حزب العمال الكردستاني في تركيا يُسلم سلاحه خلال أيام للخروج من دائرة "الإرهاب".. هل تُشاهد "البوليساريو" مصيرها المستقبلي؟
في فاتح مارس 2025 من السنة الجارية، شهدت تركيا منعطفا تاريخيا غير مسبوق في القضية الكردية، إذ دعا عبد الله أوجلان، مؤسس وزعيم حزب العمال الكردستاني، من سجنه في إحدى جزر بحر مرمرة، إلى حل حزب العمال الكردستاني، المعروف اختصارا بالـ"pkk"، ونزع سلاحه، ودفن المشروع الانفصالي، مع تركيز الجهود على مشروع ديمقراطي جامع في إطار الوحدة التركية - الكردية.
خطوة لم تكن سهلة، وجاءت بعد عقود من الصراع المسلح والنزاع الدموي الذي استمر لأكثر من 40 عاما، وأسفر عن مقتل آلاف المدنيين والجنود، وتسبب في توترات داخلية وإقليمية عميقة، وهو التحول الذي كانت له تأثيرات دولية ممتدة إلى عدة مناطق بما فيها شمال إفريقيا، لاسيما ملف الصحراء، حيث تنشط جبهة "البوليساريو" التي لطالما تبنت خطابا مسلحا وانفصاليا على غرار حزب العمال الكردستاني .
أحدث تطورات ملف الـ PKK هو ما كشفت وكالة "رويترز" للأنباء نقلا عن متحدث باسم حزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، الثلاثاء الماضي، من أن حزب العمال الكردستاني قد يبدأ تسليم أسلحته في غضون أيام، في ما اعتُبر أوضح مؤشر حتى الآن على اقتراب الجهود المبذولة لإنهاء العمل المسلح للحزب المحظور الذي أطلق تمرده منذ سنة 1984 بهدف إقامة "دولة كردية" متسببا في مقتل أزيد من 40 ألف شخص .
من الصراع إلى التوافق
ولم يكن قرار عبد الله أوجلان بالدعوة إلى حل حزب العمال الكردستاني ونزع السلاح مجرد لحظة عابرةو، بل نتيجة تحول عميق في الوعي السياسي الكردي والسياق الإقليمي والدولي المحيط بالقضية، حيث أدرك الزعيم الكردي، من سجنه، أن الزمن قد تغير، وأن الأدوات القديمة لم تعد صالحة في مواجهة عالم بات يحسم الصراعات الكبرى عبر المؤسسات، والتفاوض، والتكامل الإقليمي، بدل رفع السلاح .
هذا التحول يأتي في سياق عدة عوامل تراكمية، أبرزها تصاعد خطاب مكافحة الإرهاب ما بعد سنة 2001، وهو ما جعل من التنظيمات ذات الطابع المسلح عبئا دبلوماسيا حتى على حلفائها، إلى جانب تقدم الديمقراطية التركية، نسبيا، مقارنة بثمانينات وتسعينات القرن الماضي، ووجود قنوات سياسية وإعلامية تسمح للأكراد بالتعبير والاندماج دون الحاجة إلى السلاح.
هذه العوامل تتطابق في بعض جوانبها مع واقع "البوليساريو"، خاصة أن المنطقة المغاربية وجميع القارة الإفريقية، باتت تُضيق الخناق على الحركات المسلحة التي لم تعد تجد تعاطفا سياسيا واسعا، رغم الدعم الجزائري لاسيما مع تزايد الوعي بجدوى الحلول الواقعية، مثل مقترح الحكم الذاتي الذي يضمن التدبير الذاتي للسكان في إطار السيادة المغربية، وصعود أصوات من داخل مخيمات تندوف تُبدي انفتاحا على مقترح الحكم الذاتي المغربي كحل واقعي قد يُنهي النزاع ويفتح آفاقا لتسوية تاريخية تحفظ كرامة الجميع.
