تأجيل انتخاب القيادات وتلويح بالانسحاب.. هل يَحجُب "البام" بوادر الانشقاق بـ"كورونا"؟
لم يعد المتتبع للشأن السياسي بالمغرب قادرا على أن يطرد من ذهنه فكرة وقوف حزب "الأصالة والمعاصرة" على حافة الانشقاق منذ ما جرى في المؤتمر الوطني الأخير الذي أفرز عبد اللطيف وهبي أمينا عاما جديدا، وأخرج للعلن انقسامات داخلية بلغت حد الاشتباك بالأيدي والتراشق بالشتائم، وهو الأمر الذي أكده أيضا الارتباك الحاصل في صفوف الحزب قُبيل تشكيل المكتب السياسي.
وأثبتت القيادة الحالية للحزب هذا المعطى من خلال دعوتها لتأجيل المجلس الوطني بحجة الالتزام بتوجيهات وزارة الصحة والخوف من انتشار فيروس "كورونا المستجد"، لكن وبعدما تأكدت إصابة 6 أشخاص بالفيروس في المغرب عاد الحزب ليعلن عن عقد المؤتمر في نهاية الشهر الجاري، وذلك تزامنا مع التلويح الصريح للمرشح السابق لرئاسة الحزب، سمير بلفقيه، بـ"الانشقاق" عن "البام".
"كورونا الخلافات"
وكانت رئيس المجلس الوطني للبام، فاطمة الزهراء المنصوري، قد أصدرت يوم 3 مارس الماضي قرارا بتأجيل عقد اجتماعه الخامس والعشرين الذي كان مقررا يوم 7 مارس 2020، من أجل "حماية مناضلينا ومناضلاتنا وكافة شعبنا ووطننا من انتشار هذا الفيروس الفتاك، واحتراما لتوجيهات السلطات الصحية ببلادنا"، وفق ما جاء في الوثيقة الموقعة باسمها، مضيفة أن الأمر تم بعد تداولٍ مع الأمين العام.
لكن، وبشكل مفاجئ، عادت المنصوري يوم 9 مارس، لتدعو إلى انعقاد المجلس الوطني في تاريخ 29 مارس على الساعة العاشرة صباحا بقصر المؤتمرات بالصخيرات، لانتخاب أعضاء المكتب السياسي وهياكل المجلس الوطني، مع إعفاء أعضائه المقيمين بالخارج من الحضور، وهو الأمر الذي تم في وقت يرتفع فيه احتمال تحول المرض إلى وباء بالمغرب، إذ إلى حدود أمس الأربعاء ارتفعت حالات الإصابة إلى 6 من بينها حالة وفاة.
ويزكي هذا "التناقض" ما أسرت به مصادر سياسية لـ"الصحيفة" حول كون الخطوة التي سبق أن أقدم عليها وهبي والمنصوري لم تكن سوى "محاولة لربح الوقت"، بسبب عدم وجود توافق بين تيار الأمين العام الحالي وتيار سلفه حكيم بنشماس الذي يتجه نحو "الخروج الجماعي" من "البام" استعدادا لتأسيس حزب جديد.
وأشارت المصادر ذاتها إلى أن وهبي اضطر إلى لعب ورقة "التأجيل" وإلصاقها في وباء كورونا بسبب وجوده في موقف "هش" جراء عدم استقبال الملك محمد السادس له، لكن بمجرد تأكد موعد الاستقبال الملكي الذي تم بالأمس بـ"التماس من الأمين العام لحزب الأصالة والمعاصرة"، كما جاء في بلاغ الديوان الملكي، عزم هذا الأخير على تشكيل مكتبه السياسي دون انتظار أي توافق مع خصومه.
