الجزائر تلعب "ديبلوماسية البصل" مع موريتانيا بعد رفع سلطات نواكشوط الضرائب الجمركية على واردات البلاد من الخضر والفواكه المغربية
دخلت الجزائر على خط ما بات يُعرف إعلاميا بـ "الأزمة الجمركية" الصامتة بين المغرب وموريتانيا، والمترتّبة عن إقدام هذه الأخيرة على رفع تسعيرة الضرائب المستحقة للجمارك لأكثر من الضعفين، مُعلنة فتح باب التصدير صوب الأراضي الموريتانية بما يزيد عن 25 طنا من البصل الأحمر، الذي يُعد على رأس قائمة صادرات المغرب منذ عقود إلى موريتانيا.
ويبدو أن الجزائر تُحاول منافسة المغرب على السوق الموريتانية باعتباره المورد الأول للخضر وخصوصا البصل، عن طريق استغلال هذا التوتر الذي فرضته ظروف إقدام السلطات الموريتانية على سن زيادات جمركية وصفت بـ "الصاروخية"، وحالت دون استكمال عدد من الشاحنات المغربية لإجراءات العبور من منفذ الكركرات الحدودي إلى البلد، سيّما وأن السلطات الجمركية الموريتانية طالبتهم بدفع هذه التعريفة الضريبية الجديدة بصفة فورية، ما اضطر عدد منهم إلى العودة لتفريغ شحناتهم في السوق المغربية، فيما بقي آخرون في انتظار حل على الحدود يحول دون دفع الـ 48000 درهم المطلوبة عوض 18000 درهم التي كانوا يدفعونها من قبل تنزيل هذا القرار للجمارك الموريتانية.
وأمام هذا الوضع المتأزم على الحدود الجنوبية للمغرب، والذي لم تتواصل بشأنه الحكومة المغربية حتى الآن، قرّرت الجزائر من جانبها استغلال الظرفية للإعلان عن تصدير شحنة البصل الأحمر إلى موريتانيا عبر الخط البحري الذى افتتحته فى 24 فبراير 2022 وظل جامدا، إذ أنه لم يشهد سوى عمليات تصدير محدودة ومتباعدة جدا، وهو ما يعني أن الجزائر ومن منطلق رغبتها في مزاحمة المغرب على السوق الموريتانية قررت إحياء هذا المعبر البحري الذي اعتبر في وقت سابق "بوابة" لقصر المرادية صوب دول غرب أفريقيا.
وأفاد مدير التجارة وترقية الصادرات، بليل بلقاسم، لموقع الإذاعة الجزائرية الرسمية، أنه أشرف رفقة رابح مرداسي، رئيس المكتب الولائي للفيدرالية الجزائرية للمصدرين لخنشلة، على إعطاء إشارة انطلاق شحنة مكونة من 25 طنا من البصل الأحمر متجهة نحو ميناء نواكشوط بدولة موريتانيا عبر ميناء سكيكدة.
وأوضح المسؤول الجزائري، بأن تصدير هذه الكمية من البصل الأحمر المنتج بولاية خنشلة يندرج في إطار تنويع الاقتصاد خارج المحروقات، لافتا إلى أن "هذه العملية جاءت لتترجم توجهات السياسة الرشيدة للدولة في مجال ترقية وتشجيع الاستثمار لاسيما في مجال الفلاحة والإسهام في دفع عجلة التنمية المحلية، خاصة وأن قطاع التجارة بولاية خنشلة يعمل على مرافقة المصدّرين من خلال مختلف التسهيلات والتحفيزات لدعم المنتج الوطني الذي أصبح مطلوبا في السوق الخارجية".
من جهته، صرح مسعودي نوي، مسير الشركة الخاصة المصدرة لشحنة البصل الأحمر نحو دولة موريتانيا، أن "المؤسسة تعتزم تصدير 405 طنا من البصل الأحمر نحو دول بنغلاديش وسريلانكا والهند خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية"، مشيرا إلى أن "البصل المصدّر تم اقتناؤه من فلاحين مستثمرين بصحراء النمامشة أقصى جنوب بلدية بابار بخنشلة، وأن القيمة المالية للشحنات المزمع تصديرها خلال الثلاثي الأول من السنة الجارية تفوق 429 ألف دولار".
