ترامب أم بايدن.. على أيهما سيُراهن المغرب في الرئاسيات الأمريكية؟
قبل أقل من عام على موعد الانتخابات الرئاسية الأمريكية المقررة في نونبر من العام المقبل، يبدو المغرب متحفظا على الطرف الذي يرغب في وصوله إلى البيت الأبيض، عكس ما كان عليه الأمر قبل 3 سنوات، حينما كان دعمه لهيلاري كلينتون، مرشحة الحزب الديموقراطي، علنيا، في وقت كانت فيه حظوظها لحسم الانتخابات تبدو كبيرة، قبل أن يُصدم العالم بخبر فوز المرشح الجمهوري دونالد ترامب.
ودفع المغرب ثمنا ديبلوماسيًا لهذا الاختيار، إذ دخلت علاقة الرباط بواشنطن في حالة فتور غير مسبوق، قبل أن يعود إليها الدفء تدريجيا خلال العام الجاري، ما جعل الرئيس الحالي خيارا "غير سيء" بالنسبة للمصالح الاستراتيجية للملكة، التي لا تقفل الباب في المقابل أمام التعامل مع خيارات أخرى، أبرزها المرشح المتوقع للحزب الديمقراطي، جو بايدن، نائب الرئيس الأمريكي السابق باراك أوباما التي تحتفظ له الرباط بالود.
بايدن.. على خطى كلينتون
لم تكن علاقة آل كلينتون بالعائلة المالكة في المغرب، مجرد علاقة سياسية عابرة، فمنذ أن توطدت الصداقة بين الرئيس الأمريكي السابق بيل كلينتون والملك الراحل الحسن الثاني عقب وصول الأول إلى الرئاسة سنة 1993، استمر الأمر في التطور إلى أن أصبح علاقة متينة شبه عائلة كانت آخر تمثلاتها زيارة الثنائي كلينتون إلى مراكش وإقليم الحوز شهر شتنبر الماضي.
وكان لهذه الصداقة أثر حتى في علاقة هيلاري كلينتون بالمملكة عندما كانت وزيرة للخارجية سنة ما بين 2009 و2013، حتى أنها اتهمت من طرف دبلوماسيين جزائريين بـ"التحيز للمغرب في قضية الصحراء"، وهو الأمر الذي يُفسر الدعم غير المسبوق والمُعلن لها بعد إعلان ترشحها للانتخابات الرئاسية، لدرجة أن رئيس الحكومة السابق عبد الإله بن كيران كان قد وصفها بأنها "الأصلح للعلاقات المغربية الأمريكية".

وساهمت كلينتون بشكل كبير في تعزيز علاقات الإدارة الأمريكية بالمغرب، وهو ما سيتضح أيضا من خلال علاقة "جو بايدن" بالمملكة التي زارها في نونبر من سنة 2011 من أجل حضور القمة العالمية لريادة الأعمال بمراكش، وهناك سيُبدي نائب أوباما الكثير من الود للمغاربة، حين أورد أنه لم ينس أن بلدهم كان أول بلد اعترف باستقلال الولايات المتحدة الأمريكية، ووصف المغرب بأنها "بوابة أمريكا نحو إفريقيا".
تفادي أخطاء الماضي
ورغم أن العديد من وسائل الإعلام والمحللين السياسيين يعتبرون بايدن الخيار الأقرب للرباط، إلا أن المملكة عمدت هذه المرة إلى "الحذر" تفاديا لتكرار "أخطاء" سيناريو دعمها لكلينتيون، وهو "الحذر" الذي اتسمت به مواقف بايدن وفريقه الانتخابي أيضا من الدعم المغربي، لدرجة أن حملته رفضت تبرعا ماليا مقدما من "اللوبي المغربي" في الولايات المتحدة.
ففي يونيو من العام الجاري كشفت صحيفة "ميركوري نيوز" الأمريكية أن حملة جو بايدن للانتخابات الرئاسية المقبلة رفضت دعما ماليا من طرف جماعة ضغط تسمى "ثورد سيركل" وتمثل لوبي المغرب وقطر وأذربيدجان في أمريكا، وذلك بعدما اعتبرت أن تلك الأموال "تنتهك" السياسة التي ينهجها المرشح الديمقراطي في الحملة الانتخابية.
وارتكزت حملة بايدن في رفضها للأموال المغربية على ميثاق كان قد اعتمده المرشح الديمقراطي يشترط أن يكون الدعم المالي من طرف مواطنين أمريكيين أو مقيمين دائمين في الولايات المتحدة، وأن تكون مصدره مالهم الخاص وغير محصل عليه من جهة أخرى.
ويبدو أن بايدن استفاد من تجربة كلينتون، وحاول تفادي الجدل الذي وقعت فيه في أكتوبر من عام 2016، قبل نحو 3 أسابيع فقط من موعد الانتخابات الرئاسية، حين كشف موقع "ويكيليكس" عن تلقيها تمويلا مغربيا بقيمة 12 مليون دولار أمريكي عن طريق "مؤسسة كلينتون" التي كانت تديرها بنفسها، ما أوقعها في حرج كانت في غنى عنه.
ترامب.. مد وجزر
وفي المقابل، يبدو دونالد ترامب اليوم أيضا خيارا مناسبا للمغرب، على الرغم من أن علاقة إدارته بالمغرب عرفت فترات مد وجزر منذ وصوله لكرسي الرئاسة أواخر 2016، لا تزال انعكاساتها حاضرة من خلال غياب سفير لواشطن عن مقر السفارة في الرباط، لأزيد من سنتين قبل أن يتم تعيين دافيد فيشر، سفيرا، ليعوض السفير السابق دوايت بوش الذي غادر منصبه في يناير من سنة 2017.

