زَعامَاتٌ كَرتُونيّة!

 زَعامَاتٌ كَرتُونيّة!
أحمد إفزارن
الأربعاء 25 يناير 2023 - 6:36

■ بلادُنا بحاجةٍ إلى تجديدِ أحزابِها..
نُخَبُنا قد تقادَمَت، وفي مُجمَلِها بلاَ جَدوَى..
تَجدِيدُ القَدِيم، لإعطاءِ نفَسٍ لمُؤسّساتٍ مُحتَاجةٍ إلى الجديد..
أكيدًا، عِندَنا مَهاراتٌ يُمكِنُ تَحدِيثُها أكثَر، كي تكُونَ في مُستَوَى الرسالةِ المنُوطةِ بها..
وهذا لا يعنِي التّفريطَ في الكَفاءات، وفي التّراكُمِ المَعرِفِي..
يَعني فقَط التّحديث، ثُمّ التّحديث..
وهذا هو المَقصُود: تجديدُ المُتقادِم، لتحسينِ الأداء..
وعندَنا كفاءاتٌ في المُستَوَى الرّفيع، مُؤهّلة لعطاءاتٍ في سياقٍ تجديديّ..
▪︎في حَياتِنا الحِزبيةِ، تحت غِطاءٍ حِزبِيّ، زعاماتٌ لا تقفُ على أساسٍ صَلب.. ويُقالُ فيها إنها زعاماتٌ ورَقيّة.. زعاماتٌ كَرتُونيّة.. تتشكّلُ مِن فُسيْفِسَاءَ مَحسُوبةٍ على القبَليّة، والطائفية، والمَذهَبية، وعلى استِغلالِ الدينِ لأهدافٍ سياسية.. وفيها من يتعمّقُ في مضامينَ تصوُّفية ذاتِ عُمقٍ رُوحيّ هادِفٍ إلى التأثيرِ في المُجتَمَع، وجَذبِه إلى هذا الحِزبِ أو ذاك..
وفي كلّ الأحوال، تتّخِذُ هذه الزعاتُ المَظهَريةُ من الخِطابات ما يَخدُم مَصالِحَها، بدُونِ المُساهَمةِ المُباشِرة في تسويةِ المشاكِلِ الاجتماعيةِ ذاتِ التّعقيداتِ الإنسانية..
إنّها لا تقُودُ مُناضِلِيها إلى غدٍ مُشترَكٍ يتّسِمُ بتَوافُقٍ بينَ العَملِ الحِزبِيّ وأحلامِ الشخصيةِ الشعبيّة..
هذه زعاماتٌ لم تأتِ من أحداثٍ كُبرى، بل خرَجَت من مُنعَرَجاتِ الصُّدَف..
■ والتاريخُ علّمَنا أن المَحطاتِ البَشريةَ الكُبرى كثيرًا ما تكُونُ المُنطلَقَ الفِعليّ لمِيلادِ زعاماتٍ كبيرة، ومِن ثمّةَ تُحدُثُ النّهضةُ للإصلاحاتِ الجِذرية الوطنية في اتّجاهٍ عَمُوديّ، ولا مجالَ فيهِ لتخيِيبِ الآمال..
كما علّمَنا التاريخُ أن الأُمَمَ بصيغةِ الجَمع، تنبَني على القِيمةِ الإنسانية، باعتِبارِها هدَفًا استراتيجيًّا للنُّمُوّ المُشتَرَكِ الذي حَتمًا يقُودُ إلى التّطوُّر والازدِهار..
وفي هذا تُفيدُ الحَرَكيّةُ الدّيمُقراطية..
وليسَ المقصُودُ ديمُقراطيةَ الأرقام، بل الشراكة السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في صناعةِ القرارِ الوطني.. قرارِ دولةِ المؤسّسات..
وعلى هذه يكُونُ الاعتِمادُ الأساسي، عدمُ تأجيجِ الخلافاتِ من أجلِ إبرازِ هذا المَوقفِ أو ذاك..
الخِلافاتُ لا تقُودُ إلاّ لمزيدٍ منَ الخلافات..
