رسالة مَاكرون للمغاربة. قِلّة حيلة.. أم قِلّة أدب؟!

 رسالة مَاكرون للمغاربة. قِلّة حيلة.. أم قِلّة أدب؟!
الصحيفة - افتتاحية
الأربعاء 13 شتنبر 2023 - 15:07

بدا إيمانويل ماكرون وهو "يَخطب في المغاربة" مثل رئيس فرنسي غارق في بقايا الكولونيالية الاستعمارية التي مازالت عالقة عند الكثير من أبناء شعبه، الغير قادرين على التخلص من "الاحتيال التاريخي" أو التعايش بدون عُنف ثقافي مُفزع اتجاه الدول خارج أوروبا.

فإيمانويل ماكرون تخلص من جميع هموم الفرنسيين، ووضعها على الرف جانبا، وأَجّل جميع أولوياته، كما فعل الإعلام الفرنسي، طيلة أسبوع، وبدا أن الموضوع الذي لا يستحق التأجيل هو المغرب. وبدون مقدمات، قرر الرئيس الفرنسي، مُخاطبة الشعب المغربي ليواسيهم ويعرض عليهم مُساعدة "طازجة" لا تحتمل التأجيل!

هكذا، وبِقلّة حيلة أو قِلّة أدب، بدا الرئيس الفرنسي يروي للمغاربة عن تضامن شعبه مع ضحايا زلزال الحوز، وأنه مستعد للمساعدة وإرسال فرق إنقاذ أو مغاوير قد يخلصوننا نحن المغاربة من "الاتهامات الرخيصة" لإعلام بلاده، بأننا شعب وأمّة لا تهتم بضحاياها وتفضل "كبرياء السياسة" على إنقاذ أرواح المواطنين.

مَاكرون، كما أغلب النخبة الفرنسية، الذين يُحاولون صنع الكعك بطريقة صُنع الخبر، مازالوا يعيشون "وَهْم الجمهورية" التي لا تغرب عنها الشمس، وأن بعض الدول مثل أقاليم، وراء البحار، مازالت تابعة لها. هكذا، وَبِوهمٍ وَافرٍ يعتقد الفرنسي أنه يملك من الكبرياء الثقافي، والغطرسة الفكرية، وافتراس وعي الشعوب بلوبيات بيننا، ما يجعله شخصا يمكنه أن يدهشنا حتى وإن كان ذلك باتهامات رخيصة، كما فعل الإعلام الفرنسي طوال أسبوع، أو كما هو خطاب إيمانويل ماكرون الذي تجاوز حدود اللباقة ليخاطب شعبا ليس بشعبه، حيث ظَهَر في مقطع فيديو صُور خصيصا للمغاربة من قصر "الإيليزي" مثل عمدة في صعيد مصر يحاول أن يوزع حلوله على الجميع.

من الأفضل للرئيس الفرنسي أن يهتم بالفرنسيين. فهناك غيثوهات في ضواحي المدن بما فيها "عاصمة الأنوار" باريس يسكنها فرنسيون ومهاجرون وكأنهم سُكان مستعمرات في بلد غير ذاك الذي تتحدث عنه TV5 أو TF1 أو BFMTV حتى أصبحت فرنسا الأكثر الدول الأوروبية خوفا من "حرب أهلية"، حسب عريضة وقعها قيادات في الجيش الفرنسي تحذر من هذه "الحرب" بعد تفاقم الاحتجاجات وعدم التعايش بين المجتمع الفرنسي الواحد.

وبعد الجيش، وقعت نقابة الشرطة الكثير من العرائض تعبر من خلالها عن رفضها لقرارات الدولة. وإذا أضيفت هذه الهموم إلى همّ الطبقة المتوسطة الفرنسية التي تخرج للشوارع شُهورا وشهورا بسبب ضنك العيش وانهيار قدرتها الشرائية، وزدناها ما يعكسه المثقف الفرنسي المتعب برومنسيته في صحف بلاده وهو يعبر عن تخوفه من "أزمة وجود" لفرنسا كأمّة، يمكننا حينها أن نفهم هروب ماكرون إلى السياسة الخارجية التي يمارسها بفوضى، ويحاول من خلالها حراسة بنية تقليدية تسكن النخبة الفرنسية ممثلة في "رفعة فرنسا" عند باقي الشعوب. لهذا، يمكن فهم نفسية ماكرون وهو يخصص وقته الثمين ليخاطبنا عوض أن يخاطب الفرنسيين ويغامر بفشل ما تبقى من صورته عند المغاربة.

من عيوب ماكرون أنه يعتمد في سياسته على الأهداف القصيرة، وهو ما يجعل كلفة خسائره كبيرة. فعلها في لبنان، ومع روسيا، والصين، وفي النيجر، وبوركينافاسو، ومالي.. ومع المغرب، وهو ما شكل إنتاج شعبوية رديئة في هوية الديبلوماسية الفرنسية لم يتبناها أي ساكنٍ للإيليزيه منذ شارل ديغول.

ورسالة الرئيس الفرنسي، للمغاربة، مثل رسالته للنيجيريين وقبلهم للماليين وللعديد من الدول الإفريقية، وهي تعبير مُؤلم عن خوف فرنسا من "ضياع الرفاهية" التي كانت تعيشها على حساب مستعمراتها السابقة، من خلال تقديم نفسها كقوة عظمى تحاول تعليم العالم مبادئ الديمقراطية الغربية وحقوق الإنسان والالتزام بالتضامن الدولي، وكلها شعارات "احتضرت" مع الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وهو ما عبر المسؤول الدبلوماسي السابق في وزارة الدفاع الفرنسية "أرنو دانجيان" حينما أكد "فرنسا تحتاج إلى رسم أولويات واضحة في سياستها الخارجية، لكنها حاليا مسجونة داخل تصورها عن نفسها بأنها قوة كونية".

تعليقات
جاري تحميل التعليقات

غصّة بنكيران

لا يُفوت رئيس الحكومة الأسبق، والأمين العام لحزب "العدالة والتنمية" الحالي، عبد الإله بنكيران، فرصة إلاّ ويرمي بكل التعب النفسي الذي مازال يحمله في دواخله منذ "البلوكاج الحكومي" الذي تلا ...

استطلاع رأي

من تُرشح ليكون أفضل لاعب مغاربي لسنة 2024؟

Loading...