دِيمُقرَاطيةُ المَصالِح!
يَحدُثُ هذا عندما تَنحَرِفُ الديمُقرَاطيةِ..
وهؤلاء، وُجُهاءُ الانحِراف، قد أساؤُوا للدّيمُقرَاطية..
حوّلُوها من إيجابيةٍ إلى دِيمُقرَاطيةٍ سَلبيّة..
وهي - شَكلاً - قد انطَلَقَت زاهيةٌ مُغرِيّةٌ برّاقة.. وعَمَليًّا، يُنِمُّ واقِعُها الرّاهِنُ عن "دِيمُقرَاطيةِ المَصالِح"، وتقفُ خَلفَها أحزابٌ واهِيّةٌ انتِهازية..
وهذه الديمُقراطيةُ الشكليةٌ تُصبِحُ مُشكِلاً بلا حُدُود، عندما تَخفِقُ في تطويقِ الفَساد، وفي حلّ مَشاكلِ المُجتَمع.. وأيضًا عِندَما تتَحوّلُ الأحزابُ إلى تشكيلةٍ حُكومية، فإلى واجِهةٍ سياسيّة، وتَتَهَرّبُ من مُعالجةِ همُومِ المُواطِنِ المَعيشيّةِ والمَعاشيّة، ولا تُوفّرَ أساسياتِ حياتِه اليومية، ومُستَقبلَ بناتِهِ وأبنائِه..
إنها ديمُقراطيةٌ بالاسمِ فقط..
وبِلاَ رُؤية.. ولا بَصَر.. ولا بصِيرَة..
عندئذٍ تَلتَفُّ الأحزابُ حول مآلِها، فتَخنِقُها، كما هو الشأنُ عندَنا.. وتُكونُ ديمُقراطيةً ذاتِ وَجهيْن: أوّلُها التّهرُّبُ من مَسؤوليتِها الأساسية، والآخَرُ استِغلالٌ سيّئٌ للوفاءِ بالوُعود الانتِخابية..
وتُصبِحُ مُشكلاً كبيرًا عندما تَصِلُ إلى الحُكم، وتتَحوّلُ إلى كابوسٍ يَومِيّ، وتُصدِرُ قراراتٍ ارتِجاليةً تكشفُ عن عدَمِ انسِجامٍ بين أعضائِها، وعن عجزٍ في ابتِكار حُلول، وعَن بَلسَمٍ لشؤون البِلاد، ورُؤيةٍ مُستقبليةٍ سليمةٍ للمَسارِ المُجتَمَعي..
وها هي الديمُقراطيةُ عِندَنا تَقلِبُ مَوازينَها.. وتُصبحُ مُشكلاً للجميع، ودورُها يَقتصرُ على إلهاءِ الناس.. وتُركّزُ مُهمّتَها على مُغازلةِ العالمِ الخارِجي، حتى على حساب الحياةِ اليومية للمُواطنِين..
هي مُشكلٌ عندما لا تنسَجِمُ مع الحُرّية والحقوقِ داخلَ البلد، في الصحة، والتعليم، والشُّغل...
ومُشكلاً عندما تَقفُ وراءَ إنتاجِ تعقيداتٍ حياتيةٍ للمُواطِن..
وهذا حالُ بعضِ الدّيمقراطيات، ومنها ديمُقراطيتُنا التي لا هدفَ لأحزابِها إلا الوُصُول إلى مَراكز القرار..
وتَفشَلُ الديمقراطياتُ عندَما لا تَفِي بالوُعود، ولا تُوفّر للجميعِ كلَّ الضروريات الأساسية، كالطعام والماءِ والمأوَى والاحساسِ بالأمنِ وغيرِها...
︎ وهذه الدّيمقراطيةُ بهذا المَنتُوج، هي في مَردُوديّتِها فاشِلة، وفي بِنيَتِها لا تُمَثّلُ الأكثَرِيّة..
هي أقلّيةً قد تَمَكّنَت، بطريقةٍ أو أُخرَى، منْ نَتائجِ الانتِخابات.. وتَنقَادُ وراءَ مَصالِحِها الخاصّة، ومَصَالِحِ شُرَكائِها..
هي في سلُوكِها دِيمُقرَاطيةٌ سَلبيّة..
وتَكشفُ عن كونِنا، نحنُ أيضًا، في تفاعُلِنا معها لم نتَغيّر..
ما زِلنا كما كُنّا.. ولا نرَى في المُمارَساتِ الانتِخابيةِ إلاّ بقَرَةً حَلُوبًا..
︎ وهذه دِيمُقراطيةُ جُلّ أحزابِنا.. لا تُراعِي حقُوقَ الأغلبية، بدَلِيلِ أنّ الأقلّيّةَ "الفائِزة" لا تُدافِعُ عن مَصالحِ كلّ المُجتَمَع..
