حرب "خفية" مع اقتراب الانتخابات.. الأصالة والمعاصرة يشيد بنتائجه داخل الحكومة ويُطالب حليفه حزب الاستقلال ببذل مجهود أكبر في إشكالية ندرة الماء
بدأ اقتراب موعد الانتخابات التشريعية المقررة السنة المقبلة، 2026، يُلقي بضلاله على خرجات وتصريحات الأحزاب السياسية في المغرب، إذ لوحظ مؤخرا عودة بعض الأحزاب، خاصة أحزاب التحالف الحكومي، إلى "دغدغة مشاعر" المواطنين، حتى لو كان ذلك على حساب تحالفاتها، في حين شرعت أخرى في الإشادة بإنجازاتها، وهو ما يُشير إلى بدء تحول تدريجي في النبرة السياسية لهذه الأحزاب تزامنا مع اقتراب موعد الانتخابات.
وظهر هذا التحول في الخطابات الأخيرة لكل من حزب الاستقلال وحزب الأصالة والمعاصرة، الأخير الذي أشاد بإنجازات منسقة قيادته الجماعية، فاطمة الزهراء المنصوري، في مجال قطاع السكنى والتعمير، حيث أعرب في بلاغ أصدره أمس الثلاثاء، توصلت "الصحيفة" بنسخة منه، "عن اعتزازه الكبير بالوقع الإيجابي والملموس للتدابير المتخذة في قطاع السكنى والتعمير، كعنوان لأحد القطاعات البارزة والناجحة داخل مسار الحكومة الحالية" حسب تعبير البلاغ.
وجاءت هذه الإشادة من الأصالة والمعاصرة، للمنصوري التي تشغل منصب وزيرة إعداد التراب الوطني والتعمير والإسكان وسياسة المدينة داخل حكومة أخنوش، عقب عقد المكتب السياسي للحزب اجتماعه العادي، أول أمس الاثنين، إذ اعتبر أن جميع الأرقام الرسمية تؤكد "أن القرارات الجريئة المتخذة، قد مكنت من رفع رقم المعاملات داخل هذا القطاع، بل داخل سلسلة القطاعات الاقتصادية والمهنية المرتبطة به، مجسدة في رفع معدل مبيعات الاسمنت، وانتعاشة واضحة في سوق شغل المهن والحرف داخل القطاع، وعائد اجتماعي مباشر على وقع عشرات الآلاف من الأسر المغربية التي استفادت من الدعم المالي المباشر المخصص لاقتناء السكن".
لكن مقابل هذه الإشادة، تضمن بلاغ الحزب ما يُشبه دعوة لحليفه في الحكومة، حزب الاستقلال، لبذل مجهود أكبر في التعامل مع إشكالية ندرة الماء، وهو القطاع الذي يوجد تحت يد وزير التجهيز والماء، نزار بركة، الأمين العام لحزب الاستقلال، حيث قال بلاغ الأصالة والمعاصرة: "وفي موضوع التحولات المناخية التي تواجهها بلادنا، واستمرار إشكالية ندرة الماء بسبب التأخر البين في التساقطات المطرية لهذه السنة كذلك، فإن المكتب السياسي يدعو الحكومة إلى الانكباب بصورة مستعجلة على تقييم مدى تنزيل خارطة الطريق التي رسمتها التوجيهات والخطب الملكية ذات الصلة، وكذا الدراسة المستعجلة لمختلف التدابير الإظافية الممكن عبرها مواجهة هذه الوضعية الصعبة والحد من انعكاساتها القريبة والمستقبلية على بلادنا".
هذه الدعوة "الخفية" الموجهة من الأصالة والمعاصرة لحليفه في الحكومة، حزب الاستقلال، تأتي بعد أيام من المهرجان الخطابي الذي نظمه حزب الاستقلال بمناسبة الذكرى الحادية والثمانين لتقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال، والذي استغله أمينه العام نزار بركة، لانتقاد الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية في المغرب، كارتفاع البطالة إلى مستويات عالية، وهو المجال الذي يدخل في إطار مهام يونس السكوري، المنتمي لحزب الأصالة والمعاصرة، حيث يشغل منصب وزير الإدماج الاقتصادي والمقاولة الصغرى والشغل والكفاءات داخل الحكومة.
وقال بركة في كلمته الخطابية، إن البطالة في البلاد بلغت مستويات عالية جدا خلال السنوات الأخيرة، وصلت حسب الإحصاءات الرسمية إلى 21.3%، مع تسجيل معدلات أعلى لدى الشباب بنسبة 39.5%، والنساء بنسبة 29.6%.، مشيرا إلى أن هذه الأرقام تعكس أزمة مركبة متعددة الأبعاد تعاني منها البلاد، وتؤدي إلى تزايد شعور الشباب بالقلق وفقدان الثقة في المستقبل.
وقال بركة في هذا السياق "نقولها بكل صراحة ومسؤولية، لدى شبابِ بلادِنا أسباب موضوعية ومشروعة للشعور بالقلق تجاه المستقبل، ومخاوف من اللايقين، مما يساهم في خلق أزمة ثقة مركبة ومتعددة الأبعاد"، مشيرا إلى العديد من الأسباب، من أبرزها البطالة وغلاء المعيشة. واعتبر أن غلاء المعيشة، ساهم في اندحار الطبقة الوسطى وتعميق الفوارق الاجتماعية "رغم الجهود المبذولة من خلال التغطية الصحية والدعم الاجتماعي والرفع من الأجور وتخفيض الضريبة على الدخل"، مضيفا أن "قلة وهشاشة مناصب الشغل المحدثة"، ساهمت أيضا في "محدودية فرص الارتقاء الاجتماعي بالنسبة للشباب".
ويتضمن كلام بركة انتقادات موجهة لحليفيه الأصالة والمعاصرة وحزب التجمع الوطني للأحرار الذي يترأس الحكومة عبر أمينه العام، عزيز أخنوش، الذي بدأ حزبه مرحلة الدفاع عن حصيلته، وهي الخطوة التي يُرتقب أن تتضاعف وتيرتها في الشهور المقبلة، كلما اقترب موعد الانتخابات.
ويتوقع العديد من المتتبعين للشأن السياسي في المغرب، أن الأحزاب، سواء أحزاب التحالف الحكومي أو أحزاب المعارضة، ستبدأ قريبا في الانكباب على نهج خطابات سياسية بما يتماشى مع رفع أسهمها لدى الناخب المغربي، حتى لو تعارضت مع أطراف متحالفة أخرى، فـ"المصلحة الحزبية الخاصة"، وفق تعبير بعض القراءات السياسية، هي التي تطغى مع اقتراب الانتخابات، ولا صوت يعلو فوقها.