إعلان حرب
لكن وتزامنا مع الإعلان عن الموعد الجديد للمجلس الوطني للحزب، جاء الخروج العلني لسمير بلفقيه، الذي كان آخر المنسحبين من سباق الأمانة العامة أمام وهبي، ليحمل تلويحا علنيا بالخروج من "البام"، إذ في مقال طويل نشره على حسابه في "الفيسبوك" أورد أن "المواقف الأخيرة للتيار الذي أفرزه المؤتمر الرابع لحزب الأصالة والمعاصرة، فيما يتعلق، على وجه التحديد، بنظرته لمكانة الإسلام السياسي في العمل الحزبي، لَتُعَبِّرُ، بشكل صريح وواضح عن محاولة الإقبار النهائي للفكرة الأم والفكرة الأصل التي ألهمت ولا زالت تلهم فئات عريضة من المجتمع المغربي خصوصا لدى الشباب، فئات مجتمعية مقتنعة براهنية المشروع وعلة وجود الحزب وكذا ضرورة استدامة عرضه السياسي في فضاء حزبي مؤمن بالتعددية".
وتابع بلفقيه، الذي رشحت أخبار عن طلب وهبي منه الالتحاق بالمكتب السياسي، أن "هذا الانحراف عن المسار أصبح يهدد المشهد الحزبي برمته ويعلن القطيعة مع إحدى أهم مرتكزات مشروع الأصالة والمعاصرة، الذي ظل يرفض ويقاوم جميع المحاولات التي تصبو إلى الاستغلال المقيت للمشترك العَقَدِي لتوجيه المغاربة نحو "التمكين" لمشروع سياسي بعينه".
وأورد السياسي نفسه أن "الأحداث المتسارعة التي اتسمت بها محطة المؤتمر الرابع للحزب وسنوات التيه والتخبط التي سبقتها، خلقت إجماعا وقناعة عند مجموعة من حكماء الحزب وحملة المشروع بأنه من جهة، يصعب في الوقت الراهن تجاوز ما وقع من أذى وإمكانية العمل بنفس وحدوي في ظل هذه الأجواء، ومن جهة أخرى، فقد أدى هذا إلى إعادة التوهج لمفهوم "البام الفكرة" و"البام المشروع"، مما سيدفع بهم لا محالة إلى إعادة تأصيل مفاهيم "فكرة" المشروع الأصلية التي لازالت تُشكل مصدر إلهام لأبناء المشروع والقيادات الحزبية الملتزمة بالاستمرار في المساهمة في بناء مغرب حداثي وديمقراطي يعكس البنية السلوكية الجماعية للمغاربة".
بوادر الانشقاق
ويبدو كلاما بلفقيه ترجمة علنية للأنباء الرائجة في الأوساط السياسية حول تشكل تيار مكون من مجموعة من القيادات البارزة الراغبة في إنهاء تجربة حزب الأصالة والمعاصرة قبل انتخابات 2021، بل ومزاحمتها خلال الاستحقاقات التشريعية والمحلية والجهوية المقبلة عبر خلق حزب جديد يقوده الأمين العام السابق للبام حكيم بنشماس.
ووفق المعطيات التي حصلت عليها الصحيفة، فإن بنشماس "مدعوم في هذه الفكرة بمجموعة من الأسماء البارزة بمن فيها أمناء عامون سابقون، وعلى رأس هذه الأسماء العربي المحرشي ومحمد الشيخ بيد الله إلى جانب مجموعة من البرلمانيين الحاليين"، في الوقت الذي تشير فيه معطيات أخرى لى أن الهدف هو "تقاسم المقاعد في الانتخابات البرلمانية المقبلة مع حزب العدالة والتنمية بما يحرم هذا الأخير من تحالف محتمل مع الأصالة والمعاصرة".
وبالعودة إلى مقال بلفيقه، تظهر إشارات هذا التوجه بشكل صريح من خلال حديثه عن كون أن أحد الخيارات المطروحة أماممن وصفهم بـ"الورثة الحقيقيين لمشروع الأصالة والمعاصرة" يتمثل في "حمل الفكرة إلى فضاءات أرحب وإطار تنظيمي أنسب، يمكن من خلاله تجسيد القيمة الهوياتية لـ"تمغربيت" وذلك عن طريق نقل الأعضاء السليمة للمشروع من الهيكل إلى كائن حركي جديد، كائن يعكس فكرة "تمغربيت" وروح "تمغربيت" وأصالة "تمغربيت عبر خلق بنية مناسبة كفيلة باحتضان الفكرة والعقيدة السياسية الأصلية، وهذا لا يعني جمود الرؤية بل يعني حمايتها وإعطاءها فرصة الاستمرار".