ترحيب في موريتانيا بمخرجات لقاء محمد ولد الشيخ الغزواني بالملك محمد السادس.. ومَطالب بتعزيز العلاقات الاستراتيجية بين البلدين
حظيت الزيارة الخاصة التي قام بها الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني إلى المغرب باهتمام واسع، تجاوز الإطار الرسمي ليشمل أوساط المعارضة الموريتانية داخل البلاد وخارجها، التي أكدت أن تعزيز التعاون بين الرباط ونواكشوط يُمثل ضرورة استراتيجية في مواجهة التحديات الأمنية الإقليمية المتصاعدة، بشكل يستدعي بالضرورة ترسيخ شراكات استراتيجية وإطلاق مبادرات اقتصادية تخدم المصالح المشتركة للشعبين.
ويُعد اللقاء الذي جمع الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني بالملك محمد السادس، أول أمس الجمعة حدثًا بارزًا في مسار العلاقات المغربية-الموريتانية، كونه الأول من نوعه منذ تولي الغزواني السلطة، فرغم أنه يفتتح سنته الثانية من ولايته الثانية على رأس الجارة الجنوبية، إلا أنه لم يقم بأي زيارة رسمية للمغرب خلال فترة حكمه، ومع ذلك، يُعرف عن الغزواني أنه قاد العلاقات الثنائية نحو مرحلة جديدة من التعاون المثمر، متجاوزًا الإرث الثقيل لما يُعرف بـ"العشرية السوداء" التي ميزت سياسة سلفه، الرئيس السابق محمد ولد عبد العزيز، تجاه المغرب، كما يعكس هذا اللقاء توجهًا دبلوماسيًا جديدًا، يهدف إلى تعزيز الشراكة الإقليمية وتطوير التعاون الاستراتيجي بين البلدين.
وقد أكّدت بعض الأصوات المعارضة، التي تواصلت معها "الصحيفة" أهمية المحافظة على مستوى عالٍ من التعاون بين نواكشوط والرباط، لما يربط البلدين من علاقات تاريخية ومصالح مشتركة، مع الإشارة إلى الدور المحوري الذي يلعبه المغرب بالنسبة لموريتانيا في مجالات الأمن والاستقرار والاقتصاد، سيما وقد تناولت الزيارة الخاصة قضايا استراتيجية بالغة الأهمية، في طليعتها مشروع خط أنبوب الغاز نيجيريا – المغرب، ومبادرة تعزيز وصول دول الساحل إلى المحيط الأطلسي.
وفي هذا الإطار، قال الناشط السياسي الموريتاني المقيم في الولايات المتحدة الأمريكية، لعمر أحمد سالم، إن العلاقات بين موريتانيا والمغرب تحمل طابعًا استراتيجيًا لا يمكن تجاهله، بالنظر إلى التحديات الإقليمية والدولية التي تواجه البلدين والمنطقة عمومًا، معتبرا أن النظام الرسمي الموريتاني يتحمل مسؤولية كبرى في الحفاظ على مستوى عالٍ من التعاون مع المغرب، لأن هذا التعاون ليس مجرد خيار سياسي، بل هو ضرورة جيوسياسية واقتصادية وأمنية، كما أنه ومن جهة أخرى، المغرب أيضًا بحاجة إلى موريتانيا في محيطها الإقليمي الذي يتسم بتوترات مستمرة جنوبًا وشمالًا وشرقًا.
وفي تصريح خصّ به "الصحيفة"، أوضح أحمد سالم الذي كان في وقت سابق عضوًا في حزب "تكتل القوى الديمقراطية"، أكبر أحزاب المعارضة في موريتانيا، قبل أن يقدّم استقالته عام 2019 ويستمر كفاعل سياسي مستقل ومعارض، أن زيارة الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني الأخيرة إلى المغرب تحمل دلالات عميقة، رغم تقديمها في البداية على أنها زيارة خاصة للاطمئنان على صحة السيدة الأولى، إلا أن الاستقبال الرسمي الذي حظي به من طرف الملك محمد السادس يعكس أهمية الزيارة ومكانتها في سياق العلاقات الثنائية بين البلدين، موردا أنه بالنسبة للرأي العام الموريتاني، كانت هذه الزيارة بمثابة تأكيد جديد على متانة العلاقات المغربية-الموريتانية، التي لطالما شكلت واحدة من حجر الأساس في استقرار المنطقة.