واستفحالُ الخلافاتِ لا يُنتِجُ النهضةَ العُمومية، ولا تُلهِبُ الوحدةَ الوطنيةَ التي تقُودُ إلى رِفْعَةِ البَلَد، وإلى مَزيدٍ منَ التّقدّم..
ومِن هذا التّوجُّه العَمُودي، تُولَدُ زعاماتٌ فاعِلَة، تخدُمُ الوطَنَ والمُواطِن، وتُساهِم في بناء دولةِ المُؤسّسات..
■ ودولةُ المُؤسّسات هي الحِصنُ الحصين، لحمايةِ الاستقرارِ التنمَوي، وعلى العُمومِ تحت زعاماتٍ فعّالةٍ جديدة..
والاعتِمادُ على تَشبِيبِ النّضال، بدلَ زعاماتٍ مُهترِئة، أكلَ الدّهرُ عليها وشَرِب..
تَجنُّبُ التّقليد الأعمَى لزعاماتٍ خارجيّة..
وتَجنُّبُ الصراعاتِ مع زعاماتٍ أخرى..
وعندَما تَحدثُ نزاعاتٌ مفتوحةٌ بينَ زعاماتٍ من نفسِ البلد، تكونُ النتيجةُ المتوَقّعةُ إفرازَ زعامةٍ من ورَق..
التجاربُ الخارجيّة لا تُفرزُ بالضرورةِ نفسَ المَنتُوجِ الداخلي.. ضرورةُ حمايةِ الداخِل مِن أهواءِ زعاماتٍ أخرى، تُخاطِبُ الناسَ من الخارِج..
الداخلُ ليس صُورةً طِبقَ الأصلِ من الخارج.. لكُلّ مكانٍ ظروفُه الخاصّة المُؤهّلَةُ لإنتاجِ خريطةٍ قد تكُونُ أنسَب..
■ الزعاماتُ ليست بالكلام..
ولا يُبحَثُ عَنها على أساسِ إقناعٍ تَعبيريّ..
الكلامُ قد لا يُعتمَدُ عليه.. القولُ قَول.. والفِعلُ هو المَطلُوب.. الفعلُ هو البانِيّ.. يبنِي سيادةَ الوَطن..
وكلُّ فِعلٍ ناجِح هو بطَبعِه ركيزةٌ لمَسلَكٍ هادِف، مُؤهّلٍ عَملِيًّا لقيادةِ الرّأيِ العام إلى شاطئِ الأمان..
وكَم مِن مُثقّفين يُعطُونَك كلامًا، ولكن عندَ المَوقفِ الفاعِل، لا تجِدُ أرضيّةً صلبَة..
وأينَما ولّيتَ وجهَك، في خريطةِ هذه الأحزاب، تجدُ خِطابات، لا سلوكاتٍ في مستوى طمُوحاتِ البَلَد..
وهُنا يكمُن جِدالٌ قد يكونُ عقيمًا حولَ التباعُدِ بينَ أحلامٍ شعبية، ومُنجَزاتٍ على أرضِ الوطن، وطموحاتٍ لبناتِ وأبناءِ البلَد..
والناسُ لا تبحثُ عن حماسِ الكلام..
الناس تريد الأفعالَ لا الأقوال..
▪︎ وهذا يعني أن الزّعاماتِ التاريخية لا تُستَورَد من الخارج، بل تُصنَعُ داخِلَ الحركاتِ المُجتَمعيّة..
المُجتمعُ هو المَطبَخُ الذي تَغلِي فيه الزّعاماتُ الفاعِلةُ التي يُمكنُ الاعتِمادُ عليها، من حيثُ المَردُودِية..
على الأرض، لا في الخيال، تُصنَعُ الزعاماتُ الدّيمُقراطيةُ الحقّة.. زعاماتٌ لا تُخيّبُ الآمال.. زعاماتٌ تشتغلُ من أجلِ الصّالحِ العام، لا لِمَصالحَ خاصّة..
■ زعاماتٌ ذاتُ أشكالٍ وأنواع..
زعاماتٌ دينية، اجتماعية، سياسية، وأُخرَيات..
فيها من أوصلَتْها الثّروة.. ومَن جَعَلَها الاحتياجُ في موقعِ مَن يُطأطئُ لغيرِه.. ومَن وجدَ نفسَهُ في خدمةِ زعامةٍ مُفَبرَكة..
