تَفاعُلاتُ "السِّلْمِ الاجتِماعِي"!
"حِوارٌ اجتِماعِي" مُتوَقّعٌ بينَ الحكومةِ والمَركزياتِ النقابيّة.. نتَمنّى ألاّ يكُونَ نُسخةً مِن حِواراتٍ سابقةٍ غيرِ مُجديّة..
والحوارُ الاجتماعي، إذا كان ناجِحًا ومُفيدًا للعُمّال، فسَيكُونُ أيضًا ذا مِصداقيّة، ومُفيدًا للسِّلمِ الاجتِماعِي..
لقد عَوّدَتنا التّجاربُ السّابقة أنّ استِجابةَ أيّةِ حُكومة للمَطالبِ العُمّالية، ضَئيلةٌ جِدّا، ولا تُشفِي الغَليل..
كما عَوّدَتنا أنّ حِوارَ الحكومةِ مع المَركزِيّاتِ النقابيّة، يُخفِي طَرَفًا ثالثًا يتَكوّنُ من أربابِ التّشغِيل.. وهؤلاء هُم أكبرُ مُستَفيدٍ مِن أيّ حِوار، لسبَبٍ رئيسِيّ هُو أنّ الحُكومةَ - على العُمُوم - تُسانِدُ "البَاترُونَا"، على حِسَابِ مَن تُطلِقُ عليهِم نِقاباتُنا تسميةَ "الطّبَقةِ العامِلة".. وهذا وَصْفٌ طبَقِيٌّ قَدْحِي.. ويَسيرُ في اتّجاهِ خِدمةِ الطّبَقَةِ العُليَا، وهي تقُومُ بِتَحريكِ ثرواتِ البلَد..
▪︎وتُشَكّلُ الحُكومةُ الحَلقةَ الأقوَى..
وبِحُكمِ مَسؤوليتِها الرئيسيّة، باعتِبارِها سُلطةً تنفيذيّة، يُعتَقدُ أنها لن تَحِيدَ عَن سياسةِ حُكوماتٍ سابِقة.. وهذه كُلُّها، من الماضي إلى الآن، على العُمُومِ تُسانِدُ مَصالحَ (البَاترُونَا)، وتَضغَطُ على مَطالبِِ "العُمّال"، وهُم الحَلقةُ الضّعِيفة..
والنّتِيجة: إفشالُ أيّ حِوارٍ اجتِماعِي!
وتبقَى الحُكومةُ ماسِكةً في قَبضتِها بمِلَفّ "السِّلْمِ الاجتِمَاعِي"..
والضّائعُ - دائمًا - هو العامِلُ الذي يَشتَغِلُ في ظُروفٍ غيرِ سَلِيمة، ولا يَحظَى بِحُقُوقِه المَشرُوعة.. وعلى العُمُوم، لا يجِدُ إلى جانبِهِ نِقابةً عُمّاليةً جادّة..
وبعدَ نِهايةِ سِلسِلةٍ منَ الحِوارات الاجتِماعِيّة، تَخرُجُ الحُكومةُ إلى الشّاشة، لتَبرِيرِ فشَلِ الحِوار، والعَودَةِ بالمِلفّ إلى نُقطَةِ البِدَايَة..
ثم تُلقِي باللاّئِمَة على غَيرِها..
وتكُونُ النّتِيجةُ عَودةَ السِّلْمِ الاجتِماعِي إلى نُقطةِ الصّفر..
ومعها تَندَلِعُ احتِجاجاتٌ أُخرَى..
وتُدخِلُ الحُكومةُ هذا الملفَّ العُمّاليّ في خانةِ النّسيان..
▪︎وحُقُوقٌ أخرى تَضِيع.. وتُواكبُها اللاّمُبالاة..
ومَشاكِلُ اجتِماعيةٌ تطفُو على السّطحِ من جديد..
والحُكوماتُ المُتَتابِعةُ عِندَنا، هي دائمًا هكذا.. بعَقليّةٍ تَدبِيريّةٍ واحِدة: "تفقيرُ الفُقراء، وإغناءُ الأغنِيّاء"..
وبتعبيرٍ آخَر: "تَفقِيرُ اليَدِ العامِلة، وإغنَاءُ البَاتْرُونا"..
وهذه هي السياسةُ الاقتِصاديةُ التي نَهَجَتهَا جُلُّ الأحزابِ التي قِيلَ إنها فازَت في انتِخَابات، ثمّ قامت بتشكيلِ حُكومات..
حكوماتٌ لا تَبحَثُ عن حُلُولٍ جادّة - حُقوقيّة - مع اليَدِ العامِلة..
والبلادُ بحاجةٍ إلى فَتحِ الأبوابِ المَسدُودة..