وهذه الزيارة في جوهرها، يعتبرها الناشط السياسي الموريتاني هي أكثر من مجرد لقاء بروتوكولي، فهي تعبير عن الروابط الاجتماعية والثقافية والتاريخية التي تجمع الشعبين الموريتاني والمغربي، سيما وأن البلدان لا تربطهما فقط علاقات جوار جغرافي، بل تجمعهما مصالح سياسية واقتصادية مشتركة تجعل من الضروري أن يكون هناك انسجام دائم بين الرباط ونواكشوط، وهو الانسجام ذاته الذي "لا يحقق فقط مصالح الشعبين، بل يعزز الاستقرار الأمني والسياسي والاقتصادي في المنطقة ككل، بمعنى أن المغرب ضروري لموريتانيا، وموريتانيا ضرورية للمغرب".
وعلاقة بانخراط نواكشوط في المشاريع الاستراتيجية الملكية وفي مقدّمتها مشروع أنبوب الغاز العابر بين نيجيريا والمغرب، الذي يمر عبر موريتانيا، أو التعاون في تسهيل ولوج السوق الأطلسية، يرى أحمد سالم أن التكامل بين البلدين أصبح ضرورة لا بديل عنها، موردا: "في السنوات الأخيرة، شهد التعاون الاقتصادي بين المغرب وموريتانيا تطورًا ملحوظًا، حيث ارتفعت معدلات التبادل التجاري والاستثمارات المشتركة إلى مستويات غير مسبوقة، وهذه الدينامية تعود بالنفع على البلدين وتضعهما على طريق التكامل بدلًا من التنافس أو التنافر، ويؤكد ويحفظ على أن المسار يجب أن يظل دائما مسار تعاون مشترك بين البلدين."
وشدّد المتحدث، على أنه لا يمكن تجاهل الأبعاد الاجتماعية لهذا التعاون المثمر، فالمغاربة والموريتانيين يتشاركون أواصر قوية، مع الانخراط الموريتاني في سوق العمل والتجارة والعقار المغربي أو السوق الاقتصادية المغربية عموما، إضافة إلى الدور الذي تلعبه اليد العاملة المغربية في السوق الموريتانية، وهذا التداخل يعكس مستوى التماهي بين الشعبين وأهمية استمرار العلاقات الثنائية في تحقيق تطلعاتهما.
وشدّد الفاعل السياسي على أن هذه الزيارة تأتي في توقيت حساس وتؤكد مرة أخرى ضرورة أن يظل التعاون والتعاضد بين المغرب وموريتانيا في إطار مستدام، ويجب أن يظل التعاون قائما بين البلدين وبين شعوب المنطقة بصفة عامة، مضيفا: "هذه الزيارة تأتي في الإطار السلمي والصحيح، ويجب أن تظل هذه الزيارات مستمرة لما في مصلحة الشعبين من حسن العلاقة بين البلدين، وحسن الجيرة وتسهيل معاملات الناس ومعاشها".
وزاد المتحدث بالقول: "المغرب يمثل بوابة حقيقية لموريتانيا نحو العالم الخارجي، خاصة في اتجاه أوروبا، في حين أن موريتانيا تفتح أمام المغرب آفاقًا استراتيجية نحو العمق الإفريقي. هذا التكامل لا يمكن الاستغناء عنه، ونحن كموريتانيين نكن احترامًا عميقًا للمغرب قيادةً وشعبًا، ونعتبره بلدًا ثانيًا لنا، يوفر لنا الأمن والاستقرار والراحة، ومن هذا المنطلق، فإن مستقبل العلاقات بين البلدين يجب أن يُبنى على أسس متينة من التعاون والشراكة بما يخدم الشعبين ويضمن مصالحهما المشتركة".
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :