بين رادس وكولون.. قصة انبعاث "الأسد" بونو من القعر إلى المجد الأوروبي
إن كان للمصريين "فخر" برؤية نجمهم الوطني محمد صلاح على أعلى أدراج منصات التتويج الأوروبية، فإنه يحق للمغاربة أن يفتخروا بابن بلدهم ياسين بونو.
ليس فقط لأنه أول حارس مرمى عربي يتوج بلقب على صعيد البطولات الأوروبية للأندية وإنما لأن الإنجاز في حد ذاته نابع من مسار يحتدى به للشباب الممارس لكرة القدم، سواء في شمال المملكة أو جنوبها.
وراء أي قصة نجاح من مثابرة ممزوجة توابل من الحظ، وما ياسين بونو إلا مثال للجمع بين الاثنين، فكما كان محظوظا برؤية النور في مونريال الكندية، ظل كذلك وهو يلج صغيرا مدرسة نادي الوداد الرياضي، مثل أي طفل صغير ينهل من حب "الحمراء" وسط أحياء "كازابلانكا"، بين جدران لازالت تغنى بحراس كبار مروا من أسوار مركب "محمد بنجلون". بداية بالزاكي بادو، مرورا بهشام عزمي وخالد فوهامي إلى نادر المياغري..
عكس بونو منطق "لكل بداية نهاية" فكان "بارادوكس" مشواره أن انطلق من النهاية. ذات ليلة باردة من نونبر 2011، حين علم الحارس الشاب أنه سيحمل على عاتقه مسؤولية حماية عرين الوداد في أحد أهم محطات النادي، كيف لا والموعد مع المشهد الختامي لمسابق عصبة الأبطال الإفريقية أمام الترجي التونسي في الملعب الأولمبي برادس، معوضا الحارس الأساسي نادر المياغري الذي أصيب بكسر حال دون دخوله رسميا في المواجهة.
خسر بونو النهائي بهدف قاتل من الغاني هاريسون أفول، إلا أنه كسب تجربة المواعيد الكبرى، مما سمح له تسع سنوات بعد ذلك، أن يقف سدا منيعا أمام راشفورد, مانشتر يونايتد الإنجليزي ولوكامو انتر ميلانو الإيطالي، فتحطم فكر أولي غونار سولسكاير كما فلسلفة أونتوني كونتي بين قفاز "الأسد" المغربي.
هو كفاح حارس طموح، اختار "مكرها" أن يكون الرقم "2" طيلة بداياته، منذ أن لعب في رديف أتليتيكو مدريد الإسباني إلى حين توقيعه في كشوفات إشبيلية في شتنبر 2019، على سبيل الإعارة من جيرونا، حيث اغتنم بونو الفرص التي سنحت له وانقض عليها بالنواجد، مؤمنا بأنه الحارس البديل الذي يدخل ضمن نظام "المداورة" والتي تعلق عليه آمال الأندلسيين من أجل صيانة إرث التتويجات بلقب "اليورباليغ".
شارك بونو فقط في 18 مباراة خلال الموسم المنقضي، عشرة منها في ملحمة التتويج الأوروبي، فارضا إسمه بقوة على إدارة إشبيلية والمدرب جوليان لوبيتيغي، الأخير الذي سيرتكب خطأ آخر إن سمح بتسريح اللاعب بعد نهاية فترة إعارته.. أشبه إلى حد ما لهفوة تعاقده مع ريال مدريد، والحرمان من قيادة المنتخب الإسباني في "مونديال" روسيا الأخير.
في سن التاسعة والعشرين، وجد المنتخب الوطني خير خلف لحماة عرينه ممن تعاقبوا عليه طيلة سنوات، حيث شاءت الأقدار أن يكون بونو أيضا من أبناء حضانة الوداد، التي منحت الكرة المغربية والإفريقية أحد أعظم حراسها عبر التاريخ، صاحب ملحمة "مكسيكو1986" الذي قهر "الألمان" كما صنع حامي عرين إشبيلية لنفسه صفحة في نفس الكتاب من كولون أرض"الماكينات".