تُدافِعُ فقط عن فئةٍ مُقرَّبَة..
إنها دِيمُقراطيةُ الأقلّية..
وهذا التّفاوُتُ واضِحٌ بصفةٍ خاصّةٍ ليس فقط عِندَنا، بل في بُلدانٍ مُتَخلّفةٍ تَكثُرُ بها الأُمّيةُ ومَظاهِرُ الفقرِ والخُرافة، واستِغلالُ الدّينِ في السياسة، والسياسةِ في الدّين، والعِشقِ اللاّمُتناهِي للثّرَواتِ والنّزَوات..
ولا نهايةَ للذّاتيةِ الانتِهازيّة..
وهُنا تكُونُ الدّيمُقراطيةُ شعارًا مَوسِمِيّا منَ شعاراتِ الاستِغلاَل..
︎ وهذا شأنُنا نحنُ أيضًا، حيثُ الدّيمُقراطيةُ تُستَغَلُّ سياسيّا وماليّا، ولا تعنِي إلاّ خِدمةَ المَصالحِ الخاصّة..
وهذه الدّيمُقراطية بهذه المُواصفَات، عندَنا وعندَ غَيرِنا، سلاحٌ ذو حَدّيْن: تُعطِيكَ السّمِينَ والغَثّ، والجَيّدَ والرّدئ، والطيّبَ والقبِيح، والنّزيهَ والفَاسِد..
فيها مِن كلّ طَعمٍ طرَف..
︎ وكلُّ ما نتَصَوّر أو لا يَخطُرُ على بال، نجِدُهُ في سلبيّاتِ الدّيمُقراطيةِ الشّكليّة، المَصلَحِيّة، رغم أنّ الدّيمُقراطية في عُمقِها فِكرةٌ عَبقَريّةٌ لتَحوِيلِ أنظمةٍ استِبداديّة، إلى أنظمةٍ يَحكمُ فيها الشّعبُ نفسَه بنَفسِه..
■ وأنْ يَحكُمَ الشّعبُ نفسَه بنَفسِه، هذه صُورةٌ في شَكلِها لامٍعة، برّاقة، جَذّابة، تُوحِي بالحقّ، والعدالةِ الاجتماعية، وبالعمَل المُشتَرَك، مِن أجلِ بِناءِ مُجتمعٍ سعيدٍ بنفسِهِ وبغَيرِه، مُتعايِشٍ في ذاتِهِ ومع الآخَر، لا يَعتَدِي على أحَد، ويُدافِعُ عن نفسهِ دُون مُجازَفَة، وفي إطارِ احتِرام حقوقِ الإنسان..
فهل هذه الصّورةُ هي واقِعُ كلّ الدّولِ الدّيمُقراطية؟
وهل بلادُنا "بالدّيمُقراطية" التي سارَت عليها إلى الآن، هي بلادٌ سعيدةٌ آمِنةٌ مُطمَئِنّة؟ هل نحنُ سُعَداءُ بالحُكُومةِ والبَرلمان؟ هل تَتوفّرُ في "مؤسّساتِنا الدّيمُقراطيةِ" ثِمارُ راحةِ البال؟ هل حكوماتُنا "الدّيمُقراطية" تَحمِينا من الفساد؟
هل "حكوماتُنا الدّيمُقراطية" قد حَمَتنا من تَهوُّر بعضِ كبارِ المَسؤولين؟ وهل تُحاسِبُ الأحزابَ والنقاباتِ على اللاّدِيمُقراطية المُستَفحِلة في صفُوفِها؟
︎ وهذه الأحزابُ التي كرّسَتها الانتخاباتُ في حُكمِ البلد، تُرَى هل جَعلت منها هذه الدّيمُقراطية، أحزابًا تَشتغلُ على أساسِ استِقرار البَلد؟ وعلى تَجنّبِ الاندِفاعِ في التعامُلِ مع الملفّاتِ الاجتماعية؟ هل تُمارسُ الأخلاقياتِ الدّيمُقراطيّة؟ والقِيّمَ التي يجبُ تَوَفُّرُها في تَداوُلِ السُّلَط؟
︎ هل أحزابُنا الذي تتَبَجّحُ بالدّيمُقراطيةِ لها أَولويّات؟ ما هي هذه الأولويّات؟ أليسَت هي شراءُ الأصوات؟ وتقديمُ وُعودٍ كاذِبة؟ أليسَت هي الوصولُ إلى الثّروة؟ وإلى الجاه؟ ولو على حسابِ سلامةِ الأمنِ الاجتِماعي؟
هل هذه هي الدّيمُقراطيةُ المَطلُوبة؟
بَونٌ شاسعٌ بين دِيمُقراطيةِ الأحلام، ودِيمُقراطيةِ المُمارَسة..