إلا أن ترامب بدا "براغماتيا" في تعامله مع المملكة، خاصة عندما اقتنع بالدور الذي يمكن لعاهلها أن يلعبه في خطته الجديدة لحل القضية الفلسطينية المعروفة بـ"صفقة القرن"، لذلك حاول كثيرا كسب ود رئيس لجنة القدس، بما في ذلك ترتيب زيارة مستشاره وزوج ابنته جاريد كوشنير إلى المغرب للقاء الملك في ماي الماضي، رغم أن هذه الزيارة لم تحصد النتائج المرجوة.
ويبدو تضارب الرؤى بين الملك محمد السادس وترامب واضحا عندما يتعلق الأمر بالقضية الفلسطينية، وهو ما يؤكده أيضا فشل لقاء وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بالملك هذا الشهر، والتي ذكرت وسائل إعلام عبرية أن من بين أبرز أسبابها محاولة المسؤول الأمريكي جلب رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو معه من البرتغال للقاء بالعاهل المغربي، قصد كسب نقط مهمة في "خطة التطبيع".
إلا أن إدارة ترامب تفطنت في المقابل إلى أن المملكة يمكنها أن تلعب أدوارا في قضايا أخرى ذات أولوية، من بينها التصدي للجماعات المتطرفة في إفريقيا والتعاون الأمني مع أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية، الشيء الذي يفسر موافقة الخارجية ووزارة الدفاع الأمريكيتين شهر نونبر الماضي على صفقة تسلح مع المغرب بقيمة 4,25 مليار دولار.

وبدا أن ترامب يحاول رسم خطوط اتصال أكثر حميمية مع المغرب، على غرار ما فعله آل كلينتون، فالرجل الذي سبق له أن التقى الملك الراحل الحسن الثاني سنة 1992، بعث ابنته إيفانكا إلى المملكة في 6 نونبر الماضي في إطار "مبادرة التنمية والازدهار العالمي للمرأة" التابعة للإدارة الأميركية، لكن "مستشارة الرئيس" أصرت على جعل هذه الزيارة ذاتَ حمولة إنسانية كبيرة، من خلال الصور التي روجتها عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
الصحراء.. المبتدأ والمنتهى
غير أن ترامب يملك ورقة أسبقية أقوى في مواجهة الديمقراطيين بالنسبة للمغرب، وهي الورقة الأهم على الإطلاق في علاقة المملكة بأي دولة في العالم، ويتعلق الأمر بقضية الصحراء، التي منحت واشنطن للرباط عدة نقاط تقدمٍ بخصوصها في مواجهة خصومه في عهد الرئيس الحالي، مثلما كان الأمر في بداية العام الجاري.
ففي 3 يناير الماضي قاد النواب الديمقراطيون في الكونغرس بزعامة نانسي بيلوسي محاولة لاستثناء الأقاليم الصحراوية من المساعدات الأمريكية السنوية مستغلين الأغلبية التي يتوفرون عليها، لكن مجلس الشيوخ ذا الأغلبية الجمهورية رفض مشروع القانون معتبرا الصحراء جزءا من التراب المغربي، الأمر الذي احتفت به الدبلوماسية المغربية باعتباره "انتصارا سياسيا كبيرا".

وفي فبراير من العام الجاري، صادق ترامب على قانون الميزانية الأمريكية لسنة 2019، والذي نص على أن المساعدات المقدمة للمغرب في إطار الفصل الثالث يمكن أن تستخدم أيضا في أقاليم الصحراء، الشيء الذي أكدته وزارة الخارجية المغربية عبر بلاغ لها يحتفي بهذه الخطوة، إذ أوردت أن "الرئيس ومجلسي الكونغرس، يتفقان بذلك على اعتبار جهة الصحراء جزءا لا يتجزأ من المملكة".
ويظهر أن 2019 كانت سنة كسب المغرب للعديد من النقاط في قضية الصحراء بفضل إدارة ترامب، ففي 28 نونبر الماضي تطور مهم في الموقف الأمريكي قبل أيام من زيارة بومبيو للرباط، إذ أوردت أن "مسؤولا أمريكيا رفيع المستوى أكدد من واشنطن انخراط الولايات المتحدة الأمريكية مع الأمم المتحدة من أجل الدفع بالحل السياسي"، ناقلة عن المصدر نفسه أنه وصف مخطط الحكم الذاتي المغربي بـ"الجدي والواقعي وذي المصداقية".