وأحسنُ زعامة ليست هذه..
أحسنُ زعامة هي تقديمُ الخدَمات، وبالمجّان، وبدُونِ تَفكيرٍ في الثّمن.. وبدُون الدخُولِ في مُهاتَرات..
▪︎المُهاتَرات السّياسية..
هذه لا تبنِي الأوطان.. إنها تعبيرٌ عن انفِصام بين زعاماتٍ وجَمهور..
كلٌّ مِنهُما في واد..
وعندَما تحضُرُ المصالح، تغِيبُ الخدَمات.. ويغيبُ الصفاءُ الذّهني عن تَجسِيدِ النضالِ إلى واقعٍ مَلمُوس لدى جمهورِ الأدبِ والفكرِ والثقافةِ والفن… وهذه ركيزةٌ لتنميةِ التّحرّي والبحثِ والاستِنتَاج..
إنّ جماهيرَ تائهةً باتَت تَصنَع زعاماتِها مِن لا شيء: مجموعاتٌ جاهِلةٌ وغيرُ مُتعلمة.. كيف تصنعُ هذه الزعاماتُ مُعجزةَ التّقدّم والتّحضُّر؟
▪︎الطبقات السياسية لاَ تنشأ من فراغ..
ولا تَظهر الزعاماتُ السياسية فقط من الصُّدفة أو طوارئ الأحداث، وإنما وراء كل منها ظُروفٌ مِلحاحَة..
وبصراحة، عندنا أزمةُ زعاماتٍ حِزبية..
تنقُصُنا زعاماتٌ حقيقية بِمُختلف المجالاتِ والقِطاعات..
الزعاماتُ القويةُ تَنشأُ من العقباتِ والإكراهاتِ والاحتِجاجاتِ والظّلم و الجُورِ وثقافةِ الاستِبداد..
وأخطرُها زعاماتُ التوتُّر والعُنف.. هذه على العُمومِ تظهرُ وتتألّقُ في سِباقاتِ مَلْءِ الفَراغ..
ومَن أتَى بالعُنف، ينتَهِي بنفسِ الطريقة..
وحتى الألفاظُ العنيفةُ لا تَصنعُ زعامةً لائقة، مُستمرّة، مُستَقِرّة، مُنتِجَة..
ولا تَرحلُ الزعاماتُ الحقيقيةُ إلاّ وخلفَها بصمات..
تُحوّلُ أحلامَها الذاتيةَ إلى طُموحاتٍ اجتماعيةٍ قائمةٍ على مَبادئَ تنمويةٍ في مُختلفِ القِطاعات..
ولا الزعاماتُ الماليةُ تدُوم..
و لا الزّعاماتُ القوّالة.. ولا زعاماتُ الرُّتَبِ المعرفية..
زعاماتُ الأفعالِ والإنتاجِ المَلمُوس، وحدَها تبقَى صامِدةً فاعِلة.. مًحفورة في الذاكرة..
هذه زعاماتٌ قد صَنعَت نفسَها بنَفسِها.. وبعَمَلِها..
وبهذه الزعاماتِ العَمليّةِ الفعّالةِ تنهَضُ الأوطان..
☆ بلادُنا تَعِي أنّ مُستَقبلَنا الديمُقراطي ليس بحاجةٍ إلى كراكيزَ حِزبيّة.. تَعِي أنّ هذه قد أكَلَ الدّهرُ عليها وشَرِب.. الحاجةُ ماسّةٌ إلى زَعاماتٍ حِزبيةٍ مُنبثِقةٍ مِن أوجاعِ البلَد.. وما المَناصبُ إلاّ تكليفٌ لا تشريف.. وهذه مسؤوليةٌ تعقُبُها المُحاسَبة.. وفي دُستُورِنا قد ورَد: "ربطُ المَسؤوليةِ بالمُحاسَبَة"!
[email protected]

هل الدولة الجزائرية عبارة عن "هجرة غير شرعية في التاريخ"؟

في حوار أجريناه في "الصحيفة" شهر غشت من سنة 2021 مع نور الدين بوكروح الذي يعتبر من السياسيين والمثقفين القلائل في الجزائر الذين ينتقدون "نظام الحكم" في البلاد المبني على ...