فهل تتَغيّرُ الأحوالُ تحتَ مِظلّةِ الحكومةِ الجديدة؟
▪︎وجَبَ الاشتِغالُ على ثقافةِ "السّلمِ الاجتِماعِي".. ولا يجُوزُ التّفريطُ فيه، حتى لا نَتَعرّضَ لِمُضاعفاتٍ سَلبيّة، نتيجةَ إهمالِ "الحِوارِ الاجتِماعِي" الذي يَعنِي مُباشرَةَ تَسويةِ المَشاكلِ الاجتِماعيّة، قبلَ فَواتِ الأوَان..
وحَلُّ المَشاكلِ يَعنِي أيضًا أنّ مُؤسّساتِ الدولةِ واعيةٌ بمَخاطرِ إبقاءِ الظّرفِ على حالةِ "اللاّحِوَار"، على نفسِ حالةِ الرّكود، رغمَ أنّ الرّكودَ يُنتِجُ سلبيّاتٍ مُضِرّةً للبَلَد، سياسيّا واقتِصاديًّا واجتماعيّا وثقافيّا وصِحّيا..
والأجدَى أن يتَفَرّغَ كُلّ مَن تقَعُ على عاتقِهم، في مُؤسّساتٍ مَسؤولة، مَصالحُ البلد، وما أكثرَ مَصَالح البلد، وعلى رأسِها الاستِقرارُ وما أدراكَ ما الاستِقرار.. إنهُ ضرُورةٌ لبِلادِنا.. عَمُودٌ فِقرِيّ لإقلاعِنا التّنمَوِي، على كُلّ مُستوياتِ التّنميّة..
▪︎ وتجمِيدُ الحوارِ الاجتِماعِي لا مَعنَى لهُ إلاّ الرّفضُ الحُكوميّ لمُواكبةِ صعُوبةِ "القُدرةِ الشّرائية"، ولِمَداخيلِ الأُسرَةِ ومَصاريفِها اليومية..
والحُكوماتُ التي عَرفنَاها، تَختلفُ في الشّكل، وهي في السياسةِ الاجتماعيةِ مِن نمَطٍ واحد، ويَتِمُّ استِنساخُها في قالَبٍ لا يَتَغيّر.. يجبُ إعادةُ النّظر في تكرارِ أخطاءِ الماضي، في حياتِنا الرّاهنة..
والسِّلْمُ الاجتماعي لا يكُونُ بكَلامٍ مُوجّهٍ للاستِهلاكِ الداخلي، ولا بالتراشُق بالشّعارات، ولا بالهُروبِ إلى الخَلف.. إنه يكُونُ بالعمَل.. فهل حكوماتُ بلادِنا كانت تَعمَلُ بما فيه الكِفاية؟ سؤالٌ مَطروحٌ من أجل إصلاحِ ما يستَوجبُ الإصلاح..
وليست المؤسّساتُ النّائِمةُ أو المُنوَّمَةُ وحدَها في حالةِ الرّكود.. عَناوينُ أُخرَى مُتضرّرةٌ إلى جانبِ المُجتمَعِ المُفَقّر، ومِنها: الدّيمُقراطية.. القانون.. الحقوقُ والواجبات.. حقوقُ الطفل.. حقوقُ المرأة.. حقوقُ المُعوِزِين.. والمُشرَّدِين.. وحتى مَن يُريدُ أن يَشتَغِل، ولا يجِدُ المُناخَ المُلائم..
ومِنَ المُتضرّراتِ والمُتضرّرينَ مَن هُم خارجَ البَلَد، وفي بُلدَانٍ لنا معَها علاقاتٌ مَتِينَة..
وها هو تنويمُ الحِوارِ الاجتماعي يقودُ إلى تنويم السّلمِ الاجتماعي، ويَضُرُّ بحُقوقِ الوَطنِ والمُواطِن..
▪︎ وماذا عن علاقاتُنا الخارجية؟
ألاَ تَتَضَرّرُ هي الأُخرى بسَببِ اللاّمُبالاة التي تُصيبُ سِلمَنا الاجتماعي؟
وأيُّ خَلَل، ألا يَنعكسُ سَلبِيّا ما يُقالُ في الخارجِ عن قِطاعاتِنا: السياحية والاستِثمارية والثقافية والصحية وغيرِها؟
لَسنا وحدَنا نتأثّرُ باحتياجاتِ غيرِنا إلى السِّلْم الاجتماعي، وفيه الأمنُ الفردِي والجماعِي، في الباديةِ والمدينة.. وأيضًا فيهِ الدّورُ الذي يُمكنُ أن تقُومَ به أيةُ أُسرة، في تربيةِ وتنشئةِ أجيالٍ فاعِلة، وبالتالي خَلقِ واقعٍ جَديد، مُفِيدٍ لكُلّ الناس، في الدّاخلِ والخارج..
