رسم ساخر يُعكر فرحة تبون وشنقريحة بكأس العرب.. هل أصبحت قضية الأمازيغ من المحرمات في الجزائر؟
"كلما سمعت كلمة ثقافة تحسست مسدسي".. تُلخص هذه العبارة، التي تُنسب إلى هيرمان غورينغ، نائب أدولف هتلر على رأس المستشارية الألمانية ورئيس البرلمان النازي "الرايخستاغ"، كيف أن الأنظمة الشمولية مستعدة لدخول الحروب من أجل فرض نظرتها للأمور على الجميع حتى لو كان المجال المعني، كالثقافة مثلا، لا يحتمل لغة القوة، وهو الأمر الذي يمكن أن يُسقَط أيضا على ما يجري حاليا في الجزائر، البلد الذي لم ينجح حراك 2019 في إنهاء سلطة العسكر التي تتحكم فيه منذ الاستقلال.
وكان يمكن لهذه العبارة أن تخضع لتعديل بسيط لتتماشى مع ما حدث مؤخرا بعد فوز منتخب الجزائر "الثاني" بكأس العرب التي احتضنتها قطر في إطار "بروفة" تتوخى منها اختبار جاهزيتها لتنظيم كأس العالم 2022، إذ كان من الممكن القول إن قائد الجيش الذي حمل الكأس قبل أن يحملها رئيس الجمهورية نفسه، يُطبق عبارة "كلما سمعت عبارة كرة القدم تحسست مسدسي"، لأن الطريقة التي تعامل بها مع هذه البطولة، خاصة على المستوى الإعلامي، وتحديدا في مباراته أمام المنتخب المغربي، كانت أقرب إلى تصنيفها في خانة "المعارك الحربية".
لكن رسما ساخرا، بأبعاد ثقافية واجتماعية وسياسية، عرضته صحيفة "الوطن" الناطق بالفرنسية، أعادت النظام الجزائري إلى الخانة الأولى، وأبرزت أن "المسدسات المعنوية" يُمكن أن تُشهَر أيضا ضد من لا يتقاسمون معه نفس النظرة تجاه بنية المجتمع الجزائري، الذي لا يجب تذكيره بجزء غير يسير من هويته الثقافية لأن هذا الأمر غالبا سيقود للتذكير أيضا بما عانى منه حاملو هذه الهوية من "اضطهاد وتهميش" دفعت العديد منهم للاقتناع بأنهم "ليسوا جزائريين".
سخرية مُرة!
ونشرت "الوطن" رسما كاريكاتيريا بعد فوز الجزائر باللقب، يظهر فيه لاعب بقميص المنتخب الجزائري يرفع يديه ورأسه إلى الأعلى وأمامه الكأس، لينعكس على عشب الملعب ظل لهما على شكل حرف "تيفيناغ" وهو رمز الهوية الأمازيغية، وحتى يصل المعنى الذي أراد الرسام هشام بابا أحمد، الشهير بـ Le Hic، إيصاله، كتب أمام الرسم باللغة الفرنسية "الجزائريون أبطال العرب" مع استبدال حرف i بعلامة تعجب "!" في إشارة إلى أن معظم لاعبي المنتخب من أصول أمازيغية لا عربية.
وأثار هذا الرسم العديد من الانتقادات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، خاصة من طرف إعلاميين ونشطاء مقربين من النظام، الذين وصف بعضهم الأمر بأنه "تخلف ورجعية"، في حين اعتبره آخرون "فتنة واستهدافا للوحدة الجزائرية"، وبدا وكأن هذه الخطوة رمت الملح على جرح لا يزال جديدا حاول النظام الحاكم مداراته بالترويج لـ"انتصار تاريخي" كان يُفترض أن يُبعد تركيز الناس عن العديد من الأزمات الداخلية والخارجية التي تعيشها البلاد.
فالجزائر التي لم تُفلح في جني مكاسب دبلوماسية أو ميدانية في قضية الصحراء، ولم تستطع بعد إنهاء الاحتجاجات ذات المطالب السياسية والاقتصادية والثقافية، ولا زالت تعيش على وقع الاحتقان الذي خلفته حرائق الغابات في منطقة القبائل في غشت الماضي، ثم مقتل المتطوع جمال بن إسماعيل الذي لا يزال لغزا إلى اليوم، رغم أن الرئاسة الجزائرية حاولت تحميل مسؤوليته لثلاث جهات لا يكاد يجمعها شيء، هي المغرب وحركة "رشاد" وحركة تقرير المصير في القبائل "الماك".
