"صحراويون من أجل السلام" تتهم البوليساريو بـ "العمى السياسي" وتدعوها للتحلي بالشجاعة للاعتراف بأن الخيار المسلح قد فشل والاستمرار فيه سيؤدي إلى "كارثة تاريخية"
أطلقت حركة "صحراويون من أجل السلام" رسالة مفتوحة، دعت فيها إلى الوقف الفوري لـ"الحرب" مع المغرب، واعتبرت أن المشروع الانفصالي بلغ نقطة انسداد تام، سياسيا وعسكريا وإنسانيا، وسط مؤشرات متسارعة على تفكك داخلي وعزلة خارجية تهدد ما تبقى من روافع جبهة البوليساريو الانفصالية.
الرسالة التي وُجهت إلى مختلف مكونات النخبة الصحراوية – من قادة القبائل، والمثقفين، والسياسيين، وأبناء الجاليات – ترسم صورة قاتمة للمآل الذي وصلت إليه جبهة البوليساريو منذ قرارها استئناف القتال في نونبر 2020، حيث وُصفت هذه الخطوة بـ"القرار الانفرادي، غير المحسوب سياسيا ولا استراتيجيا"، والذي جرّ على الجبهة ومخيمات تندوف سلسلة من الأزمات المتلاحقة، دفعت حتى بأقرب الحلفاء الإقليميين إلى التراجع أو التملص من دعمهم.
ووفق نص الرسالة، فإن استئناف الحرب من طرف واحد، خارج أي إجماع داخلي أو تفاهم دولي، أعاد الجبهة إلى مربع العزلة التي كاد الزمن ينساهاـ إذ تشير الوثيقة إلى أن العديد من الدول قد جمّدت علاقاتها مع ما يسمى "الجمهورية الصحراوية"، فيما انضمت دول مؤثرة إلى قائمة الداعمين لمقترح الحكم الذاتي الذي تقدم به المغرب، باعتباره "الحل الأكثر جدية ومصداقية".
وتمثل المملكة المتحدة أحدث هذه الدول التي عبرت رسميا عن تأييدها للمبادرة المغربية، في موقف مماثل لما سبق أن عبّرت عنه إسبانيا سنة 2022، حين وصفت بدورها الحكم الذاتي بأنه "الأساس الأكثر واقعية لحل النزاع"، فيما هذه المواقف المتتالية تترجم تحولا في المزاج الدولي من خطاب "تقرير المصير" نحو "الحل السياسي العملي"، وهو ما فاقم من عزلة البوليساريو الدبلوماسية وأضعف من موقعها التفاوضي.
الرسالة لم تكتف برصد تراجع التأييد الدولي، بل ذهبت أبعد من ذلك، بالإشارة إلى تخلّ تدريجي للجزائر، التي تُعد الحاضن الأساسي للجبهة منذ تأسيسها، إذ أكدت الوثيقة أن الجزائر باتت تُظهر ترددا في تزويد البوليساريو بالسلاح والذخائر، ما يُنذر بخلل كبير في التوازن العسكري ويضع الجبهة في وضعية انكشاف تام.
وفي السياق ذاته، أوردت الرسالة أن موريتانيا بدورها تبعث برسائل تعبٍ واضحة، وتُفكر بشكل جدي في فرض قيود على عبور المعدات العسكرية الصحراوية عبر أراضيها، في خطوة ستكون لها تداعيات لوجستية خطيرة على تحركات الجبهة، بما يجعل من استمرارها في الخيار العسكري ضربا من العبث، حسب توصيف الحركة.
وعلى الأرض، تُبرز الرسالة أن التفوق الجوي المغربي – خصوصا باستخدام الطائرات المسيّرة (الدرون) – قد فرض واقعا جديدا، تآكلت معه مواقع البوليساريو على الجبهات، كما تشير إلى أن هذا التفوق قد أطاح فعليا بوضع "الستاتيكو" الذي فرضه اتفاق وقف إطلاق النار لسنة 1991، وأن الجبهة الانفصالية لم تعد تملك القدرة الميدانية للدفاع عن تموقعاتها، ما يجعل من استمرار القتال خيارًا مكلفًا بلا أفق.
وهذا التحول العسكري الخطير، بحسب الحركة، لم يُقابل بقراءة استراتيجية من قبل قيادة البوليساريو، بل تمت مواجهته بمزيد من التصعيد، ما فاقم الخسائر وزاد من عمق المأزق الحالي.
ولم تغفل الرسالة أيضا الوضع الدبلوماسي الأممي، إذ وصفت مهمة المبعوث الشخصي للأمين العام للأمم المتحدة، ستافان دي ميستورا، بأنها "في طريقها إلى النهاية دون أي اختراق"، مما زاد من شلل المسار السياسي وجعل المبادرة الأممية أقرب إلى الفشل.
أما داخل مخيمات تندوف، فالصورة أكثر قتامة، بحسب الوثيقة، تتدهور الأوضاع المعيشية بوتيرة متسارعة، حيث يعاني السكان من "ندرة حادة في المواد الأساسية، انعدام الأمن، تفاقم الإحباط، واستشراء الشعور باليأس الجماعي".
وتشير الوثيقة إلى أن هذه الحالة لم تعد مجرّد ظرف طارئ، بل باتت بنية مستدامة من الانهيار الاجتماعي والإنساني، تُهدد بتفكك داخلي صامت لا يقل خطورة عن العزلة الخارجية.
وفي لهجة تعبوية واضحة، تدعو الحركة النخب الصحراوية – السياسية، القبلية، الثقافية، المدنية، والمغتربة – إلى فتح نقاش داخلي صريح، دون دبلوماسية مجاملة أو شعارات إقصائية، من أجل تقييم المخاطر وتحديد الأولويات، وإعادة بناء إستراتيجية سياسية جديدة تستجيب للواقع بدلًا من البقاء أسرى لأوهام تاريخية.
وجاء في نص الرسالة: "لا مجال للاستسلام ولا للرضا عن الذات. نحن أمام مفترق طرق مصيري: إما أن نستمر في السير نحو المجهول، أو نختار مواجهة الواقع بشجاعة وبناء حلول واقعية وشريفة تحمي تضحيات شعبنا من أن تُدفن في العار والاستسلام".
الرسالة استعادت تجارب تاريخية مشابهة لتسليط الضوء على ما يمكن أن يؤول إليه الوضع إذا استمر هذا العمى السياسي، فحركات مثل حزب العمال الكردستاني (PKK) في تركيا والقوات المسلحة الثورية الكولومبية (FARC) انتهت إلى الاستسلام دون تحقيق أهدافها، بينما اندثرت حركات كبرى مثل انفصاليي بيافرا في نيجيريا ومجاهدي خلق في إيران وسط "النسيان والألم والفوضى".
واختتمت الرسالة بنداء مباشر للقيادة الحالية ومن يلتف حولها، جاء فيه: "لقد آن الأوان للتحلي بالشجاعة الأخلاقية والتواضع السياسي للاعتراف بأن الخيار المسلح قد فشل، وأن الاستمرار فيه لن يؤدي سوى إلى كارثة تاريخية.. ما زال بإمكاننا، بالإرادة والوضوح، بناء مخرج سياسي مشرّف، لا غالب فيه ولا مغلوب، بضمانات دولية تحفظ كرامتنا وتستجيب لتطلعات شعبنا".