ثمار دعم باريس لمغربية الصحراء تجنيها الشركات الفرنسية بفضل الطريق الممهدة للاستثمار في المشاريع الكبرى بصحراء المملكة
تَسير العلاقات الاقتصادية المغربية الفرنسية، في اتجاه حقبة جديدة تتّسم بالانفتاح والثقة المتبادلة، وهو التحول الذي يتضح من خلال الزيادة الملحوظة في حجم المناقصات وفرص الاستثمار التي حققتها الشركات الفرنسية في المملكة خلال الفترة الأخيرة، سيّما تلك المتعلقة بالمشاريع الضخمة لتحديث البنية التحتية التي أطلقتها الحكومة المغربية، تزامنا مع انتهاء فترة التوتر الدبلوماسي بين البلدين عقب دعم باريس لمبادرة الحكم الذاتي في الصحراء، مما يفتح آفاقًا جديدة للتعاون المثمر بين الطرفين.
وبدأت ارهاصات تقوية التعاون الاقتصادي والتجاري بين الرباط وباريس تتقوى، عقب تأكيد الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون دعم بلاده لمبادرة الحكم الذاتي المغربية، في رسالة وجهها إلى الملك محمد السادس، انسجاما والتوجه الدولي الداعم لمغربية الصحراء على غرار واشنطن وبرلين ومدريد التي سبقت باريس في اعتبار الحكم الذاتي الحل الأكثر "منطقية ومعقولية" لإنهاء النزاع المفتعل حول الصحراء.
وكان أول المستفيدين، من هذه الانفراجة التي شهدتها العلاقات الدبلوماسية بين الرباط وباريس شركة "إيجيس" الفرنسية للهندسة المتخصصة في إنجاز مشاريع البنيات التحتية، التي ضفرت بعد يومين من نشر رسالة ماكرون رسميا، بالاشتراك مع نظيرتها "سيسترا" وشركة "نوفيك" المغربية بعقد تقني يخص خط سكك حديد للقطارات السريعة بين القنيطرة ومراكش.
ووفق ما جاء في البوابة الوطنية للصفقات العمومية، فإن المكتب الوطني للسكك الحديدية، استعان بخبرات تجمع شركات تقوده شركة "إيجيس" الفرنسية، من أجل "تنفيذ المساعدة في إدارة مشروع البنية التحتية الخاصة بمسار ‘LGV مراكش–القنيطرة’، على طول 450 كيلومترا".
هذا، وشرعت عشرات الشركات الفرنسية والغربية بما فيها الإسبانية والصينية والألمانية عموما العمل في الصحراء المغربية، ومن بينها مجموعة "إنجي" الفرنسية للطاقة التي تقوم حاليا بالاشتراك مع "ناريفا" المغربية ببناء محطة لتحلية مياه البحر في الداخلة، وقد سبق لـ "الصحيفة"، أن عاينت العمل الذي تقوم به الشركة ميدانيا من خلال تهيئة البنية التحتية المرتقبة لهذه المحطة التي تعد ورش مشروع ملكي بالغ الأهمية بالنسبة للمغرب، إذ من المرتقب له أن يضمن الأمن المائي للساكنة ويسقي 5000 هكتار زراعية.
وفي الأقاليم الجنوبية للمملكة، دائما فازت مجموعة "ساد-سي جي تي أش Sade-CGTH" المتخصصة في البناء والبنى التحتية بمناقصة لمشروع مد شبكة المياه في الداخلة، فيما قال مسؤول في شركة فرنسية عاملة في المغرب طلب في حديثه لوكالة الأنباء الفرنسية عدم كشف اسمه إنه "من الواضح أن رياحا مؤاتية لفرنسا تهب من جديد"، مشيرا إلى أن العديد من المناقصات التي جرت في المغرب مؤخرا فازت بها شركات فرنسية، سيما على مستوى الصحراء المغربية على اعتبار أنها منطقة تملك موارد هائلة على صعيد طاقة الشمس والرياح، وتعد منطقة استراتيجية للنمو الاقتصادي في المغرب الذي يتجه نحو الطاقات المتجددة ويأمل في إيجاد موقع له في سوق الهيدروجين الأخضر.
