الآراء الواردة في مقالات الرأي تعبر عن مواقف كاتبيها وليس على الخط التحريري لمؤسسة الصحيفة

سولجنيتسين وهلسنكي والصراع الآيديولوجي

عبد الحسين شعبان
الثلاثاء 12 ماي 2020 - 8:44

ترافق نفي المنشق السوفييتي ألكسندر سولجنيتسين الكاتب والروائي والمسرحي والمؤرخ العام 1974 مع انعقاد مؤتمر هلسنكي للأمن والتعاون والأوروبي العام 1975، خصوصاً باحتدام الجدل حول مفهوم حقوق الإنسان في إطار الصراع المتفاقم بين الشرق الاشتراكي والغرب الرأسمالي.

وقد استخدم الغرب كل ما لديه من طاقات وإمكانات مادية ومعنوية، تكنولوجية وعلمية، ثقافية وسياسية، اقتصادية واجتماعية، أدبية وفنية في صراعه مع الشرق لإظهار جانبه المظلم، ولاسيّما ما يتعلّق بانتهاكات حقوق الإنسان المدنية والسياسية، وهو كلام حق يُراد به باطل، في ظلّ حملة دعائية كبرى استخدمت فيها الحرب النفسية والقوة الناعمة وأساليب التضليل والخداع.

وكان لرواية أرخبيل غولاغ دور كبير في تلك الحملة التي كشفت على نحو مثير ومؤلم ما كان يجري في معسكرات الاعتقال والأعمال القسرية للسجناء، وكان سولجنيتسين نفسه قد قضى فيها 8 سنوات وقد أطلق سراحه إثر خطاب ألقاه الزعيم السوفييتي نيكيتا خروشوف 1956 والذي ندّد فيه بالمجازر التي ارتُكبت في الحقبة الستالينية، علماً بأن سولجنيتسين مُنِح جائزة نوبل للآداب العام 1970.

يعتبر مؤتمر هلسنكي الذي حضرته 33 دولة أوروبية إضافة إلى الولايات المتحدة وكندا، محطة مهمة للصراع الآيديولوجي، الذي اكتسب سحراً خاصاً في ما سمّي سياسة الوفاق و"نظرية بناء الجسور" التي عبّر عنها الرئيس جونسون بقوله " إنها جسور ستعبرها بشكل دائم كميات كبيرة من البضائع والأفكار والزائرين والسوّاح"، فقد أدرك الغرب نقاط ضعف الاتحاد السوفييتي رغم جبروته وقدراته الحربية، بسبب شحّ الحريات ونظامه الشمولي ، وقد سبق لجون بول سارتر أن قال عن الدول الاشتراكية ، "إنها قلاع متينة هكذا تبدو من الخارج، لكنها هشّة وخاوية من الداخل".

وإذا كان الاختلاف بين الشرق والغرب حول مفهوم حقوق الإنسان ناجماً عن خلفية فلسفية، فإن الغرب نجح في ما وفّره من حزمة حقوق مدنية وسياسية في أوطانه لشن هجوم ضد المنظومة الاشتراكية التي انشغلت بالحقوق الجماعية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ولاسيّما الحق في العمل والتعليم والصحة والضمان الاجتماعي، لكنه عزل الكتلة الاشتراكية عن العالم في إطار ما سمّي بـ " الستار الحديدي". وهو ما حاول الغرب توظيفه عبر المنشق سولجنيتسين الذي ساهم في تلك الحملة من داخل روسيا ومن خارجها فيما بعد، في ظرف بدأت فيه رقعة الحقوق والحريات تتّسع والمطالبة بها تكبر وتتعاظم ، منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية، وانتشار الأفكار الديمقراطية بعد القضاء على الفاشية والنازية وفي ظلّ الحرب الباردة والصراع الآيديولوجي الجديد الذي امتدّ من العام 1947 ولغاية العام 1989.

جدير بالذكر أن مفهوم "حقوق الإنسان" أصبح ذو رنين عالي، ومسألة حساسة تحاول كل دولة أو جماعة أن تظهر مدى الالتزام به، والأمر لا يقتصر على الشرق بل إن الغرب ذاته يعاني من انتهاكات صارخة وسافرة للحقوق والحرّيات ويمارس أنواعاً مختلفة من وسائل التدخل بحق أمم وشعوب أخرى، بل ويحيك المؤامرات ضدها، مستخدماً امبراطورياته الإعلامية والمالية ومؤسسات خاصة لتوجيه الرأي العام بوسائل ناعمة وصلبة.

وبالعودة إلى مفهوم الحقوق فيمكن القول أنها بدأت تتطور منذ قرنين ونيّف من الزمن، وقد لعبت الثورة الفرنسية 1789 دوراً كبيراً في تعزيزه، ولاسيّما " بإعلان حقوق الإنسان والمواطن" الذي شرعته الجمعية التأسيسية الوطنية والذي يعتبر وثيقة أساسية لتأكيد الحقوق الفردية والجماعية، وذلك تأثراً بالفكر التنويري ونظريات الحقوق الطبيعية والعقد الاجتماعي التي جاء بها جون لوك وجان جاك روسو وفولتير ومونتسكيو وقد نصت المادة 4 من الإعلان أن " كل الناس أحرار، والحرية هي إباحة كل عمل لا يضرّ أحداً، وبناء عليه، لا حدّ لحقوق الإنسان الواحد غير حقوق الإنسان الثاني، ووضع هذه الحدود منوط بالقانون دون سواه".

ولكن مفهوم حقوق الإنسان لم يبلغ أوجه إلّا بعد نحو قرنين من الزمن، حيث تجلّى بإصدار الإعلان العالمي لحقوق الإنسان العام 1948 بعد صدور ميثاق الأمم المتحدة العام 1945، وقد تعمّق هذا المفهوم بإقرار العهدين الدوليين العام 1966، الأول- الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والثاني- الخاص بالحقوق المدنية والسياسية، واللذان دخلا حيّز التنفيذ العام 1976.

وإذا كان الغرب قد أثار ضجة كبرى بسبب طرد المنشق سولجنيتسين في العام 1974، وذلك بعد انتقاله للعيش في سويسرا ، ثم للولايات المتحدة، إلّا أنه نُسي تماماً بعد انهيار الكتلة الاشتراكية، وعاش في عزلة كبيرة واضطر للعودة إلى موسكو في العام 1994، وعلى الرغم من أن الرئيس فلاديمير بوتين منحه جائزة الدولة للغة إلّا أنه تم إهماله في روسيا أيضاً، حتى أن وفاته في العام 2008 لم تُثر أي اهتمام يذكر، لا في الغرب ولا في بلاده، فالصراع لم يعد آيديولوجياً بين موسكو وواشنطن ، بقدر ما هو صراع مصالح ونفوذ في إطار منظومة الاستغلال العالمي.

خُرافات رئيس يائس

في الوقت الذي كان الرئيس السوري الانتقالي أحمد الشرع، يسعى إلى لقاء مع الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، حتى تأتى له ذلك بفضل تدخل ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان، ...

استطلاع رأي

بعد 15 شهرا من الحرب على غزة أدت إلى مقتل 46 ألفاً و913 شخصا، وإصابة 110 آلاف و750 من الفلسطينيين مع دمار شامل للقطاع.. هل تعتقد:

Loading...