بَعد تورّط بعيوي في ملف "إسكوبار الصحراء".. لماذا تنكّر حزب "الأصالة والمعاصرة" لشقيقه وصهره؟

 بَعد تورّط بعيوي في ملف "إسكوبار الصحراء".. لماذا تنكّر حزب "الأصالة والمعاصرة" لشقيقه وصهره؟
الصحيفة - خولة اجعيفري
الخميس 11 يناير 2024 - 12:00

يبدو أن جعبة ملف ما بات يُعرف إعلاميا بـ "إسكوبار الصحراء"، ما تزال تُخفي الكثير من الأسرار الصادمة، التي بدأت تنكشف مع مُضي الأيام، وتمحيص التحقيقات في خفايا القضية التي زاوجت بين "المخدرات والسياسة وفساد الأعمال"، لتولّد واحدة من أكبر فضائح الفساد العابر للحدود في تاريخ المغرب، إن لم نقُل أكبرها سيّما بعد تبوث تورّط رجالات الأعمال ومسؤوليين سياسيين وحزبيين، وسط أنباء عن استعداد الداخلية لجر مزيد من الأسماء "المسؤولة" إلى القضاء.

رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية في وجدة للتحقيق المباشر

إلى حدود الساعة، يتصدّر اسمي كل من سعيد الناصري، رئيس مجلس عمالة الدار البيضاء والقيادي في حزب الأصالة والمعاصرة، وزميله عبد النبي بعيوي، القيادي رئيس جهة الشرق، لائحة المتهمين المعتقلين على ذمة التحقيق، بتهم ثقيلة تتعلق بـ"التزوير في محرر رسمي والمشاركة في تزوير سجل ومباشرة عمل تحكمي، والإرشاء، وتسهيل خروج أشخاص من التراب المغربي في إطار عصابة واتفاق، والمشاركة في مسك المخدرات، ونقلها وتصديرها، وإخفاء أشياء متحصل عليها من جنحة، والتزوير في محررات رسمية وعرفية واستخدام مركبات ذات محرك".

وبالتزامن مع استمرار التحقيقات والأبحاث التي تجريها الفرقة في هذا الملف انتقل هشام باعلي، رئيس الفرقة الوطنية للشرطة القضائية المعروفة اختصارا بـ BNPJ، والمعين حديثا واليا للأمن، إلى مدينة وجدة بنفسه للاستماع شخصيا إلى العديد من كبار المسؤولين في وزارة الداخلية ممن يحتمل أن يكونوا متورطين في منح عقود عمومية غير مشروعة لصالح عبد النبي بعيوي، منذ أوائل سنة 2000، وهو ما ينذر بـ"اعتقالات مرتقبة جديدة" وفق ما أفادت به مصادر لـ "جون أفريك" التي فجّرت هذا الملف برُمته.

كولسة بعيوي لإخراس صوت العدالة

المُثير في المعلومات التي وفّرتها المصادر ذاتها، هو أن بعيوي الذي كان على علم بأنه معرض لخطر الاعتقال، كان سيختار التزام الصمت في وجه قاضي التحقيق المسؤول عن المعلومات القضائية ومحققي المكتب الوطني للشرطة القضائية فيما من المهم الإشارة إلى أن زوجته السابقة خرجت لتقديم شهادتها ضده، متهمة إياه بتنفيذ "جرائم توثيقية تحايلية"، جعلته يستولي على فيلا "الحاج المالي" قبل عدة سنوات.

ولإسكات صوت زوجته السابقة، والذي يُعارض مصالحه الخاصة، قام بعيوي بالتسبب بالزج بها في السجن بتهمة "الزنا"، في حين أن شقيقه عبد الرحيم بعيوي، رئيس الجماعة القروية عين الصفا (الجهة الشرقية) وواحد من القياديين الباميين ممن يحظون بمكانة متميزة في الحزب قبل تجميد عضويته من "حزب الأصالة والمعاصرة" الذي يرأس مكتبه جهويا، موقوف منذ 7 أكتوبر بعد مصادرة عدة أطنان من المخدرات في مزرعتين عائليتين.

ولم تنته مفاجآت أسرة بعيوي، عند هذا الحد، ذلك أن لمير بنقاسم صهر الأخوين بعيوي، وهو واحد من أبناء مدينة وجدة ممن سطع اسمهم في العمل الجمعوي والرياضي قبل أن يدخل عالم الانتخابات في فترة 2015 – 2021 بإسم الأصالة والمعاصرة ويضمن مقعده البرلماني، استمعت إليه الشرطة القضائية بدوره بعدما تبث أنه كان مسؤولا عن نقل المخدرات من شمال المغرب إلى دولة مجاورة، كما أن ابنه وللمصادفة، معتقل بدوره في ملف آخر لكنه مرتبط بحيازة المخدرات.

100 مليار سنتيم مُجمدة

من جهة ثانية، وكإجراء احترازي، قام قاضي التحقيق بتجميد أصول عبد النبي بعيوي التي تبلغ عدة مليارات من الدراهم، إلى جانب عقاراته التي لا تقل عن 150 عقارا والموزعة على مختلف مدن المغرب على رأسها البيضاء طنجة مراكش، وتفوق قيمتها 100 مليار سنتيم، وفق ما أكدته مصادر مقرّبة من الملف لـ "الصحيفة"، مشدّدة على أن جميع مقربي الأسرة باتوا يتحسسون رؤوسهم، خصوصا وأنه كان يغدق عليهم بالهدايا من هذا النوع.