وكان المستثمرون الفرنسيون، يشتكون التضييق وتراجع وتيرة الرغبة فيهم بالبلاد خلال فترة الأزمة الدبلوماسية بين البلدين، وفق ما أظهرته تصريحات البعض منهم للوكالة الفرنسية بمن فيهم جان شارل دامبلان المدير العام لغرفة التجارة والصناعة الفرنسية في المغرب الذي أكد أنه "في تلك الفترة، كان الأمر أكثر تعقيدا بقليل".
وبدا لافتا، حديث إتيان جيرو رئيس المجلس الفرنسي للمستثمرين في إفريقيا من جانبه، عن الدينامية التي شهدتها العلاقات الاقتصادية بين البلدين بعد الخلاف الدبلوماسي وانتقالها من السر إلى العلن في قوله: "كنا نحرص منذ سنتين على عدم لفت الأنظار، لم يكن من مصلحتنا أن نجاهر بجنسيتنا"، و هو ما ينسجم أيضا مع تصريح آخر لصاحب شركة فرنسي طلب عدم كشف اسمه وهو يؤكد أن شركات اقتصادية مغربية ضخمة "عاودت دق أبوابنا" لإقامة شراكات في المملكة، في حين أنه في السنوات الماضية "بدأنا نسمع بأن هناك أعداد أكبر مما ينبغي من المشاريع مع فرنسيين، شعرنا بتوتر ملموس، وإن كانت العلاقات الوثيقة للغاية لم تتراجع بين فرنسا والمغرب، مع بلوغ حجم المبادلات التجارية مستوى قياسيا قدره 14 مليار دولار العام الماضي".
وتُعد فرنسا هي المستثمر الأجنبي الأول في المغرب، مع إقامة شركات مؤشر "كاك 40" في بورصة باريس جميعها تقريبا فروعا في المملكة بما فيها ألف شركة فرنسية لا سيما مصانع بناء وتجميع سيارات وطائرات، كما أن المغرب هو المستثمر الإفريقي الأول في فرنسا مع ارتفاع استثماراته المباشرة من 372 مليون أورو عام 2015 إلى 1,8 مليار أورو عام 2022.
والمثير في هذا الملف، أنه وعلى الرغم مما حصدته العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين بفضل التقارب الدبلوماسي بين باريس والرباط، إلا أن قرار قصر الإليزيه إزاء مغربية الصحراء وبحسب ما أكدته مصادر مطلعة لـ "أ.ف.ب" لم يكن ناجما عن اعتبارات اقتصادية، موردا "من المؤكد أنه كان للقرار مفاعيل اقتصادية، لكنه كان سياسيا بالمقام الأول".
ولاشك، أن هذا الزخم الكبير الذي تشهده العلاقات المغربية الفرنسية على الصعيدين الدبلوماسي والاقتصادي، سيتوج باتفاقيات جديدة تصب في بحر توطيد التعاون وتعزيز التقارب، عقب الزيارة المرتقبة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون للرباط أواخر الشهر المقبل، التي أعلن عنها قصر الاليزيه هذا الأسبوع في وقت تعثرت زيارة مماثلة كان من المنتظر أن يقوم بها الرئيس الجزائري عبدالمجيد تبون لفرنسا والتي تأجلت أكثر من مرات بسبب خلافات آخذة في التفاقم خاصة بعد دعم باريس لمغربية الصحراء.
واختارت فرنسا في السنوات الأخيرة العمل بجد، لطي صفحة الخلاف مع المغرب على قاعدة ما يخدم مصالحها، بينما تنظر للرباط كبوابة مهمة للعودة لافريقيا بعد انحسار نفوذها، خصوصا بعدما برزت مبادرة الملك محمد السادس لولوج بلدان الساحل الإفريقي إلى المحيط الأطلسي عبر الموانئ المغربية.