حكم فرنسي "أعلى" من طلب النيابة العامة ضد مغربية "غامرت" بأطفالها في سوريا
أصدر القضاء الفرنسي، أمس الأربعاء، حكما بسجن المغربية الحاملة للجنسية الإيطالية، رجاء مجاهد، وذلك بسبب التحاقها بمناطق القتال في سوريا آخذة معها أبناءها، وهو ما اعتبرته المحكمة تورطا في "الإعداد لمخطط إرهابي" و"تهديدا لحياة قاصرين"، غير أن الحكم أثار الكثير من الجدل.
وقضت المحكمة الجنائية المختصة في باريس بالسجن 8 سنوات في حق السيدة المغربية ذات الـ37 ربيعا، والمثير في الأمر أن هذه المدة أكبر من تلك التي طلبتها النيابة العامة، بالإضافة إلى أن الجهة المسلحة التي اتهمت بالانتماء إليها غير مصنفة ضمن "قوائم المنظمات الإرهاب".
حكم مشدد
ووفق ما كشفت عنه وكالة الأنباء الفرنسية، فإن الحكم قضى بسجن المتهمة 8 سنوات مع وجوب تنفيذ ثلثي المدة، وهو أعلى من طلب النيابة العامة التي دعت لسجنها ست سنوات، وذلك بعدما تمت محاكمة مجاهد بتهمتي "تشكيل عصابة ذات مخطط إرهابي وانتزاع أطفال وتهديد حياتهم"، ورأت المحكمة أنها "العقوبة الوحيدة المناسبة لسلوك المرأة ونفيها المطلق للوقائع"، وذلك بعد إنكارها لما جاء في ملف القضية.
وكانت مجاهد قد انتقلت إلى سوريا في مارس 2017 عقب تنفيذ هجمات داخل فرنسا تبناها تنظيم "داعش"، حيث كان مسرح عملية الدهس الذي جرت في نيس قريبا من منزلها، لتقرر أخذ ابنتها البالغة من العمر تسع سنوات وابنيها البالغين من العمر سبع سنوات وخمس سنوات، إلى مناطق النزاع.
ونقلت الوكالة الفرنسية عن المحكمة أن المتهمة "حضرت لرحيلها وأخفته واعتبرته نهائيا"، مشيرة إلى أن المرأة التي كانت متزوجة في ذلك الحين، "التحقت في سوريا بمقاتل من حركة "أحرار الشام" كانت تقيم معه علاقة عبر الانترنت وتزوجته لدى وصولها إلى محافظة إدلب في شمال غرب سوريا".
منظمة "غير" إرهابية
غير أن المثير في الأمر هو أن الحركة التي تحدثت عنها المحكمة، والتي كانت تحمل سابقا اسم "جبهة النصرة"، غير مصنفة ضمن "لائحة المنظمات الإرهابية" المعمول بها دوليا، لكن القضاء الفرنسي برر ذلك بأن هذه المجموعة المسلحة لديها "ارتباط عملي بتنظيم القاعدة، وبالتالي يمكن اعتبارها مجموعة إرهابية حسب قوانين البلاد".
وكانت المواطنة المغربية قد تمكنت من دخول سوريا والاستقرار بها لـ9 أشهر، قبل أن تفر من هناك عبر تركيا في 2017 وهي حامل في الشهر السابع، لترحلها السلطات التركية إلى إيطاليا التي تحمل جنسيتها، ومن هناك تم إبعادها إلى فرنسا حيث كانت تنتظرها مذكرة توقيف.
فصول المحاكمة
وشهدت جلسات المحاكمة فصولا من المواجهات الحادة بين محامية مجاهد والقاضي، حيث ظلت الأولى تصر أن موكلتها غادرت إلى سوريا في ظل مشاكل زوجية عديدة، وكان الغرض من ذهابها هو "الالتحاق برجل وليس بإديولوجيا"، لذلك طالبت بمحاكمتها من أجل "تعريض حياة أطفالها للخطر" فقط، وإسقاط باقي التهم المتعلقة بـ"الإرهاب".
لكن القاضي استند إلى ما تم العثور عليه في الهاتف النقال للمتهمة من "مواد دعائية جهادية" بالإضافة إلى صور أطفال قتلى وآخرين مجندين، فيما أشارت النيابة العامة إلى أن مجاهد أفرغت الحسابات البنكية لأبنائها قبل شهر من رحيلها نحو بلد تعي جيدا أنه يعرف حربا، ما يعني أن ما زعمته خلال المحكمة يناقض الحقيقة.
من "السياحة" إلى "التطرف"
وتنتمي رجاء مجاهد إلى أسرة مغربية متعلمة، حيث إن والدها مهندس وهي درست الفلسفة وعلم الاجتماع ثم تخرجت من مدرسة للسياحة والفندقة بالمغرب، قبل أن تتعرف إلى رجل إيطالي تزوجته بعد أن أشهر إسلامه، ثم انتقلت للعيش معه في أوروبا.
وخلال محاكمتها قالت مجاهد إنها فرت من فرنسا بعد مشاكل زوجية متسمة بالعنف والغيرة، موردة أنها في غمرة غضبها قررت التوجه لتركيا برفقة أطفالها، ولم تقرر الدخول إلى سوريا إلا بعد وصول إلى هناك، وهو الكلام الذي اعتبرته المحكمة متناقضا مع أفعالها.
وحاولت محامية المتهمة الرجوع إلى ماضيها وعلاقتها الزوجية وارتباطها العاطفي بأحد المقاتلين في سوريا، للتأكيد على كون "مغامرتها" لا علاقة بها بـ"التطرف"، لكن المحكمة اعتبرت أنها خططت لذلك بدقة وإصرار، حتى أنها تخلصت من هاتفها النقال لقطع أي ارتباط بحياتها السابقة.