وتُراهن الجزائر، وفق تصريحات مسؤوليها على هذه الخطوة، من أجل تحقيق "قفزة نوعية في مجال ترقية التجارة الخارجية بين الجزائر ودول الجوار بما يعزز العلاقات الاقتصادية للجزائر مع الخارج"، ما يفرض تدخّل الحكومة المغربية من جانبها، وفي إطار علاقاتها "الجيدة" مع الجار الجنوبي لحلحلة المشكل الجمركي في الحدود مع نظيرتها الموريتانية.
وبهذا الخصوص، يرى البابا بشير الخبير الاقتصادي الموريتاني أن الحكومة المغربية تأخرت في التفاعل مع نظيرتها الموريتانية وتتحمّل جزءا مهما من المسؤولية في تطور الأمور بهذه الصيغة التي تهدد العلاقات التجارية، خصوصا وأنها اتخذت في وقت سابق قرار وقف التصدير بصفة أحادية تزامنا مع شهر رمضان دون الرجوع إلى موريتانيا على الرغم من أن المملكة، تعد أكبر مصدر للخضروات للبلاد "ما أدخل موريتانيا في أزمة وارتفعت أسعار الخضروات وجعل الحكومة في ذلك الوقت تبحث عن أسواق بديلة على غرار كل من مصر والجزائر وهولاند".
البابا، وفي تصريح خص به "الصحيفة"، قال إن الحكومة المغربية لم تُخطئ في هذا فقط، بل تأخرت في التفاعل مع قرار الحكومة رفض الضريبة الجمركية على الورادات، والذي كان متوقعا وسبق وأن أعلنت الحكومة عنه في منتصف العام الماضي، وأكدت أنها ستبدأ رفع الضريبة على الخضروات المستوردة لتشجيع المنتوج المحلي.
ونقل الخبير الاقتصادي، عن وزير الزراعة أمم ولد بيباته، تأكيده أن الحكومة الموريتانية اتخذت تدابير من شأنها الرفع من تنافسية الانتاج الوطني وتحفيز المنتجين، تشمل، رفع مستوى الضريبة على بعض الخضروات المنافسة للمنتوج المحلي إلى 39,23٪ خلال ذروة الانتاج ما بين يناير وأبريل وتقليص مستوى الضريبة إلى 3,53٪ كحد أدنى عن بعض الآليات والمدخلات الزراعية لتشجيع استيرادها إضافة إلى دعم الأسمدة بنسبة 37٪ لليوريا ومجانية 45٪ من الأسمدة المركبة ودعم الباقي بنسبة 55٪ ودعم 50٪ بالنسبة لأسمدة الخضروات ومبيدات الأعشاب ومتابعة تنفيذ أشغال كهربة مناطق الانتاج وتعزيز الارشاد الزراعي من خلال اكتتاب 45 إطارا وفنيا وتوفير وسائل النقل والبدء في إعادة دراسة تتعلق بالتمويل والتأمين الزراعي.
من جانبه، استخفّ الحسين أضرضور رئيس الفيدرالية البيمهنية لإنتاج وتصدير الفواكه، بمحاولات الجزائر لاقتحام السوق الموريتانية، مؤكدا أنها لن تستطيع توفير حاجيات السوق الموريتانية من الخُضر مهما حاولت.
أضرضور، وفي تصريح لـ "الصحيفة"، اعتبر أن استغلال الجزائر لهذه الظرفية الجمركية المتأزمة على الحدود الجنوبية لن يستطيع نسف حجم العلاقات التجارية الوطيدة بين البلدين باعتبار المغرب المورد الرئيسي والأول للخضراوات إلى غرب إفريقيا، مضيفا: "يمكن للجزائر اليوم أن ترضى بهذه الزيادات الجمركية وتدفعها في سياق مزاحمة المغرب واستهدافه تجاريا، لكن هل ستستمر ؟ هذا هو السؤال، أكيد لا والسوق الموريتانية في حاجة لاستمرارية تموين التي لا يوفرها عدا المغرب ".