "مجموعة الصداقة البرلمانية المغربية-الجزائرية" كاختبار رمزي لمدى استعداد الجزائر للتفاعل مع أي مبادرة خارج قنوات الصراع التقليدية.

من جهة ثانية، فإن المسافة بين الرمز والفعل تبقى شاسعة، فالمجموعة التي يتحدث عنها بوانو تحتاج إلى موافقة برلمانية متبادلة، وتفعيل من الجانبين حتى تُدرج رسميا في الجداول الداخلية، وحتى اللحظة، لا يوجد أي مؤشر على نية البرلمان الجزائري القيام بخطوة مماثلة، بل إن الصحافة الجزائرية الرسمية تجاهلت كليًا هذا المقطع من خطاب بوانو، بينما ركّزت تغطياتها على الجوانب المتعلقة بـ"القرار الأممي المنحاز للمغرب" ما يُبرز أن الدعوة لم تلقَ أي صدى في الضفة المقابلة.

وبالعودة للكرونولوجيا التاريخية، فقد شهدت العلاقات البرلمانية المغربية-الجزائرية ثلاث مراحل أساسية الأولى في التسعينيات، حين كان التنسيق المغاربي قائما، وشهدت بعض الزيارات الرسمية الرمزية بين أعضاء من المجلسين، ثم الثانية في العقد الأول من الألفية، حين تراجعت تلك الزيارات وأصبحت العلاقات محصورة في الأطر المتعددة الأطراف، أما المرحلة الثالثة، الممتدة منذ 2014 إلى اليوم فهي مرحلة القطيعة شبه التامة، حيث لم يُسجل أي تواصل ثنائي على المستوى البرلماني، باستثناء لقاءات عابرة في مؤتمرات الاتحاد البرلماني الإفريقي أو العربي.

والمفارقة أنّ آخر محاولة لإحياء المجموعة تعود إلى سنة 2013، حين قدّم نواب من المعارضة المغربية مقترحا لتجديد مجموعات الصداقة المغاربية، لكن المقترح لم يُدرج في جدول أعمال مكتب المجلس، بسبب التوتر السياسي آنذاك، وبعد ذلك، لم يُطرح الملف مجددا إلا الآن، بعد أكثر من اثني عشر عاما، في ظرف سياسي مختلف تماما.

هذا، ويبدو أن بوانو كان يدرك أن دعوته لن تلقى تجاوبا فوريا، لكنه في المقابل يتوقع أنّ هذه الدعوة تحمل قيمة رمزية عالية في توقيت دقيق، فهي تعبّر عن رؤية المغرب في ما يمكن تسميته بـ"الدبلوماسية الهادئة" أي تلك التي تراهن على اللغة المشتركة والدين والأخوة كجسر بديل عن السياسة الجامدة، وهي أيضا رسالة للخارج، بأن المغرب لا يرفض الحوار وأن برلمانه مستعدّ لأن يكون فضاءً للتقارب بدل التصعيد.

في المقابل، من غير المرجح أن تستجيب الجزائر لمثل هذا المقترح في الأمد القريب، فالدبلوماسية الجزائرية ما تزال تُدير الملف المغربي بمنطق المواجهة، وتعتبر أي مبادرة ثنائية محاولة لاختراق الموقف الرسمي الرافض للتطبيع مع الرباط غير أن الخبراء يرون أن مجرد طرح الموضوع داخل قبة البرلمان المغربي يُعتبر خطوة محسوبة بدقة، إذ يُتيح للمملكة تسجيل نقطة في سجل "النوايا الحسنة" في الوقت الذي تتبنى فيه الجزائر خطابا متشنجا في المنابر الدولية.

وتنسجم دعوة عبد الله بوانو إلى التفكير في تشكيل لجنة الصداقة البرلمانية المغربية-الجزائرية مع النهج الثابت للمغرب في اعتماد "سياسة اليد الممدودة" تجاه الجزائر، وهي السياسة التي رسّخها الملك محمد السادس في أكثر من خطاب ملكي خلال السنوات الأخيرة، سواء بمناسبة عيد العرش أو في خطابات المسيرة الخضراء  فقد شدّد العاهل المغربي مرارا على أن "الشعبين المغربي والجزائري شقيقان، لا يمكن لأي خلاف سياسي أن يفرّق بينهما" ودعا القيادة الجزائرية إلى فتح صفحة جديدة قوامها الحوار وحسن الجوار، مؤكّدا أن "الشرّ الذي يأتي من الشقيق لا خير فيه، والخير الذي يأتي منه لا يُردّ".

وكان المغرب، قد دعا رسميا منذ 2018 إلى حوار مباشر مع الجزائر "من دون شروط مسبقة" ولا يزال متمسكا بهذا الخيار رغم الجمود القائم ويعتبر أن إعادة بناء الثقة تبدأ من رموز صغيرة كإحياء العلاقات البرلمانية، التي يمكن أن تُمهّد لعودة الحوار على مستويات أوسع.

كما أن المقترح ينسجم مع خطاب 31 أكتوبر 2025 الذي شدّد فيه الملك على ضرورة "بثّ خطاب الأخوة والنأي عن لغة التأجيج والكراهية" وهو الخطاب الذي شكّل الخلفية السياسية للجلسة البرلمانية التي تحدث فيها بوانو فالدعوة إلى مجموعة صداقة مع الجزائر ليست في جوهرها سوى إشارة دبلوماسية تحمل مضمونا أخلاقيا وسياسيا في الآن نفسه وهدفها تأكيد أن المغرب لا ينظر إلى الجزائر كخصم دائم بل كشريك محتمل متى ما اختارت الحوار.

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

رغم قرار مجلس الأمن.. الحل النهائي لملف الصحراء مازال شاقا

بعد أسابيع من اليوم، أو حتى بعد شهور قليلة، على المغرب أن يقدم للأمم المتحدة، مشروعه المُفصّل حول خطة "الحكم الذاتي" في الصحراء، إثر تصويت مجلس الأمن الدولي على القرار ...

استطلاع رأي

مع قُرب انطلاق نهائيات كأس إفريقيا للأمم "المغرب2025".. من تتوقع أن يفوز باللقب من منتخبات شمال إفريقيا؟

Loading...