العالَمُ يتأثّرُ ببعضِه: أمنِيًّا وديمُقراطيّا وصحّيّا واقتصاديّا..
فهل مُؤسّساتُ المُجتمعِ المَدَني تَشتغلُ على تنميةِ بلدٍ بدُونِ بِطالة؟ وبدُون عُنف؟ وبدُون وظائفَ بلا مَعنًى؟
▪︎ لقد أضحَكَنا رئيسُ حُكومةٍ سابقة..
كان ذلك عام 2018.. صرّحَ قائلاً: "تحقيقُ السّلم الاجتماعي مَسؤوليةٌ جمَاعية، وليس مَسؤوليةَ الحُكومةِ بمُفرَدِها"..
ماذا يَقصِد؟ ولماذا يغُضُّ الطّرفَ عن عدمِ تكافُؤ مَواقِع الحوار الاجتماعي؟
أم تُرى رئيس الحكومة يُفضّلُ ألاّ يقُومَ بوَاجبِه، ما دام غيرُه يتهرّب؟
أليسَ السّلمُ الاجتِماعِي ضرُوريّا حتّى للحُكومةِ نَفسِها؟ وماذا تُساوِي الحُكومةُ بدُونِ "سِلمٍ اجتِماعِي"؟ وهل تَستطيعُ الحكومةُ فَضّ نزاعاتِ الشّغل، على سبيل المِثال، بدُونِ الفصلِ بين الحقوقِ والواجبات؟
ألا تَعرفُ الحكومةُ مَعنَى القوانين؟ ومعنَى ثقافةِ حلّ مشاكلِ المُجتمع؟ وهل خرقُ القانُون لا يَضُرُّ بالمَسؤوليات؟
لماذا تتَهرّبُ جهاتٌ مسؤولةٌ مِن واجِباتِها؟
▪︎ أليس السِّلْمُ الاجتِماعي من أوجَبِ الواجِبات؟ وماذا ننتَظرُ لفَضّ النّزاعاتِ الاجتِماعيّة؟ حتى وهي ذاتُ أبعادٍ أمنِيّة: الأمنُ الاقتِصادي، والأمنُ الغَذَائِي، والأمنُ الصحّيّ…
هذه وغيرُها مِن مَصادرِ نِزاعاتٍ داخليةٍ لأيّ بلدٍ في العالم، ونحنُ أيضًا نُعانِي أزمةَ الشّلَلِ الذي أصابَ نِقاباتِنا وأحزابَنا ومُؤسّساتٍ أخرى..
أليس غيرُ هذه الأطراف المَدَنيّةِ مَسؤولةً - هي الأُخرَى - عن تَجنيبِ بِلادِنا مَصادِرَ صِراعاتٍ وفِتَنٍ مِن مُختلفِ الأنواعِ والأحجام؟
▪︎ وما دورُ "المُجتمعِ المَدَني"، بأحزابِهِ ونِقاباتِه، إذا لم يُطفئ النيرانَ قبلَ اندِلاعِها؟ أليس هو التّنبِيهُ للمُجتَمعِ والحكومة؟
وأين هو البرلمان؟ لماذا لا يَتكلّمُ عن فِتَنٍ قد لا تكُونُ عن حُدُودِنا بعيدة؟ أليست لنا مُعاناةٌ لقراراتٍ ارتِجاليةٍ من حُكوماتٍ لامَسؤولة؟
إنّ مُجتمَعنا حيّ، ويتّسمُ بالوَعي، وفي أوسَاطهِ مَناعةٌ ضدّ كلّ مسؤولٍ في غَيرِ مُستوَى أهمّيةِ بِلادِنا؟
▪︎ وبلادُنا تستَحقُّ مَشهَدًا آخَرَ قِوامُهُ "السّلمُ الاجتماعي"، على أساسِ الأمنِ الصحّي، والأمنِ الغذائي، والأمنِ الاقتصادي، والقانُوني…
ويُضافُ إلى هذه النُّقطِ أمنٌ آخَر، هو الأمنُ النّفسِيُّ المُنبَثِقُ من حوارٍ اجتِماعِيّ بنّاء، لا تَنجُمُ عنهُ قراراتٌ شكلية، بل أفعالٌ إيجابيةٌ هادِفةٌ لخِدمةِ الوَطنِ والمُواطِن..
▪︎ ولا قَبُولَ لأيةِ "مَسرَحيّةٍ" إلهائيّة..
كفَى من مُحاوَلاتِ إلهاءِ مُجتَمعٍ يَقِظ!
سياسةُ الإلهاءِ لا تُجدِي.. تَضُرُّ ولا تَنفَع!
وتَرتَدُّ على صانِعِي الإلهاء!