ضربات جوية لمواقع "البوليساريو" واستنجاد جزائري بالاتفاقيات الأممية.. هل يُوسع المغرب الجدار العازل لمحاصرة بئر لحلو وتيفاريتي؟
لم تكن العملية العسكرية التي نفذتها القوات الجوية المغربية مؤخرا في المنطقة العازلة خلف الجدار الأمني، عمليةً عاديةً شكلا ومضمونا، كما أن نتائجها المستقبلية لا تبدو مريحة للجزائر التي شرعت، لأول مرة منذ دعمها "إعلان الحرب" الذي أطلقته جبهة "البوليساريو" الانفصالية يوم 13 نونبر 2020، في الاستنجاد بالاتفاقيات الأممية في محاولة لإدانة المغرب ووقف تحركاته الميدانية على اعتبار أن عمليته "استهدفت مدنيين"، الأمر الذي يشي بتغيير جذري آخر في خارطة الجدار قد ينتهي بضم مناطق جديدة.
بداية الحكاية كانت بعملية جوية نُفذت يوم 26 يناير الماضي، ولم تكشف القوات المسلحة الملكية إلى الآن عن تفاصيلها، لكن "البوليساريو" والجزائر تتحدثان عن أنها لم تعرف استخدام الطائرات المسيرة وحسب هذه المرة، بل مقاتلات F16 التي قصفت عدة مواقع شرق الجدار، مع وجود شبه إجماع على أن منطقة "مهيريز" القريبة من الحدود الموريتانية الشمالية كانت من بين تلك المناطق، وهي التي شهدت تدمير تجمعا مسلح كانت تُطلق عليه الجبهة الانفصالية "المنطقة العسكرية الرابعة"، ما أدى إلى مقتل العشرات من عناصرها.
وتتحدث أنباء أخرى عن أن هذه العملية العسكرية ليست الأولى وإن كانت الأهم والأكثر قوة، لأن مصادر صحراوية تشير إلى استهداف مسلحي الجبهة في منطقتين أخريين وسط المنطقة العازلة، شديدتي الأهمية بالنسبة للبوليساريو، ويتعلق الأمر ببئر لحلو وتيفاريتي، الأمر الذي يشي بتغير جذري في قواعد اللعبة في أهم مثلث خلف الجدار العازل، المتميز بقرب من موريتانيا من جهة ومن مخيمات تندوف في الجزائر من جهة أخرى، حيث إن الحديث المتداول الآن هو قيام المغرب بتوسيع الجدار باتجاه تلك لمناطق.
ويمكن فهم القيمة الاستراتيجية للتحرك المغربي بالرجوع لخريطة المنطقة العازلة، فمنطقة مهيريز القريبة من "أمغالا" هي أقرب نقطة للحدود مع موريتانيا، وفي حال ضمها من طرف المغرب سيعني ذلك أن الجدار سيلتصق بالحدود الموريتانية مباشرة لثاني مرة منذ التغيير الحاصل عقب عملية الكركارات والذي انتهى بضم الكركارات نفسها وشبه جزيرة الكويرة وإغلاق المنفذ الأخير والوحيد للجبهة نحو المحيط الأطلسي، لكن الأمر هذه المرة سيكون أشد تأثيرا.
ففي حال قيام المغرب بهذه الخطوة سيعني ذلك محاصرة بئر لحلو وتيفاريتي، وهما البلدتان التي تدعي جبهة البوليساريو السيطرة عليها وتعتبرهما أهم منطقتين في ما تسميها "الأراضي المحررة"، إذ كانت تصف بئر لحو بـ"عاصمتها المؤقتة" إلى حدود سنة 2008 حين نقلتها إلى تيفاريتي، هذه الأخيرة التي ظلت تلوح بنقل مخيمات تندوف إليها وبناء "مؤسساتها" فيها، وسيُكمل المغرب إحاطته للمنطقين لو مدد الجدار العازل باتجاه مهيريز، لكونه سبق أن قام بالشيء نفسه في تويزكي باتجاه الحدود الغربية للجزائر ليقترب بشكل كبير من مخيمات تندوف.
ويُفسر هذا الطرح التحرك الجزائري غير المسبوق ضد العملية العسكرية، لدرجة الوقوع في فخ التناقض، إذ إن عمار بلاني، الدبلوماسي الجزائري التي منحته خارجية بلاده صفة "المبعوث الخاص المكلف بالدول المغاربية وقضية الصحراء الغربية"، صرح أول أمس الأحد لوكالة الأنباء الجزائرية الرسمية، بأن المغرب "يخرق" الاتفاقيات الأممية الموقعة بين المغرب و"البوليساريو"، تعليقا على الضربة الجوية، رغم أن الجزائر تتبنى خطاب انتهاء وقف إطلاق النار الذي أعلنته الجبهة الانفصالية منذ أكثر من عام.
وادعى بلاني أن من يقتحمون المنطقة العازلة "مدنيون" قائلا إن المملكة "تقوم بأعمال حرب شرق الجدار الرملي وترتكب اغتيالات خارج القانون تستهدف مدنيين باستخدام أسلحة متطورة"، مضيفا أن المغرب "يخرق يوميا الاتفاقات العسكرية بين طرفي النزاع والتي أقرها مجلس الأمن الدولي"، لكنه تجاهل البلاغات "العسكرية" اليومية التي تصدرها الجبهة والتي تزعم من خلالها تنفيذ هجمات على القوات المغربية الموجودة خلف الجدار، علما أن هذه الأخيرة كانت هي التي أعلنت انتهاء التزامها باتفاق وقف إطلاق النار الموقع مع الأمم المتحدة سنة 1991.
تعليقات
بإمكانكم تغيير ترتيب الآراء حسب الاختيارات أسفله :