وتورط الأخوان "الباميان" بعيوي، وصهرهما البرلماني السابق أيضا بحزب الأصالة والمعاصرة، في هذا الملف "المثير" والمرتبط بشكل وثيق بتهم الاتجار في المخدرات العابرة للحدود، يستوجب طرح استفهامات عدّة حول مصدر القوة والنفوذ اللذين يحظى بهما المعنيون الرئيسيون بهذا الملف، سيما وأن تاريخهم السياسي عموما قصير ومعروف، فيما يبقى التاريخ المهني قيد الكتمان.

لماذا أسقط حزب "الأصالة والمعاصرة" إسمين آخرين من بلاغه؟

اللافت للانتباه أيضا، هو أن البلاغ الصادر عن حزب الأصالة والمعاصرة في 23 دجنبر الماضي، والذي تبرأ فيه من التصرفات الشخصية لأعضائه، والذي يؤكد من خلاله احترامه لقرارات القضاء العادل، لم يُشر إلى قيادييه أيضا عبد الرحيم بعيوي، ولمير بنقاسم، واكتفى بالقول إنه تابع التطورات الأخيرة التي عرفها ملف البحث المجرى في حق "عضوين" بالحزب يترأسان جماعتين ترابيتين، في إشارة إلى سعيد النصيري وعبد النبي بعيوي فقط، وهو ما يعني تنكر واضح للمتهمين الاثنين الباقيين.

وفي هذا الإطار، تواصلت "الصحيفة"، مع كل من الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، عبد اللطيف وهبي، و سمير كودار، نائب الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، لاستفسارهم حول وضعية المعنيين بالأمر داخل الحزب، وإذا ماكانا قد جمّدا عضويتهما في الحزب إسوة بالنصيري وبعيوي عبد النبي،  وكذا استفسارهم حول أسباب سقوط إسميهما في بلاغ الحزب.

وفي وقت فضّل وهبي عدم الخوض في الموضوع وتجاهل استفسارات "الجريدة"الصحيفة"، اكتفى كودار، بتأكيد أن المعنيين قد جمّدا فعلا عضويتهما في الحزب تزامنا مع وقائع تورطهما في الملفات المرتبطة بالإتجار في المخدرات، فيما لم يُقدم أي إيضاحات بخصوص أسباب سقوط اسميهما من بلاغ الحزب.

سيرة بعيوي "الغامضة"

المسار السياسي والمهني المعروف والضئيل لبعيوي لا يقل إثارة عمّا سبق، ذلك أنه لا وجود لأدنى معلومة حول شهاداته ومساره الدراسي فيما ولد سنة 1971، وهاجر بصفة غير شرعية إلى فرنسا خلال ثمانينيات القرن الماضي، حيث أدين ببعض التهم، قبل إحياء شركة إنشاءات (Bioui Travaux) برأس مال غامض المصدر، وفي عام 1999، عاد لبحث مكان في عالم السياسة بلون حزب الأصالة والمعاصرة.

وبالموازة مع ما سبق، عرفت شركة الأشغال العمومية التي يكتسبها بعيوي تطورا على الصعيدين الجهوي والوطني، حيث استطاع أن يفرض اسمه ضمن المقاولين الكبار في قطاع البناء والأشغال العمومية والعقار.

وظفر بمقعد برلماني باسم حزب الأصالة والمعاصرة، للفترة (2011 – 2015)، إلى جانب عضويته بلجنة البنيات التحتية بمجلس النواب، ورئيسا للجنة البرلمانية المغربية – اليابانية، وفي شتنبر 2015، أصبح أول رئيس للمجلس الجهوي لجهة الشرق في ظل التقسيم الجهوي الجديد للمغرب، والذي دخل حيز التنفيذ في إطار ورش الجهوية المتقدمة، كما أنه وفي سنة 2020، تمكن رئيس جهة الشرق من الحصول على عضوية المكتب السياسي لحزب الأصالة والمعاصرة، وعضوية اللجنة الوطنية للانتخابات داخل هذه الهيئة السياسية.

وفي أعقاب الانتخابات الجهوية للثامن من شتنبر، أعيد انتخاب عبد النبي بعيوي كمرشح وحيد لرئاسة المجلس، مستفيدا من تنسيق الأغلبية الحكومية بين حزب الأصالة والمعاصرة والتجمع الوطني للأحرار وحزب الاستقلال، وذلك على الرغم من إدانته في مارس 2019، أدين بتهم "اختلاس الأموال العامة والاحتيال" من قبل غرفة الجرائم المالية بمحكمة الاستئناف بفاس، أبطلته محكمة النقض في يوليوز 2022.

ولم يكن محامي بعيوي آنذاك، سوى عبد اللطيف وهبي، وزير العدل الحالي والأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة، الذي كان أيضا وفي وقت مضى محاميا لسعيد الناصيري، وتؤكد مصادر حزبية لـ "الصحيفة"، أن العلاقة بين وهبي وبعيوي "ممتازة جدا، وتكاد تكون عائلية بيد أنه من المستبعد جدا أن يكون لوزير العدل الحالي علاقة بملف "إسكوبار الصحراء"، خصوصا وأنه عبّر عن غضبه مرارا خلال اجتماعات المكتب السياسي، وفي لقاءاته مع قياديي الحزب غير الرسمية عن غضبه مما يحدث وتوريط الحزب في ملف من هذا الحجم يمس هيبته وسمعته أمام الرأي العام المغربي".

أقيلوا هذا الرجل !

صناعة الفشل في المغرب سلعة رائجة. هذا على الأقل ما يمكن استخلاصه عند الإطلاع على حال شركة الخطوط الملكية المغربية التي يقودها عبد الحميد عدو إلى الهاوية وهو مستمتع بالمُهمة ...

استطلاع رأي

كمغربي أو مقيم في المغرب، هل تشعر أن ارتفاع الأسعار ونسبة التضخم أثرت على:

Loading...