عيُوبٌ كثيرةٌ تَشُوبُ المَفهُومَ الدّيمُقراطي، كما هو مُمارَسٌ في جَماعاتِنا المَحلّية، والبرلمانِ بِغُرفتَيْه، وغيرِ هذه منَ المُؤسّسات التي يُقالُ إنها نيابيّة..
︎ وهذا ليس حُكمًا مُطلقًا على الجميع..
عِندَنا استِثناءات..
تُوجَدُ في بلادِنا مُسؤولياتٌ نيابيّةٌ ذاتُ ضميرٍ مِهنِي.. وتتّسِمُ برُوحٍ وَطَنيّة..
هذا مَوجُود عِندَنا.. ولهُ حضُورٌ في الساحةِ النّضالية.. وحضُورٌ في النّقاشِ المُتّزِنِ اللاّمُندَفِع..
عندنا مَن يُمثّلونَ بلادَنا في الدّاخِلِ وأمامَ الخَارِج، ويُقدّمون عن بلادِنا أحسنَ صُورة، ليس بالفِكرِ فقط، بل أيضًا بِحُسنِ السّلُوك، وحُسنِ التّسيِير والتّدبير..
وفي نفسِ الوقت، يُوجدُ من يُوظّفون المَقعدَ النيابي لأغراضٍ بعيدةٍ عن المَصلَحةِ العامة..
ومن حقّ بلادِنا، وهي تُراهِنُ على الاستِقرارِ التّنمَوي الذي يُفيدُ مَسارَنا الوطني المُشتَرَك، أن تنعَمَ بدِيمُقراطيةٍ فعّالة، بعيدا عن أيةِ دِيمُقراطيةٍ قوّالة..
︎ كفَى منَ الكلامِ اللاّمُجدِي..
الحاجةُ ماسّةٌ إلى دِيمُقراطيةِ الفِعل.. دِيمُقراطيةٍ تَظهرُ آثارُها الإيجابيةُ على ساحةِ المَردُودية.. دِيمُقراطية تُنتِجُ قيمةً مُضافةً إلى ما تُنتِجهُ أدمغةٌ فعّالةٌ في ربُوع بلادِنا..
فهل أحزابُنا تُحسِنُ انتِقاءَ أفضلِ المُرشَّحِين، كي يُمثّلُوا البلدَ في مُمارَسَةِ الحُكم؟
︎ هل تَختارُ مُؤهَّلِينَ لكَي يكُونُوا "رِجالاتِ دولة"، في مُستوَى مُتَطَلّبات البَلَد؟
ولِمَن تُوجِّهُ هذه الأحزابُ حمَلاتِها الانتِخابيّة؟ أليس للكَثافةِ العَدَدِيّة؟ ولو كانت العَدَدِيّةُ تفتقِدُ الوَعيَ الكافِي في الشّؤونِ العامّة..
أيُّ دَورٍ للأحزَاب؟ أليس هو تأثِيثُ المَشهَد التّنظِيمِي العامّ أمام العالَم؟
وهل "المَشهَدُ العامُّ" يَعنِي جَودَةَ المَردُوديّة؟
كفَى من الرّهانِ على الدِّيكُورات!
︎ الدّيمُقراطيةُ ليست لُعبَةً للفُرجَة..
إنّ بلادَنا لا تَلعَب.. ولا تُمارِسُ العَبَث..
بلادُنا مَسؤوليةٌ جسِيمةٌ علينَا جميعًا..
ومِن واجِبِنا أن نتَحمّلَ هذه المسؤولية، سواءٌ عندما نختارُ المُرشّح، أو البرنامجَ الانتخابي، أو نُصوّت، أو نتّخِذُ القَرار، أو نَتكلّم في أيّ مَنبَر..
عندَها لا نُمثّلُ أنفُسَنا فقط..
نُمثّلُ الوطَنَ والمُواطِن..
︎ رُوحُ المُواطَنَة منَ المَفرُوضِ أن تَسُودَ كُلَّ المُؤسّساتِ المُرتَبطةِ بالبِناءِ الدّيمُقراطي.. وأن تكُونَ الوطَنيةُ بعيدةً عن أي استِغلال، وأيةِ مُزايدةٍ سياسية.. وأن تكُونَ
الوطَنيّةُ فوقَ كلّ اعتِبار.. وأن يكُونَ دَورُها بناءَ الإنسانِ المُواطِن، والمُواطِنَ الإنسان..
- المَحَلّي والعالَمِي...