هل تملك البوليساريو "شجاعة" أوجلان؟
هذا السؤال يفرض نفسه اليوم أكثر من أي وقت مضى، في ظل التحولات الجارية على الصعيدين الإقليمي والدولي، وبعد الخطوة الجريئة التي اتخذها عبد الله أوجلان، مؤسس حزب العمال الكردستاني، بدعوته إلى حل الحزب ووقف العمل المسلح، وهو ما يجعلنا نطرح سؤالا مركزيا بخصوص قدرة الجناح البراغماتي داخل جبهة "البوليساريو" على امتلاك "الشجاعة السياسية" الكافية لمواجهة الواقع المتغير والتخلي عن السلاح والطرح الانفصالي كحل للصراع.
ومن المؤكد أن الوضع في الصحراء يختلف من حيث السياق التاريخي والجغرافي عن الملف الكردي في تركيا، غير أن هناك تشابها في بعض مسارات العمل المسلح، والارتباط بالإيديولوجيات القديمة، والانخراط في صراعات تخدم أجندات اقليمية.
فجبهة البوليساريو لم تُحقق منذ عقود أي انجاز على أرض الواقع، رغم الدعم الجزائري وبعض المناورات الدبلوماسية، فيما حقق المغرب تراكمات لافتة في الميدان، سواء على مستوى تنمية الأقاليم الجنوبية، أو تعزيز الاعتراف الدولي بسيادته على المنطقة، أو حتى الانخراط في مشاريع إقليمية كبرى، مثل هط الغاز مع نيجيريا، العابر من أقاليم الصحراء.
ووسط هذا المشهد بدأت تظهر أصوات داخل الجبهة الانفصالية تطالب بمراجعة الخطاب، وتُبدي استعدادا للنقاش حول مقترح الحكم الذاتي المغربي، باعتباره مخرجا واقعيا قد ينهي معاناة المخيمات، رغم أن الجناح التقليدي داخل مخيمات تندوف، المرتهن أساسا إلى القرار الجزائري، يرى أن أي انفتاح على الطرح المغربي هو نوع من "الاستسلام".
خيار الانفصال.. والواقعية الدولية
قرار عبد الله أوجلان بحل حزب العمال الكردستاني ونزع سلاحه، لم يكن معزولا عن السياق السياسي والقانوني الدولي، الذي وجد فيه الحزب نفسه خلال العقود الماضية، فقد كان تصنيفه كمنظمة إرهابية من قبل تركيا والولايات المتحدة الأمريكية نقطة تحول مركزية في مساره، إذ تم وضعه تحت طائلة الملاحقة، وحرم عناصره من أي شرعية دولية، وجرى عزله عن الشبكات الداعمة التي كانت تتغذى على خطاب المقاومة والتحرر.
هذا التصنيف، وإن جاء في البداية كأداة ضغط أمني وسياسي، تحوّل لاحقًا إلى عنصر رئيسي في خنق الحراك المسلح وتشجيع التحول نحو العمل السلمي، خصوصا بعدما أصبح يُنظر إلى الحزب دوليا كعقبة أمام الاستقرار الإقليمي وليس كمُمثل لقضية عادلة، وهو ما فهمه أوجلان مؤخرا عبر إعلان نهاية التمرد المسلح والدخول في مرحلة جديدة .
في الجانب الآخر، يبدو أن جبهة "البوليساريو" بدأت تواجه واقعا مشابها، بعد أن تقدّم النائب الجمهوري في الكونغريس الأمريكي جو ويلسون، رفقة النائب الديمقراطي جيمي بانيتا، بمشروع قانون لتصنيف الجبهة كـ"منظمة إرهابية أجنبية"، حيث إن المقترح لم يتحول بعد إلى تشريع رسمي، إلا أن رمزيته السياسية لا يمكن تجاهلها، خاصة في ظل التحولات الجيوسياسية الراهنة، وتصاعد التقارير حول علاقات الجبهة بميليشيات في منطقة الساحل، وتقاطع نشاطها مع جماعات مسلحة متطرفة تنشط خارج القانون.
ومع تزايد هذا النوع من الضغوط الدولية، قد تجد البوليساريو نفسها أمام خيار مصيري، يفرض التفاعل إيجابا مع المقترح المغربي للحكم الذاتي، الذي أجمعت العديد من الدول المؤثرة، مثل إسبانيا وفرنسا وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية، على أنه "واقعي"، كمدخل سلمي لإغلاق ملف استنزف المنطقة لعقود على غرار حزب العمال الكردستاني.