الأمازيغية.. "حرام في شرائعنا"
وأصبحت قضية الأمازيغ إحدى "المحرمات الكبرى" التي يصل الأمر بالإعلام الرسمي والمُقرب من الجيش في الجزائر إلى حد "تخوين" من استدعاها، وذلك بعد أن أصبحت إحدى أوراق المواجهة التي "يلعبها" المغرب بعد 46 عاما من تجنب ذلك، منذ أن طالب ممثله الدائم في الأمم المتحدة، السفير عمر هلال، في غشت الماضي، السلطات الجزائرية بمنح "حق تقرير المصير" للقبائليين كما تطالب به في منطقة الصحراء الأمر الذي أبان عن حساسية كبيرة لديها من هذا الملف وصل حد استدعاء سفيرها من الرباط ثم قطع العلاقات الدبلوماسية نهائيا مع المملكة.
وأصبح الأمر أكثر إثارة للقلق بالنسبة لنظام لا زال يبحث عن "الشرعية" بعد حراك 2019 الذي يرفض الكثير من المعارضين التسليم بانتهائه بعد انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون ووصول الجنرال السعيد شنقريحة لقيادة الجيش، باعتبارهما امتدادا لنظام عبد العزيز بوتفليقة وجنرالات العشرية السوداء، وذلك بعد حرائق الغابات التي اندلعت في منطقة ذات أغلبية أمازيغية، والتي عجزت السلطات عن إخمادها سريعا ما أدى إلى مقتل 90 شخصا من بينهم 33 جنديا وجدوا أنفسهم بين ألسنة اللهب دون أي معدات ذات فائدة.
واتخذ الأمر بُعدا أكثر تعقيدا بعد واقعة مقتل بن إسماعيل، فالرواية الرسمية لم تلق آذانا صاغية من لدن الكثير من الجزائريين الذين رأوا في الأمر "جريمة دولة"، ليس فقط بسبب سيناريو التصفية الذي بدأ بإخراج الشاب من سيارة للشرطة أمام أنظار عناصر الأمن وانتهى بقتله وحرقه والتمثيل بجثته، ولكن أيضا بعد نشر صور لأشخاص شاركوا في العملية قالت الصفحات الداعمة للحراك إنهم ينتمون لأجهزة المخابرات بعد أن رصدهم وهم يتعقبون الضحية منذ وصوله.
تذكير بفشل ذريع
وبعد أن كانت تريد إعادة إنتاج سيناريو "الحرب القذرة" المُطبقة في التسعينات، والتي تقوم على تنفيذ جرائم ضد أحد مكونات الشعب الجزائري وإلصاق التهمة بمكون آخر، الذي كان يتمثل سابقا في الإسلاميين وحاليا بالأمازيغ، من أجل التمهيد لتجفيف منابع الطرف الثاني، بدا أن السلطات الجزائرية فشلت هذه المرة في ذلك بعدما نسيت أن الظروف تغيرت وأن التكنولوجيا سمحت بتوثيق أمور كان يصعب توثيقها في الماضي، لدرجة أن رئيس الحكومة القبائلية في المنفى، فرحات مهني، تحدى تبون أن يعرض دلائله على اتهام "الماك" أمام العالم.
وبشكل زاد من تأزم وضع النظام الجزائري، انقلب السحر على الساحر، وأضحى صوت الأمازيغ أقوى بعد الحرائق وجريمة القتل، لدرجة أن الكثيرين قارنوا بين ما جرى الصيف الماضي وما قبل 20 عاما عندما "أعدم" دركي الطالب القبائلي ماسينيسا قرماح في منطقة بني دوالة قرب تيزي وزو، وإذا كانت تلك الواقعة قد أدت إلى احتجاجات "الربيع الأسود" التي تمخض عنها تأسيس "الماك" بعد قمع استمر لشهور وأدى إلى مقتل 126 شخصا، فإن التطورات الأخيرة وجهت أنظار العالم بشكل غير مسبوق تجاه مطالب "الاستقلال" القبائلية وتجاه أمازيغ الجزائر الذين يعتبرون أنفسهم ضحايا سياسة عزل ممنهجة.
وتُفسر كل تلك الأحداث مدى إصرار النظام الجزائري على الترويج للفوز بكأس العرب على أنه "إنجاز تاريخي"، إذ على الرغم من أن الأمر يتعلق ببطولة غير قارية ولا عالمية، بل بمسابقة إقليمية شارك فيها معظم الدول بمنتخبات الصف الثاني أو بمنتخب هجين بين الكبار والشبان، وتُؤكد كل من "الفيفا" وقطر أن الهدف منها "تجريبي"، إلا أن تبون وشنقريحة حولا الأمر إلى "بروباغاندا" تحاول التأكيد على "التفوق الجزائري" وعلى "التلاحم بين الشعب ورئيسه وجيشه"، لكن رسما ساخرا في صحيفة ذات شعبية هدد بإنهاء مفعول هذه الدعاية مبكرا.